«قارب اسبت» او «باخرة السكة الحديدية» اسم ألفه سكان القرى الواقعة بين مدينتي «ازويرات» ونواذيبو» في الشمال الموريتاني على القطار الذي ينقل خام الحديد حيث بدأوا يشاهدونه منذ ستينيات القرن الماضي ولا يزالون يشاهدونه حتى اليوم وهو ينساب على نفس الطريق دون كلل أو ملل.
هذا القطار تملكه الشركة الوطنية للصناعة والمعادن (سنيم) التي تنفرد باستغلال خامات الحديد في موريتانيا ويصل حجم صادراتها اليوم إلى 13 مليون طن سنويا، مما يجعل موريتانيا البلد الثاني في انتاج الحديد في القارة الإفريقية بعد جنوب إفريقيا.
ولا يمكن الحديث عن تاريخ القطار دون تعريف بتاريخ الشركة نفسها، ويبدأ من منتصف ثلاثينيات القرن الماضي حين أعلن عن اكتشاف أول منجم للحديد في موقع «ازويرات» بموريتانيا وهي آنذاك تحت الاستعمار الفرنسي ، وأدى هذا الاكتشاف إلى ميلاد إحدى أكبر المغامرات الصناعية والمعدنية في غرب إفريقيا، فانطلق العمل في «الكدية» شمال موريتانيا في قلب المناطق الصحراوية الأكثر جفافا على يد تكتل أوروبي أطلق على نفسه «شركة معادن حديد موريتانيا» (ميفرما) في 1952 قبل تأميمها لتأخذ اسمها الحالي (سنيم) في 1974.
وفي عام 1963 م تم تدشين السكة الحديدية الرابطة بين منجم «ازويرات» والميناء المعدني في (نواذيبو) على المحيط الأطلسي، لتتمكن الشركة من إرسال الشحنة الأولى من خامات الحديد واصبح خط السكة الحديدية الذي يبلغ طوله 750 كيلومتراً العمود الفقري لشمال موريتانيا فاتحا ممرا استراتيجيا عبر الصحراء . ويعتبرهذا القطار من أطول قطارات الشحن في العالم، حيث يصل طوله إلى كيلومترين ونصف الكيلومتر، وهو يمثل حلقة ثمينة من النشاط المعدني في موريتانيا كونه ينقل الكميات المستخرجة من المنجم في عمق الصحراء إلى شاطئ المحيط الأطلسي من أجل تصديرها إلى الدول المستوردة وأهمها الصين وأوروبا الغربية. وقال محمد الأمين ولد جدو رئيس بإدارة السكة الحديدية في تصريح لوكالة الأنباء العمانية «إن الشركة تسير حاليا ستة قطارات يوميا (ثلاثة مشحونة بالمعدن وثلاثة فارغة) بين مواقع استخراج معدن الحديد في الشمال وموانئ الشحن في المحيط الاطلسي وتنوي رفع هذا العدد إلى ثمانية قطارات في 2017، ويبلغ متوسط عدد عربات القطار 250 عربة تجرها أربع قاطرات بقدرة 3300 حصان أو قاطرتان بقدرة 4500 حصان ويصل وزن العربة الواحدة المشحونة بالمعدن 80 طنا.
وأكد ولد جدو أن الشركة تضمن صيانة السكة الحديدية ووسائل النقل المستخدمة عليها (العربات، القاطرات… الخ) في مواجهة الظروف المناخية القاسية، وقد نفذت لهذا الغرض مشروع صيانة (2009-2012) مكن الشركة من اقتناء بعض التجهيزات المتخصصة لتجديد السكة وصيانتها وبناء مصنع لإنتاج العارضات الخرسانية».
وإلى جانب مساهمته الحيوية الحاسمة في تصدير خامات حديد موريتانيا إلى الخارج، يلعب القطار دورا اقتصاديا وإنسانيا لا يقل شأنا في المناطق التي يعبرها ، فهو يتدخل في شتى مناحي الحياة في هذه المناطق وعلى رأسها الماء عصب الحياة خاصة في الربوع الصحراوية شديدة الجفاف، حيث يؤمن القطار منذ إنشائه تزويد المجموعات المستقرة من المواطنين على طول ممر السكة الحديدية بالماء بواسطة صهاريج تجرها القاطرات جنباً إلى جنب مع عربات نقل المعدن ويقوم بالدور نفسه على صعيد نقل الأشخاص والمواشي والبضائع مع أن رسوماً زهيدة تدفع مقابل نقل الأشخاص في مقصورات مريحة تخصص عادة لعمال الشركة والسياح. ويقوم القطار أيضا بنقل مختلف احتياجات القرى المحاذية للسكة الحديدية من المواد الغذائية والأدوية ومختلف المستلزمات ناهيك عن التسهيلات التي يقدمها للأشخاص الراغبين في نقل سياراتهم على متنه وللباعة المتجولين ببضائعهم بين القرى وحتى تجار المواشي الذين يجلبونها إلى المدن ، ورغم بطء سرعة القطار حيث يقضي 24 ساعة بين «ازويرات» و»نواذيبو»، يعتبر وسيلة نقل آمنة بالنسبة للأشخاص ومواشيهم وبضاعتهم مقارنة بالسيارات التي تجد صعوبة جمة في اجتياز منطقة تطغى عليها كثبان الرمال المتحركة ولاتوجد فيها مقومات الحياة البشرية.
وأصبح صوت القطار وهو يمرعبر تلك الصحاري أمرا مألوفا لدى سكان القرى المحاذية للسكة الحديد مصحوبا بشعور من الأمل في وصول الماء لسقي الناس أو الماشية أو رجوع قريب طال غيابه أو تلقي طرد أو مبلغ مالي من أحد الأبناء الموظفين في المدينة.