الأوراق السرية .. لعراب المحرقة / عبد الله الراعي
إنه يتذكر إرتباكه وحيرته.. وبعضا من تفاصيل كلمات تثير الضحك .. تفوه بها وغدا نادما على خروجها بتلك الطريقة المخجلة .. فيزداد توتره ويغرق في بحر من الأخطاء الآسنة التي تحاصر جسده المترف .. وهو يقف بين أصدقائه من زوار معتقل " أوشفيتز " جنوب بولندا لإحياء ذكرى محرقة اليهود المزعومة ، " الهولوكوست" .. إن ذاكرته ليست بأحسن حالا فهي تقفز من حدث الى آخر متناولة الأحداث الأكثر كسلا في أعماق حياته الماضية في طريقها الى باب مغسلته .. لنشر بعض من أوراق ضياعه ..
لقد تسارعت خرجات الرئيس الأسبق أعل ولد محمد فال في الفترة الأخيرة ببعض البيانات النارية المنذرة بالضياع لهذا البلد ، ودون أن يقدم في المقابل رؤية واضحة لسبيل الخروج من تلك المشاكل التى تحدث عنها الرئيس الأسبق ، والمنطق يقول إنه من واجبه كشخص صاحب تجربة وسبق أن قاد هذه البلاد ـ او يقال كذلك ـ تقديم رؤية واضحة المعالم تخرج البلاد من المأزق الذي يراها وقعت فيه ، أما أن تكون كل تلك البيانات والتصريحات فارغة المحتوى، فهذا شئ لا يحتمل إلا قراءة واحدة , وهي ان الرئيس الأسبق غاظه نجاح رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في تسيير البلاد على كافة الأصعدة ، السياسية والاقتصادية والإجتماعية والأمنية ، والأدلة على ذلك دامغة ومعززة بالأرقام الحقيقية غير الأرقام التى تحتفظ بها ذاكرة الرئيس الأسبق تعلقا بحياته الماضية .
لقد نجح الريئس ولد عبد العزيز في وضع أسس دولة القانون، وتكريس التعددية، وتعزيز الديمقراطية؛ من خلال فهمه العميق لواقع الدولة والمجتمع الموريتاني فتعاطى مع كل الأحداث الكبيرة بمستوى من النضج والمسؤولية أهله بأن يحجز مكانا شاسعا في نفوس الشعب الموريتاني ، وحرص منذ وصوله للحكم على الترفع على التفاهات التى ينضح بها بين الفينة والأخرى بعض الأطراف في المشهد السياسي، وانعكس ذلك بشكل جلي على مستوى التعاطي مع مختلف الفاعلين في العملية الديمقراطية من أحزاب ومنظمات حقوقية ، ومجتمع مدني ، ووسائل الإعلام ، حيث أصبحت البلاد اليوم محط أنظار العالم لما حققته من رقي ديمقراطي رغم الصعوبات والمعوقات التى شهدتها هذه المرحلة ،وتم إعتماد خيار الحوار كوسيلة لتخطي العقبات وتجاوز الخلافات، بالتوصل للحلول المثلى
للقضايا محل الخلاف بين الشركاء السياسين "، وهو المنهج الذي ظل بابه مفتوحا من طرف الحكومة لكل المبادرات الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ الديمقراطية بعيدا عن دائرة الأحكام الشمولية .. حيث كانت تتم الصفقات تحت الطاولة و في صالونات الغمار .. ويبقى الشعب يدور في فلك التخلف والجهل والفقر.
وتم بهذا الخصوص تنظيم إنتخابات تشريعية ومحلية بمشاركة 71 حزبا سياسيا؛ بنسبة مشاركة تجاوزت 75% في الشوط الأول و72% في الشوط الثاني. وقد نظمت في ظروف جيدة رغم النواقص التي سُجلت والتي لا ترقى إلى مستوى التشكيك أو النيل من مصداقيتها، ثم أشفعت تلك الإنتخابات بانتخابات رئاسية تنافس فيها خمسة مرشحين وتخلف عنها بعض المكابرين الراغبين في زعزعة الأمن والإستقرار ، وخاضوا في سبيل ذلك حملة شعواء من أجل مقاطعة الإنتخابات غير أن الشعب الموريتاني قال كلمته وشارك بقوة في إنتخاب رئيس للجمهورية إذ وصلت نسبة المشاركة 56,57% وليست 25% ياسيادة الرئيس .وهي ضربة قوية كشفت حجم القواعد الشعبية للمعارضة .
