عثمان جدو
بعد أن طالعت مقال الرئيس السابق لحركة "افلام" المعنون ب ('ما أراه' "الزنوج معزولون بمكر") في أحد أشهر المواقع الموريتانية وأكثرها تقدما؛ تبادر لي أن أرد على كلامه الوارد في هذا المقال بأي طريقة إحقاقا للحق وإنصافا للحقيقة ..
لقد بدأ صاحب المقال بالتحامل على سكان هذه البلاد عموما حينما وصفهم بالتناقض الوجداني والمجاملة الظاهرة -حسب تعبيره-لما أسماه ظاهرة الإرهاب الجهادي ؛ وزاد في تحامله وتجنيه عندما قال :إن الدولة تربة صالحة للإرهاب والمجتمع أحد الملاجئ له..!
لقد نسي هذا الرجل أو تناسى أن بلادنا أبعدت عنها خطر الإرهاب وحاربته خارج حدودها ونجحت في ذلك إلى حد كبير ، كما أنها أحكمت قبضتها على أخطر الإرهابين ومنهم -مثالا لا حصرا-أولئك الذين سولت لهم أنفسهم يوما ما المساس بأمن المواطن واستجلاب مواد متفجرة مدمرة للإضرار بمصالح البلاد والعباد ، وطبعا يقبع المعنيون في السجون الآن وبأحكام قضائية تتناسب مع حجم ما اقترفوه من جرم وخطيئة..
بعد ذلك حاول هذا الانتهازي -الداعية إلى الانفصال- استغلال تشويه حقيقة قائمة تؤكد بجلاء تماسك الشعب الموريتاني وقوة تلاحمه الذي يعضده تنوعه العرقي وأحاديته العقدية واتحاده في منهج التبعية الإسلامية من خلال النفخ في الأوهام وتضخيم الأفكار المغذية للأحقاد المبينة على الأطماع الفردية ؛وإن على حساب المصلحة الوطنية ..!
إن المقتاتين على أوهام الصراع الطبقي المختلقين للأوهام مهما حاولوا بخبث ومكر أن يقدموا موريتانيا المتصالحة مع ذاتها التي تخطو بثبات نحو القضاء كليا على بقايا ذكر التفرقة والانقسام والرجعية والتشرذم القبلي ومخلفات الإرث الإنساني على أنها دولة غابات في العصور الوسطى وأنها ملاذ للتمييز وسكن للعبودية..! ؛ سيكذبون أنفسهم في أي لحظة يتخلصون فيها من أحقادهم وأطماعهم الشخصية التي تقودهم دوما إلى النظر عكس الزاوية وصرف الحقيقة عن الكنه والماهية ..
لقد نسي صاحبنا أو تناسى أن بلادنا التي تعتبر همزة وصل بين الشعوب العربية والإفريقية ؛تكفل لكل قومية ثقافتها وتقاليدها وتمنحها ما ترتب على ذلك من مستحقات تواصلية مثلا ؛بدءا بالإعلام الرسمي والحر الذي يكفل لها ذلك عرضا وتقديما في إطار وطني جامع بعيدا عن التمكين لدعاة التفرقة والفتن ؛مرورا بالإدارات التي تزخر بمن يتباكي عليهم صاحب المقال هذا وكأنه لا يرى مواقعهم في الإدارات المركزية وعلى هرم كثير من الوزارات وما بعد ذلك من انفراد بالسيادة على الأحزاب والمنظمات وباقي الهيئات .
لقد حاول هذا الرجل واهيا إذابة ذكر المصالحة الوطنية التي تحققت قبل مقدمه من مخبئه الخارجي ، والمبالغة في تجريم النظام السابق ووصف الأحداث العرقية الماضية التي تضرر منها المواطن في الجانبين ؛ بالإبادة الجماعية وكأنها جريمة صافية أحادية الجانب وأحادية الضحية وهي التي راح ضحيتها من أبناء هذا الوطن في الجارة السينغال أكثر ممن تضرروا وقتلوا هنا أو أبيدوا على منطق صاحبنا.. لكن الإنصاف لا يتسلل إلى مخيلته وبالتالي تجاهل كما غيره من دعاة الفتن وتمزيق الشعوب الضحايا الكثر الذين قضو في السينغال بأبشع الصور :قتلا وحرقا وشواء في الأفران بعد تقطيع الأثداء وفقء العيون وحذف الأذان وجدع الأنوف ..!
