المختار ولد داهي-سفير سابق
يعتبر النموذج الديمقراطي الموريتاني رغم عيوب "اللاًإِجْمَاعِيًةِ" و المقاطعة الانتخابية الجزئية "الروتينية" من بعض الفاعلين وشًبُهَاتِ عدم "النظافة الفنية و المعنوية الكاملة" للاقتراعات الانتخابية نموذجا جَاذِبًا و جَالِبًا للاستقرار السياسي الذي يقصد به "سَيَرَانُ المشهد السياسي الوطني حتي الآن من غير كبير عُنْفُوًانٍ و لا عَنِيفِ غليان ".
و تأسيسا علي ذلك فإن النخب العَالِمَةَ عموما و النخب السياسية خصوصا مطالبة بتحسين و تحصين النموذج الديمقراطي الوطني ضمانا للحفاظ علي مكسب الاستقرار السياسي وتطلعا و سعيا إلي تحقيق "الطُمْأَنِينَةِ السِيًاسِيًةِ" التي تعني"سَيَرَانَ المشهد السياسي و تداولَه في مناخ الثقة السياسية المتبادلة و "الاحترام الدِينِيِ" للضوابط الدستورية و القانونية".
و لعل أخطر التهديدات المباشرة التي تهدد الاستقرار السياسي في بلادنا "السائرة في طريق النمو الديمقراطي" هي تنامي ظاهرتي "الشعبوية" " Populisme"و "الانتخابوية" "Electoralisme" و اللتين و إن اختلفتا قليلا فإنه يمكن تعريفهما تعريفا جامعا بأنهما "استخدام الخطاب السياسي الوَاطِئِ والهَابِطِ تأجيجا و إشعالا للمشاعر العنصرية أو الطبقية أو الطائفية أو الشرائحية أو المناطقية و ذلك ابتغاء تحقيق مكاسب انتخابية".
و المتابع للانتخابات الرئاسية الأخيرة ببلادنا ملاحظٌ الصعود "شبه المفاجئ" لمرشحٍ حاملٍ لأحد الخطابات "الشعبوية" و "الانتخابوية" و تجاوزه حاجز الرقمين( أكثر من 10% )"La Barre des deux chiffres " و هو الحاجز الذي يعني تجاوزه في الفكر و التراث السياسي الديمقراطي الحصول علي "البطاقة الاستحقاقية" للتأثير الفاعل في المشهد السياسي.!!
ضف إلي ذلك تقدم المرشح المذكور بما يفوق الضعف علي مرشح آخر هو أحد المؤسسين للمشاريع السياسية المناضِلة بوسطية و حكمة من أجل ترقية الشرائح "ذات الماضي الاسترقاقي" و هو ما يترجم ظاهرة يجب أن تَقْرِصَ آذان كل الحادبين علي الوطن باعتبارها نَذِيرَ انتصار الحدية و التطرف و هزيمة الوسطية و الاعتدال .!!
و إضافة إلي الخطاب الشعبوي للمرشح الرئاسي السابق المشار إليه آنفا فإن مشاريع أحزاب و "أحزاب مضادة"سياسية شعبوية ذات خلفيات عنصرية وعرقية و شرائحية و مناطقية تَمُورُ مَوْرًا منها ما أودع ملفات ترخيصه لدي المصالح المختصة بوزارة الداخلية و منها ما يتهيأ لذلك و ينتظر.!!
و هو ما يشي بأن الاستقطاب الشعبوي ذا الطابع العرقي و الحقوقي و الشرائحي و المناطقي سيطغي علي الخطاب السياسي و التعبوي خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سواء كانت سابقة أو منتظرة لأوانها.!!
و سبيلا إلي تفادي الغليان الشعبوي و تحصين نموذجنا الديمقراطي الذي جلب لنا حتي الآن الاستقرار و الحمد لله و نتطلع إلي أن يحقق لنا "الطمأنينة" عاجلا فإن الطبقة السياسية مطالبة بالتفكير في اتخاذ إجراءات وقائية قد يكون من أبرزها:-
أولا: مراجعة و تحيين قانون الأحزاب السياسية و التنظيمات الجمعوية بحيث تُعَسًرُ إجراءات الحصول علي الترخيص بالنسبة لأصحاب السوابق العنصرية و العرقية و الشرائحية و المناطقية و تُخفض العقوبات القانونية المترتبة علي كل المخالفات باستثناء المخالفات ذات الطابع الدعائي للعنصرية و العرقية و الشرائحية و المناطقية.
و يستحسن أن يفصل القانون المعدل أنواع و ألفاظ و أمثلة الدعايات و الأنشطة العنصرية و العرقية و الشرائحية و المناطقية التي تستوجب معاقبة الأحزاب و التنظيمات الجمعوية المرتكبة لها حتي يُسَدً بَابَا الإفراط و التفريط علي الجهات و السلطات و المحاكم الإدارية المختصة.!!
ثانيا: إنشاء مرصد وطني لمحاربة الشعبوية و الانتخابوية: و يهدف إنشاء هذه المرصد الذي ينبغي أن يضم في عضويته مُمَثِلَيْنِ اثنين عن روابط الاحزاب و التنظيمات الجمعوية إلي رصد جميع أشكال الشعبوية و الانتخابوية و إصدار تقرير سنوي يرفع إلي السلطات العليا مع اقتراح الإجراءات التصحيحية المناسبة لضمان خُلُوِ المشهد السياسي الوطني من آفتي الشعبوية و الانتخابوية اللتين تشكلان أكبر خطر علي الديمقراطية التي قد تحولانها من "رَافِعَةِ" إعمار و بناء إلي "مِعْوَلِ" هدم و فناء.!!
و لئن قال قائل بأن هذه الاقتراحات تميل ميلا -و لو قليلا- إلي تضييق الحريات السياسية فما أبرئ نفسي من ذلك وردي أن بلدا ضعيف الثقافة " الدًوْلَتِيًةِ" مثقلا برواسب الماضي الاسترقاقي، متعدد الأعراق ، شديد التراتبية الطبقية، متنوع المنازع المناطقية وقليل الموارد الاقتصادية،... حَقِيقٌ بأن تُوصَدَ فيه أبواب الشعبوية و الانتخابوية ذات الخلفية العنصرية و " الحقوقية" و الشرائحية و المناطقية.!!!