الرأي العام الوطني بين الاحتكار الحكومي وانتزاع المطالب

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
جمعة, 2016-02-12 11:05

باباه ولد التراد

لا شك أن أحداثا ضخمة في تاريخ البشرية ما كان لها أن تتحقق وتحدث لولا إجماع كلمة الجماهير ، فعند ما تبرز على السطح قضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح الأغلبية أو قيمها الأساسية وتؤثر على عدد كبير من المواطنين فتصبح موضوعا مطروحا للمناقشة الحرة والمناظرة ، ويدور الجدل حولها إلى أن يصل الناس إلى إجماع و تتطابق وجهات نظر عدد كبير منهم حول مسائل عامة ، ويتم الاتفاق على السبل التي يمكن اتباعها لتحقيق هذه الأهداف ، عند ذلك يتبلور الرأي العام ، بعد أن تجاوز مراحله الأولى التي تتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية .

 

وقد تعددت التعريفات وتنوعت لدى الباحثين والدارسين لظاهرة الرأي العام ، إلا أننا سنكتفي هنا بتعريف الدكتور إسماعيل علي مسعد ، الذي يقول: " إن الرأي العام هو حصيلة أفكار ومعتقدات ومواقف الأفراد والجماعات إزاء شأن من شؤون تمس النسق الاجتماعي ، كأفراد أومنظمات ونظم ، والتي يمكن أن يؤثر في تشكيلها من خلال عمليات الاتصال التي قد تؤثر نسبيا أو كليا في مجريات أمورالجماعة الإنسانية على النطاق المحلي أو الدولي  ".

 

ومع أن الرأى العام كان قائما ـ بصورة أو أخرى - على مر العصور، لأنه مرتبط بالمجتمع الإنسانى أينما وجد ، فقد عرفت مدن اليونان القديمة الرأى العام ، واختبرت نفوذه وسطوته قرونا عديدة ، وكان الرأى العام هو المسيطر المطلق على كل أوجه النشاط فى تلك المدن ، ومع ذلك فقد شاع استخدام تعبير الرأى العام بمدلوله الحديث فى خضم الثورة الفرنسية ، التي ليست سوى لونا من ألوان التعبير عن الرأى العام .

 

ومع أن الكاتب الإنجليزي " باجوت " في القرن التاسع عشر ، ذكربأن أقدم وسائل التأثيرعلى الرأي العام ، تتمثل في الأحاديث التي يتبادلها الأصدقاء والمعارف ، في عدة أماكن ، مثل الشوارع ، والمنازل ، والأماكن العامة ، فقد أصبح هذا التأثير في العصر الحديث منوطا في كثير من الاحيان بقادة الرأي في جميع الدول ، بما في ذلك بلادنا موريتانيا ، التي ينبغي أن يتولى قيادة الرأي العام فيها العلماء والسياسيون والأدباء والكتاب والصحفيون والمثقفون وغيرهم ، بأعتبار أن لديهم خبرة ودراية كبيرة موثوق بها بالمسائل والقضايا والمطالب والآمال والأحاسيس ، التي تشغل الرأي العام ، بما يمكنهم من تبني الأفكار الجديدة التي تخدم البلاد .

 

كما أن هؤلاء القادة يبذلون عادة جهدا كبيرا في دراسة المواقف والمعلومات ، حتى يكونوا رأيا بشأنها ، وهوما يجعلهم قادرين على التأثير في الرأي العام ، ومع ذلك فإن لأوضاعنا الاقتصادية والأجتماعة مثل دخل الفرد ومستوى معيشته وثقافته ، تاثير بالغ الأثرعلى اَراء الأفراد وأفكارهم واتجاهاتهم ، لذلك أصبح للرأى العام دوركبير فى مجتمعنا الحديث ، ولم يعد فى استطاعة أى حكومة اليوم الاستمرار فى الحكم دون الحصول على الحد الأدنى من موافقة الجماهير .

