الفنان فريد حسن في ذكرياته في موريتانيا
قصاصة من مذكراتي في موريتانيا -17-:
الزمان عام 1977م بعيد قدومي الى موريتانيا باشهر قليلة !
المكان : صالون من اهم صالونات نواكشوط في تلك الفترة !
المناسبة : حفل غداء ومقيل لي ولبعض الاشخاص الآخرين , عرفت فيما بعد ان احد هم هو مدير المركز الثقافي الفرنسي :
قبل الغداء وحول مائدة الطعام التي تحوي بعض المقبلات التي تسبق وجبة الغداء الرئيسية كلام مجاملة لابد منه يدور عادة بين المولم ( صاحب الوليمة ) وبين المميزين من المدعوين !
يتخلله تعريف القادمين الجدد باهل الدار والاصدقاء – وهذا ما حصل عندما قامت صاحبة الدعوه بتعريف مدير المركز الفرنسي
عليّ - مع شيء من المديح ووصف لموقعي الفني في موريتانيا , لم تكن الوليمة مبرمجة من طرفي على الاقل , ولا من قبل اصحابها اصحاب الصالون المذكور , كي نستغل وجود مدير المركز لغاية ما – بل لم اكن انا اعرف امكانات المركز في الاساس !
كان العود موجودا وطلب مني ان اسمعهم بعض الاغاني الموريتانية والعربية وبعض العزف على العود – وفعلت – اعجب مدير المركز بالعود وبصوته وشكله وكأنه يراه ويسمعه عن قرب لاول مرة –
كان يسأل وانا اجيب وصاحب البيت يقوم بدور المترجم بيننا – وكذلك في موضوع الاغاني : هذه كلماتها موريتانية – غنتها ديمي بنت آب مع الاستاذ فريد – وتلك غنتها معه ابتي بنت شويخ – واخرى باللهجة المصرية مغنيها الاساسي فريد الاطرش و.........الخ !
طرح الغداء واستمرت نشوة الطرب فتناول كل زيادة عما كان سيتناول – كان الرجل فرحا بالمجلس شكلا ومضمونا – طعاما وما سبقه وما رافقه –
من تلقاء ذاته ودون ان يطلب اليه احد قال مدير المركز: لماذا لا تأتي وتقيم حفلة في المركز الثقافي الفرنسي فهو مجهز بأحدث الوسائل الفنية والصوتيه والترفيهية اضافة لفرشه الجديد والمريح
وسنقدم ذلك دعما لك وهدية منا اليك ؟
انه عرض سخي جميل راق لايمكن رفضه !
اعتقدت في نفسي انها فائدة متبادلة فهو يقيم انشطة فنية ثقافية هي مبرر وجوده ووجود مركزه الثقافي – وعندما يحيي الحفل فنان معروف له شعبيته سيكون لذلك صدى اعلامي واجتماعي – وسيتعرف الى المركز من لايعرف المركز وموقعه ونمط نشاطاته – سيتعرفون الى المركز وتكون خطوة نحو الاستمرار في التردد على المركز – أي باختصار دعاية هامة للمركز !
وفائدة لي : حيث ستوفر لي مبالغ طائلة كنت انفقها على آجار الصالة – وضريبة الولاية – ورسوم الشرطة – واستحضار بعض الاجهزة الحديثة للصوت – كل هذا اضافة للفرش الرائع الجديد الذي لا يستخدم إلا في المناسبات النادرة ؟
وفعلا لم ارفض بل قلت له بكل سرور وحددنا الموعد اليوم الثالث من الشهر القادم الذي لم يكن يفصلنا عنه الا اسبوع ونيف !
وقال : إجر استعداداتك ونحن سوف نكتب اعلانا نذكر فيه بالحفلة ولن نبخل في تقديم اية مساعدة ترغب بها !
الى هنا: كلام لا احلى منه – كرم اكثر من حاتمي – تقدير للفن – رغبة في تحريك المركز وتنشيطه – رد للجميل فقد اطربته قبل الطعام وبعده وجعلته يتناول من الطعام ضعف ما يأكل عادة !
كان من الحاضرين للوليمة قريبة لاهل الدار وهي تعمل موظفة مكتبية في المركز الثقافي الفرنسي , واعتقد انها هي صلة الوصل بين اصحاب الدار وبين مدير المركز !
قال لها ذكريني غدا لاتمام اجراءات الحجز الروتينية وكتابة اعلان الحفلة ؟
جاءت في اليوم التالي وقالت لقد تم الحجز نظاميا واعتبر ان ليلة الثالث من الشهر باتت محجوزة لك !
