استمرت حادثة وفاة أحمد أكبر أنجال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز التي وقعت الثلاثاء الماضي في إشغالها للرأي العام الموريتاني لحد يوم أمس حيث تحول البلد إلى مأتم كبير تتلقى فيه أسرة الرئيس جموع المعزين شخوصاً ورسائل.
غير أن هذه الحادثة المروعة كانت محنة في طيها منحة، إذ أتاحت الفرصة لتلطيف الأجواء السياسية التي كانت مشحونة من قبل، فقد أظهر كبار معارضي الرئيس وخصومه السياسيين تعاطفاً كبيراً معه، وتتابعت وفودهم على منزله لتقديم عزاء يحمل في طياته التعاطف والمؤازرة، وهو أمر فاجأ الرئيس وتأثر له كثيراً.
وفي رسالة للشعب أعرب الرئيس الموريتاني عن «الشكر وعظيم الامتنان لكافة أفراد الشعب الموريتاني داخل الوطن وخارجه على تضامنهم مع أسرته ومواساتهم لها في مصابها الجلل». وقال «لقد أكدت اللحظات العصيبة التي مرت بها الأسرة شهامة ونبل الشعب الموريتاني الكريم فكانت تعازي الإخوة والأخوات من داخل الوطن وخارجه خير بلسم لمعاناتها، إذ عبرت بمشاعر طيبة وعواطف صادقة عن مواساتهم جميعا إثر فاجعة رحيل المغفور له بإذن الله».
«ورغم ألم المحنة، يضيف الرئيس، فقد كان في طيها منحة عظيمة تجلت في تلاحم الشعب الموريتاني بكافة أطيافه وانتماءاته كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وفي مقال تحت عنوان «العزاء الطريق للتصالح»، دعا الرئيس الدوري للمعارضة أحمد سالم ولد بوحبيني «الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وهو يتلقى آخر رسالة عظيمة من فلذة كبده، للتعاطي إيجابياً مع الرسالة الالهية، فيقبل من أجلها ما لم يكن ليقبل، ويدفع بالمصالحة السياسية إلى أبعد الحدود، ويلبي كل الشروط من أجل بناء الوطن الذي يحلم به المهمشون والمقصيون، والمغتربون داخل وخارج البلاد، وذلك من أجل وضع أساس صلب لدولة القانون، دولة العدل، دولة الإنصاف، دولة التناوب السلمي – وهذا هو الفهم السليم والتجاوب المنطقي مع الرسالة»، حسب تعبير بوحبيني.
وقال «إن على الحكومة الموريتانية، وعلى مفاصل النظام، ورجال السلطة، أن يساعدوا الرئيس في استغلال الظرف، وأن يتوقف المتعنتون منهم عن التحريض، الجلي والخفي ضد مسار السلم وطريق الخلاص وأن لا يقفوا حجر عثرة أمام الفهم الصائب لرسالة الإجماع السياسي».
«أما بالنسبة للمعارضة الساعية جدياً إلى تخليص البلاد من مخلفات الأنظمة الاستبدادية، يضيف رئيس المعارضة، فإن عليها وهي تقدم واجب العزاء للرئيس الموريتاني، أن ترفقه بحزمة من التنازلات الملموسة من أجل الوصول إلى حوار شامل، لتجاوز مطبات الماضي ومد جسور للتواصل الجديد، الخالي من التشنج والتصلب».
وأكد زعيم المعارضة «أن الفقيد أحمد ولد عبد العزيز كان في حياته، فاعل خير، ينشط في الأساس في مجال العمل الإنساني الخيري، كما لا شك أن وفاته – المأسوف عليها – شكلت بحد ذاتها عملا خيريا آخر، حيث كان العزاء بمثابة منبر جمع كل الموريتانيين، من كل أطيافهم، وألوانهم، وجهاتهم، ومواقفهم، فنجح هذا الحادث الحزين فيما فشل فيه الجميع، ألا وهو لمّ شتات الموريتانيين؛ فتقارب أكثرهم تباعداً، وتعانق أكثرهم تنافراً».
وتابع القول «ها هو حادث وفاة ابن الرئيس، يقول زعيم المعارضة، يوحد كل الفاعلين في وقت كانت فيه الحاجة ماسة إلى التعاضد ورص الصفوف، وتمتين عرى الجبهة الداخلية في وجه الإرهاب، والتشدد الديني، والتطرف الفئوي، والاحتقان العرقي، والترهل الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والتسيب الأمني، والتخلف السياسي، فلنستغل اللحظة الحزينة، ولنقرأ هذه الرسالة الإلهية العميقة، ولنستفيد من مضامينها السامية».
وخلص زعيم المعارضة في آخر مقاله للتأكيد أنه «على الرئيس الموريتاني المكلوم بفقد أعز الناس إليه، وعلى المعارضة المخلصة في تقديم العزاء، أن يستغلا إجماعهما الأول من أجل تنظيف الأرضية الوطنية من كل الأشواك، سياسية كانت أم حقوقية، لنصل بالبلاد إلى زاوية آمنة من هذه الخريطة العالمية المضطربة والمتفككة».
وتلقى الرئيس الموريتاني العزاء المباشر من رئيسي السنغال ومالي المجاورتين وكذا من السفراء، كما تلقى عشرات الرسائل المعزية من داخل موريتانيا وخارجها.
وينتظر الموريتانيون وهم يستقبلون يوم الجمعة العام الجديد الذي يتزامن مع هذه الفاجعة، انعكاسات فقدان الرئيس لإبنه على الساحة السياسية حيث عبر مدونون ومغردون عن أملهم في أن تدفع الحادثة الرئيس وأعوانه والمعارضة وصقورها، نحو التقارب والتفاهم على آلية جديدة تنعكس على موريتانيا بالاستقرار والمصالحة بعد سنوات عجاف من التجاذب السياسي.