 

ومن هنا فمن الضروري أن نؤكد في هذا المقام على بعض القضايا التي تشغل بال الرأي العام في بلادنا ، والتي يأتي على رأسها في الوقت الحاضر:

 

 ـ تخفيض أسعار المحروقات ، وهي القضية التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال المشاركة الفعالة في الحملات الضاغطة على الحكومة الموريتانية ، لمراجعة أسعارالمواد الضرورية والأساسية ، وخاصة المحروقات ، مع متابعة مكثفة للكتابات والتدوينات والاحتجاجات السلمية ، المطالبة بجدية بخفض اسعار الوقود ، بشكل متناسب مع هبوط البترول في الأسواق الدولية ، حتى ولو أكد وزير الاتصال " أن الحكومة الموريتانية  ، لا تعتزم إجراء أي تخفيض في أسعار المحروقات في الظروف الحالية " ، رغم أن الدول المجاورة لموريتانيا ، قد خفضت سعر الوقود تبعا لهبوط أسعاره على المستوى العالمي .

 

ومع ذلك فإن على الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، أن تحذوا حذو حزب التحالف الشعبي التقدمي المعارض ، الذي أصدر بيانا دان فيه بقوة " رفع الأسعار المفروضة على المواد الغذائية ذات الضرورة الأساسية " ، واعتبرالحزب في هذا البيان أن اصرارالحكومة على " إبقاء أسعار المحروقات باهظة ، رغم ما يعرفه سعر البترول اليوم من انخفاض غير مسبوق ، ليعبر عن رغبة مستمرة لدى النظام القائم في ابتزاز المواطنين ، وجمع المليارات على حساب دافعي الضرائب ، ومحاولة للتستر على الانخفاض المؤكد لقيمة الأوقية والتكتم عليه ، رغم ما في ذلك من ظلم وإجحاف ، لاسيما أن حاجيات الدولة الاستهلاكية مرتبطة ارتباطا عضويا باستيراد المواد الغذائية " ، كما طالب حزب التحالف في هذا البيان " بزيادة رواتب العمال والمتقاعدين ، للتخفيف عنهم من وطأة غلاء الأسعار" .

 

كذلك فإن المهرجان الشعبي الذي نظمه هذا المساء في دار النعيم  ، المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، تحت شعار: " الشعب يعاني الفقر والإهمال وارتفاع الأسعار" ، فقد أكد بجلاء هو الآخر ، أن الرأي العام منشغل هذه الأيام بقضية ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار المحروقات ، حيث وصف رئيس القطب السياسي في المنتدى محفوظ ولد بتاح ، الأوضاع المعيشية في موريتانيا بالمزرية ، واعتبر أن "امتناع السلطة عن خفض سعر البنزين قرار جائر يتطلب تعبيرا صريحا من الشعب الموريتاني عن رفضه ، والتصدي له بكل الوسائل السلمية المتاحة " .  

 

ـ أما في قضية أخرى قديمة جديدة ذات بعد حضاري ، فإن على الكتاب والمثقفين وقادة الرأي عموما ، أن لا يسأموا من المطالبة بترسيم اللغة العربية ، وجعلها هي لغة الإدارة والعمل ، بدلا من اللغة الفرنسية ، وإلا سيبقى جل المواطنين الموريتانيين مهمشين في وطنهم ، ويتأكد استبعاد علماء المحاضر من وظائف الدولة ، وفي نفس الوقت سينظر إليهم بازدراء من طرف الإدارة والقائمين عليها ، مع أن العمل باللغة العربية في الإدارة هو في حد ذاته ، مجرد إقرار للمادة 6 من الدستور، التي تنص على أن اللغة الرسمية هي العربية ، واللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية .

 

ـ وبما أن مادة التربية الاسلامية في بلادنا تعاني من التهميش والتبخيس الذي يطال موقعها ضمن المنظومة التربوية مما يجعلها معطلة الأهداف والمحتوى ، لكونها محدودة بساعات قليلة في الاسبوع ، ولازال معاملها صفرا في سنة الباكالوريا حتى الآن ، فإن على قادة الرأي العام في بلادنا أن يواصلوا دفاعهم عن هذه المادة التي تحتل مكانة خاصة في العملية التربوية ، كونها الوسيلة العملية الوحيدة في بناء وتكوين أفراد المجتمع، ،وذلك من خلال ما تتضمنه من أبعاد روحية وأخلاقية ، تجعل المتعلم يعيش في ظلها حياة ملؤها السعادة والاطمئنان ، و يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية ، لأن الإسلام دين يقوم على العقيدة الراسخة والعبادة الخالصة لله الواحد الأحد ، وهو دين يدعو الى التفكير والنظر ، ويحث على الأخلاق الكريمة والعلم والعمل .