إن ما أشار إليه صاحبنا من أن التعيينات في مجلس الوزراء ذات طابع قبلي عنصري .. في النهاية لن يخلو أحد من المعينين في أي اجتماع وزاري مم أن ينتمي إلى إحدى القبائل الموريتانية ؛ وإذا حاول محاول ركوب ذلك وتوظيفه سيجد حتما مادته الدسمة ومبتغاه من ذلك خاصة في نفوس مرضى الأوهام الذين يسارعون إلى فهم هذه الدعايات ويتباطؤون في فهم مؤداها بصورة نزيهة بعيدا عن التشويه وتضييق القياس عليها ؛ لكن الناظر المتبصر سيجد غالبية السكان ممثلين على اختلاف ذلك وتفاوته وسيدرك جيدا أن الذين يتحدث عنهم هذا الرجل من أكثر الممثلين في الحكومة وفي الإدارات التابعة لها بل هم الآن في عصرهم الذهبي من حيث التموقع المحكم في مفاصل الإدارات ، وحتى على مستوى التمثيل القيادي العسكري والجمعوي .
إن ما ذهب إليه الرجل من وصف المدارس المتخصصة بالإقصائية والتمييز لا يخفى زيفه وبطلان ادعاؤه؛ فالذين يتحدث عنهم الرجل -تعديا عليهم-يطغى انتشارهم على ساحات هذه المدارس وتكتظ بهم فصولها وهم المستفيد الأول من استهداف مخرجاتها و ميدان الشركات المعدنية خير شاهد على ذلك .
إن القول أن الإدارات تتعرض للتبيض الممنهج -في إشارة إلى قومية وثقافة ولغة- يكذبه كون المفرنسون مازالوا هم المسيطرون وهم المبجلون ظلما للعربية وتضييقا وتهميشا لحاملي لوائها ..!
إن التقييد الذي قدمه هذا الرجل كذبا وبهتانا على أنه لمصلحة عرق واحد ؛ هو الذي نالت منه الأعراق التي يتحدث عن إقصائها منه نصيبها وزيادة ؛ زيادة لكل من ادعى الانتساب إليها ظلما وزورا ، وحظي في حالات كثيرة بما أدعى ونال من ذلك ماتمنى؛ لأن الحلف أمام القاضي أو الحنث أولى منه الوثائق عنده والإتحاد على الآخر والتناصر هي سمة تلك العناصر..
سكان الضفة أحسن حالا من ذي قبل بكل المقاييس ،سيادتهم على أرضهم، رعاية نشاطهم ،دعم زراعتهم ،التكفل بهم وبحصادهم ، تعويضهم عن الأيام الخوالي دون غيرهم ..!
إن مواطني غرب إفريقيا الذين استزاد بهم الرجل أمواجه التي ركب وقدمهم على أنهم يعانون من حظر يومي للتجوال ؛هم الذين يتهربون من تصحيح أوضاع إقامتهم وهم المخالفون للقانون بعدم حيازة للأوراق والتراخيص وهم الناهبون لخيرات البلد دون إسهام في الضرائب التي تعود إلى المواطن من خلال خدمات الدولة ، وهم أيضا الحاضنة الأولى لمرتكبي الجرائم والمتعاطين للممنوعات..!
إن وصف اتحاد الرماية المرخص له والذي تنضوي تحته فرق رياضية معروفة ومحصورة النشاط بالميليشيات لهو ادعاء باطل وتهجم مرفوض ومردود في نحر قائله .
إن الذهاب إلى أن الدولة -التي بدأت ترسم ملامح دولة المؤسسات رغم كل الإكراهات- تتجه إلى المجهول وأن الذين لم يشذوا عن المسار السليم بمؤازرتهم لشواذ الفكر وخوارج الوطن "صامتون" على الأذى هو عين الأذى ، و كلام هذا القائل بذلك وتلفظه بالأذى أخطر على كيان الدولة من ممارسة الأذى..
إن المتطرف هو من يسعى إلى التفرقة بين مكونات الشعب الواحد و هو الذي يستجيش العواطف ويلاطف شواذ الأفكار ليعزف على الأوتار ويطرب لتقسيم المجتمع وخراب نسيجه ودمار الديار..