ولا شك أن ما تم إنجازه في المجال الاقتصادي يشكل تطورا غير مسبوق في تاريخ الدولة منذ الاستقلال وحتى اليوم حيث استقر تزايد نمو الاقتصاد الوطني فبلغ %6,2 من الناتج الداخلي الخام سنة 2012، في ظل ظروف دولية طبعها استمرار الأزمة المالية، وارتفاع سعر السلع الأساسية، وظهور جفاف هو الأسوأ منذ عدة سنوات. وبلغ احتياطي البنك المركزي الموريتاني من العملات الأجنبية 942 مليون دولار أمريكي في سنة 2012، وبلغ النمو الاقتصادي لسنة 2013 نسبة 6,7% وتم تثبيت مستوى التضخم في حدود 5% واستقرت احتياطيات البنك المركزي من الصرف الأجنبي في حدود المليار دولار أي ما يعادل سبعة أشهر من الاستيراد، بينما لم تكن تتجاوز شهرا واحدا ما قبل 2009. وتم بذل جهود معتبرة في مجال تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، والعناية بالفئات الفقيرة والهشة، وتشييد البنية التحتية، ومحاربة الفساد وترشيد الموارد العمومية، مما مكن من رفع الميزانية العامة للدولة بصفة عامة والميزانية الموجهة للاستثمار بصفة خاصة، كما تمت إعادة هيكلة الاقتصاد الفعلي بشكل يضمن الحفاظ على الثروات الوطنية وتمكين أكبر عدد من المواطنين من الاستفادة المباشرة منها، ولعل مراجعة اتفاق الصيد مع الاتحاد الأوروبي خير دليل حيث مكن الإتفاق الجديد من إدخال تحسينات جوهرية على عدة مستويات فنية واقتصادية؛ ستؤدي إلى دمج أكبر لنشاط الأسطول الأوروبي في الاقتصاد الوطني وزيادة نسبة العمالة الموريتانية، التي ارتفعت من 35% إلى 60%، وتخصيص 4% من الكميات المصطادة لصالح الفقراء الموريتانيين هذا بالإضافة الى العناية الخاصة بقطاع التنمية الحيوانية والزراعة حيث اطلقت عشرات المشاريع النوعية في مجال تحسين الإنتاجية من الثروة الحيونية عن طريق مشاريع تحسين السلالات بشكل يضمن تطوير هذا القطاع الذي يعتمد عليه ثلثي الشعب الموريتاني ، وأعطيت عناية خاصة للقطاع الزراعي حيث تم ضخ مئات المليارات من ميزانية الدولة الموريتانية لإنقاذ هذا القطاع الذي كان يحتضر قبل سنة ألفين وتسعة ، ووصل إجمالي الأراضي المستصلحة أكثر من ثمانية وأربعين ألف هكتار مما أعطى نتائج كبيرة على مستوى الإنتاج الزراعي ، وأطلقت الحكومة مشروع قناة أفطوط الساحلي بغلاف مالي وصل عشرة مليارات أوقية على نفقة الدولة الموريتانية وسيسمح هذا المشروع بإستصلاح ستة عشر ألف هكتار الأمر الذي سيعزز الأمن الغذائي للبلاد.
وفي مجال استغلال المناجم ورقابتها، تم إنشاء فرق جهوية من شرطة المعادن بهدف الرقابة الدائمة على صادرات شركات المعادن ، وإعداد مخطط تفصيلي للرقابة والتفتيش ، ويشهد القطاع تطورا كبيرا حيث أصبح جاذبا للإستثمارات الخارجية مما سمح بتوفير فرص عمل للآلاف من الشباب الموريتانيين وأسهم بشكل ملحوظ في الموازنة العامة للدولة ، وقد شهدت منظمة الشفافية العالمية للصناعات الإستخراجية بجهود الحكومة بتطور الشفافية في القطاع المعدني في موريتانيا ، وقد ذكرتم سيادة الرئيس في بيانكم أنه تم تعليق عضوية موريتانيا في المنظمة وهو أمر عار من الصحة.
وتم احتواء التهديدات الارهابية المستمرة والتصدي للتحديات الأمنية الميدانية الناجمة عن تواجد عصابات الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود في شبه المنطقة، عن طريق تجهيز وتكوين أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن لتستجيب بشكل فعال للواقع الأمني ولطبيعة العدو، و لم يقتصر دور الجيش الوطني في مهامه الأمنية التقليدية، بل أصبح يسهم بشكل فعال في مجهود التنمية في البلاد، عن طريق المشاركة في بناء وتشييد البنية التحتية الوطنية، بواسطة الهندسة العسكرية وإدارة الأشغال العمومية بالجيش، وكذلك تم إنشاء مدارس عسكرية تعمل على تخريج جيل منضبط وواعي بأهداف التنمية المتكاملة ، وهذه حقائق دامغة تفضح ما جاء في بيانكم ، حيث أصبح بإمكان قواتنا المسلحة أن تتدخل في أي نقطة من البلاد في ظرف خمسة عشرة دقيقة بفضل سلاحنا الجوي.
