انتفضت قيادات تاريخية في حزب الاستقلال مطالبة الأمين العام للحزب بالاستقالة نظرا لما تسببت فيه تصريحاته الأخيرة المعادية للسيادة الوطنية والترابية للجارة موريتانيا، من تداعيات قوية ستحدد مصير مشاركة الحزب ذو التوجه القومي في الحكومة التي يجري التفاوض بشأن تشكيلها منذ أزيد من شهرين ونصف في ظل “انحباس″ أو (بلوكاج) سياسي لم تظهر معه أي نتائج ايجابية لحد الساعة حول المشاورات التي يقودها زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الاله بن كيران.
في هذا الإطار تحركت قيادات تتمتع بحمولة تاريخية وازنة داخل الحزب يتقدمها السياسي البارز في عهد الحسن الثاني والأمين العام السابق لحزب الاستقلال، محمد بوستة مساندا بالقيادي محمد الخليفة عضو اللجنة التنفيذية، من خلال توقيع عريضة ضد شباط، ضمت أيضا ثلاث شخصيات بارزة هي كريم غلاب وياسمينة بادو وتوفيق حجيرة، وميزتهم المشتركة أنهم ثلاثتهم شغلوا مناصب وزارية في حكومة عباس الفاسي التي عصفت بها موجة الحراك الذي قادته حركة 20 فبراير في خضم أحداث “الربيع العربي” 2011، كما أنهم أعضاء داخل اللجنة التنفيذية للحزب.
وفي حوار له مع يومية “أخبار اليوم” المغربية، قال الخليفة ان موضوع استقلال موريتانيا بالنسبة للمغرب كان منتهيا منذ عودة محمد الخامس من المنفى وخروج الحماية الفرنسية عن تراب المغرب، وأن الجدال الذي دار وقتها بشأن تبعية موريتانيا للمغرب، لم يكن حزب الاستقلال وحده يعتبر فيه أرض “شتقيط” تابعة للمغرب وإنما “الشعب الموريتاني مجسدا في شخصيتين بارزتين يمثلانه في البرلمان” هما حرمة ولد بابان والداي ولد سيدي باب، إضافة الى الامير فال ولد عمير كانوا يدافعون عن مغربية موريتانيا الى جانب شخصيات اخرى لديها تأثير قوي وسط الحقل الثقافي والفكري في موريتانيا، موضحا أن هذه المعركة انتهت مهائيا عام 1962 باستقلال دولة موريتانيا عن فرنسا والتي اعترف بها المغرب رسميا وشعبيا عام 1969.
وقال الخليفة أن حزب “الاستقلال” لم يعد يتحدث عن موضوع موريتانيا الذي حسم، مذكرا بأن أول سفير عينته الرباط في نواكشوط كان قاسم الزهيري أحد قادة حزب الاستقلال وأن الرئيس الموريتاني المختار ولد داده حضر عام 1969 للمغرب وشارك في مؤتمر القمة الاسلامية ما يؤكد اعتراف المغرب بدولة موريتانيا ووضع حد، بذلك، للجدل.
ولم يقف القيادي البارز في حزب الاستقلال عند النقاط التاريخية لهذا الجدل حول “مغربية” موريتانيا والذي لا يعد من المواضيع ذات الأهمية لذا المغاربة، بل انه شن هجوما حادا على الأمين العام للاستقلال حميد شباط، متهما إياه بالرجل “الشعبوي” الذي يسعى الى خلق “الكثير من بؤر التوتر” من أجل أن يشغل بها الناس عن الموضوع الحقيقي، في اشارة الى الخلاف الدائر بين حزبه وحزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يرفض مشاركة شباط في الحكومة القادمة.
وقال الخليفة أن هذا الأسلوب “الشعبوي” الذي يتعامل به حميد شباط “لا يرتضيه لحزب الاستقلال”، مضيفا أن التصريحات التي أدلى بها شباط والمشككة في السيادة الموريتانية، كانت “خاطئة وقاتلة”، وتبرأ المتحدث مما وصفه بـ”صب شباط الزيت على النار” خاصة في الوضع المتأزم بين الرباط ونواكشوط، وأن ذلك لا يمثل سياسة الحزب الرسمية وانما توجه شخصي لأمينه العام وأنها “شعبوية” يريد من ورائها أن يقول أنه “اذا لم تريدونني في الحكومة فإنني قادر على خلق مشاكل كبيرة للمغرب”.
وحول مستقبل الحزب في التشكيلة الحكومية المنتظرة قال الخليفة، ان رئيس الحكومة المكلف “لم تكن لديه أدنى حجة” للقبول باقتراح حزب “التجمع الوطني للأحرار” المطالب باستبعاد حزب الاستقلال، مفصحا أنه لا يدري كيف فكر شباط في إعطائه مبررا وحجة دامغة لقبول بهذا الاقتراح بسبب “تصريحه اللامسئول”.
وأضاف المتحدث أن شباط ارتكب خطأ قاتلا بذلك التصريح وبما أنه اعتذر ومن يعتذر في “السياسة عن مثل هذا الخطأ القاتل والخطير” يتعين عليه تقديم الاستقالة تلقائيا.
وتابع أنه لا يعترف بشباط أمينا عاما للحزب، وحول قراءته للبيان الذي أصدره الحزب ردا على بيان الخارجية المغربية، قال أن بيان اللجنة التنفيذية لـ”الاستقلال” لم يكن متسقا مع نهج الحزب، وأن من وقعوا البيان تراجعوا عن موقفهم الداعم لشباط بعد قيامهم بنقد ذاتي، وأنهم اعتبروا أنفسهم أخطأوا التقدير خاصة بعدما أن “اضطر الملك الى الاتصال بالرئيس الموريتاني وبعث رئيس الحكومة لنزع فتيل الأزمة” على حد تعبيره.
وطالب شباط بالانصراف الى “حال سبيله”، مضيفا أنه لا يجب أن يتوقف ربط مصير الحزب بشخص في ظرف أربع سنوات ارتكب من الأخطاء ما لم يرتكبه أي عدو في حزب “الاستقلال”، على حد وصفه.
الى ذلك عنونت صحيفة “الصباح” ،الاثنين، بالمانشيت العريض “بن كيران يعلن الطلاق مع الاستقلال” وهي تكشف عن توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، قرارا ينهي بموجبه “صلاحية” حزب الاستقلال كحل وحيد لتجاوز “الاحتباس″ السياسي الذي يرهن البلاد بحسب تعبير مصدر من حزب العدالة والتنمية.
ونقلت عن مصادر من الحزب الاسلامي أن “الاستقلال” صار خارج أجندة المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة وذلك بعد أن “تعذر على بن كيران تحقيق أي تقدم يذكر في مواجهة الرافضين” لدخول حزب شباط داخل التشكيل الحكومي.
وكشفت المصادر أن دائرة الممانعة اتسعت بعد تصريحات شباط، مؤكدة إبلاغ بن كيران الأمانة العامة (قيادة) لحزبه أن قرار “اسقاط الاستقلال من حسابات تشكيل الحكومة أصبح نهائيا”، وأنه قد تأكد لرئيس الحكومة استحالة حلحلة الوضع.
رأي اليوم