لم اكن بحاجة الى بذل المزيد من الجهود فإعلانان في الاذاعة كافيين وبعض الاعلانات الورقية كافية لملء دار الشباب فما بالك والمركز الذي لا أعتقد انه يساوي ثلث دار الشباب في عدد مقاعده,
بعد مرور اربعة ايام ارسل لي اصحاب الصالون الذي كانت حفلة الغداء فيه منذ ايام, أن تفضل لتقيل اليوم عندنا , ولم اعرف السبب لان الناس كانوا كأهلي اذهب اليهم متى شئت كعادة كل الموريتانيين في كرمهم !
لم يخطر على بالي اني ذاهب لأمر ما غير الغداء – الصدفة العجيبة ان نفس الشخص الذي كان مدعوا المرة الماضية مدعو اليوم ايضا – في معاهد تكوين المعلمين ودور المعلمين نقول لطلابنا في الاعادة افادة – ان نعيد حفل الغداء امر مفيد لنا نحن المدعوون – لكنه عبء وتعب وانفاق على صاحب الدار – امر محير لماذا نحن كلانا فلو كنت لوحدي فغداء اهل الدار( مارو الحوت ) يكفى اما وجود هذا الضيف البراني يتطلب مقدمات ومؤخرات تكررت خلال اقل من اسبوع !
انتهى الغداء فاخرج ورقة وقلما وقدمهما إلي قائلا سجل لي هنا مصاريفك التي انفقتها على الاعداد للحفلة ؟
قلت له : لم افهم سؤالك ولا موجبه !
قال ان المركز الثقافي الفرنسي يعتذر منك عن اقامة الحفلة المتفق عليها فيه ونحن مستعدين لتعويضك عن اية خسارة ستلحق بك نتيجة ذلك !
قلت له انك تمثل دولة راقية معروفة بالحفاظ على المواعيد والمواثيق وليس رجلان هما انا وانت من اتفق – بل ممثل فرنسا احدى الدول الخمس العظمى في العالم – هل بهذه السهولة تغيرون كلامكم وتنقضون عهودكم – ( طبعا صاحب البيت يترجم بيننا )
قلت له: اريد مبررا يقنعني بتصرفك ؟ قال : لايوجد أي مبرر ! فقط اكتب أي رقم يساوي خسارتك من هذا التراجع وسندفعه لك دون جدال او تردد !
فكرت مليا عساي اجد مبررا لفعلته ؟ لم استطع الوصول الى أي سبب مقنع !
قلت له انا لا اريد منك شيئا فانت الذي عرضت علي اصلا قاعة المركز للحفلة – وانت الآن تتراجع – واشكرك على كل حال ولست محتاجا لدريهمات قليلة انفقتها – اعطيها لطالب صدقة يسألني في الطريق – لكن ان تمثل دولة عظمى وتتصرف هكذا هو الامر المحير ؟
غادر بعد الغداء وبقيت موظفته قريبة اهل الدار – وعرفت ان الاجابة على تساؤلي عندها حتما , سألتها ماذا حصل , لماذا انقلب رأسا على عقب هكذا- فهو من عرض عليّ وانا لم اتصرف باي تصرف يسيء له او لمركزه ؟
قالت : اليوم قرأ هذه الجريدة (وقد احضرت موظفته نسخة منها)
وبعد قراءته لها ناداني وقال اتصلي ببيت كذا ( اصحاب حفل الغداء السابق) وقال لها ان ينادوني انا أيضا – وهذا مافعلته – تناولت منها الجريدة : فاذا هي جريدة الشعب الناطقة بالفرنسية – وكانت فيها مقالة من صفحتين من اصل ثمان صفحات – تتحدث عن الموسيقى الموريتانية – وقد كان العنوان الكبير هو( الموسيقى الموريتانية ليست عربية ) –
وبالصدفة قرأ الموضوع رغم طوله وتكرر فيه اسمي وكان صاحب المقال من الفئة التي كانت تقف ضدي وقد كان فيه مايكفي من التهجم علي – فمقابل مجموعة كبيرة من الشباب كانت تقف معي وتكتب مع التطوير – كان هنالك مجموعة تريد ان تنقص أي عامل يقرب موريتانيا من عروبتها –
والاخوة الذين عاشوا تلك الفترة يذكرون هذه المهاترات التي دامت اشهرا الى ان حسمها وزير الاعلام آنذاك قائلا الم يبق لدينا شيء نتكلم عنه غير الموسيقى الموريتانية – اذكر من هؤلاء ثلة من الرجال منهم من اصبح في ديار الحق ومنهم من هو معنا الآن اطال الله في اعمار القراء واعمارهم !
المهم عرفت سبب رفضه ان اقيم حفلة في مركزه – ولا اريد ان اعلق على موضوع عمره تسع وثلاثون عاما – فانا حينها لم انبت ببنت شفه – لكن قلت يومها لنفسي المثل الحلبي ( عدو جدك ما بيودك) أي لا يودك ؟!؟!
والى لقاء قريب انشاء الله مع قصاصة اخرى دمتم بخير