حقائق ومعطيات ..
خلال المرحلة الإنتقالية للمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية التى حكم فيها العقيد أعل ولد محمد فال أوعز إليه بعض مستشاريه في الداخل ومن الخارج بأن يقترح على الشعب الموريتاني التصويت بالحياد في الإنتخابات الرئاسية وهو الأمر الذي يعني تزكية الرئيس أعل ولد محمد فال وبقائه في منصب رئيس الجمهورية ، ففهم بعض أعضاء المجلس العسكري آنذلك اللعبة وأعلنوا للرئيس بشكل قاطع رفضهم لتلك الدعوة بل وارغموه على سحبها بشكل علني وأمام وسائل الإعلام المحلية والدولية .
لقد كان المقترح مقدما بشكل أساسي من اللوبي اليهودي الذي كانت مصالحه مرتبطة بالعقيد ولد الطايع وبالتالي فإن الخيار الأنسب أن يبقى الرجل الثاني بعد ولد الطايع في عمق العلاقات مع اليهود في منصب رئيس الجمهورية وذلك لرعاية مصالحها في المنطقة وهو ما فشلت في تحقيقه .
وقد جرت الأحداث بمالا تتوقعه إسرائل خاصة بعد وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز الى سدة الحكم وقطعه للعلاقات مع الكيان الصهيوني ، وبتلك الخطوة الشجاعة والمباركة من طرف الشعب الموريتاني , تقزمت أظافر الدولة الإسرائلية وتراجعت مصالحها الواعدة في شبه المنطقة ، لقد ظلت إسرائيل تطمح الى التقلقل داخل إفريقيا خاصة منطقة الساحل والصحراء والمغرب العربي وذلك بهدف الحصول على بعض الإمتيازات الإقتصادية نظرا لإحتواء المنطقة على ثروات طبيعية هائلة خاصة من المعادن ومن المعروف أن اللوبي اليهودي يسطر بشكل كبير على الشركات المتعددة الجنسية التي تستثمر في مجال المعادن وكانت هذه الشركات عن طريق اللوبي اليهودي العالمي قد وضعت خارطة توسعها في المنطقة وكان من بين الدول المستهدفة في المغرب العربي تونس وموريتانيا وظلت تونس طيلة فترة الرئيس المخلوع بن علي مركزا لتوجيه سياسات اللوبي اليهودي وعملائه في المنطقة ومن المعروف أن الجاليات اليهودية في المغرب العربي لديها رؤوس أموال خاصة في المغرب والجزائر .
ولتدعيم ذلك الدور وتعزيز العلاقات في المغرب العربي كان لابد من بناء علاقات قوية مع رجال الأمن والشخصيات السياسية في هذه الدول وقد نجحت في ذلك إلي حد كبير غير أن قطع موريتانيا لعلاقاتها مع إسرائيل وأحداث الربيع العربي التى ذهبت بحاكم تونس المقرب من اللوبي العالمي أربك حسابات إسرائيل وفرض عليها طرق أبواب مختلفة للعودة الى المنطقة بأي ثمن، ولعل محاولة وفد يهودي حضور مؤتمر القمة الإفريقية الأخيرة هو خير دليل على ذلك الطموح الإسرائلي ، غير أن جهود الوفود العربية وخاصة الوفد الموريتاني وجه صفعة جديدة لذلك المسعى وقد تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن انزعاج تل ابيب من شخص رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز إذ ترجح تلك المصادر أن يكون له الدور البارز في الإعتراض على حضور الوفد اليهودي كمراقب في القمة الإفريقية .
وبمجرد وصول خبر تلك الصفعة الجديدة التى وجهتها الدولة الموريتانية للكيان الصهيوني توالت البيانات والتصريحات النارية من حلفائهم في الداخل بشكل غير مسبوق ، ونعتقد أن تلك التصريحات والبيانات ماهي إلا إنزعاج من إهانة الحلفاء وقطع الطريق مرة أخرى على مسعاهم في التوسع في المغرب العربي ومنطقة الساحل .
والواقع أن تلك الجهود المحمومة لتشويه مسيرة الإصلاح التى يقودها رئيس الجمهورية لن يكون لها تأثير على الأرض بفعل انعدام القدرة عند الأشخاص الذين يحملون لواء المصالح اليهودية في المنطقة .