التنسيق الأمنيّ بين الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة و”نظرائها” التابعة للسلطة الفلسطينيّة في رام الله، هو من أكثر الأسرار المعروفة للجميع، في تل أبيب ورام الله والعواصم العربيّة والغربيّة على حدٍّ سواء.
القيادة الفلسطينيّة، وتحديدًا رئيس السلطة، محمود عبّاس، تؤكّد لتسويق وتبرير التنسيق أنّ الحديث يجري عن سلطة تحت احتلال، والتنسيق ضرورة ملحة لتسيير حياة الفلسطينيين. كما أنّ رئيس السلطة لا يُخفي بتاتًا موقفه من الانتفاضة، حيث أكّد في أكثر من مناسبةٍ على أنّها، أيْ الانتفاضة، جلبت الدمار للشعب الفلسطينيّ، وهو الذي يمنع العمليات ويُصادر الأسلحة ويعدم أيّ أمل في حدوث انتفاضةٍ حقيقيّةٍ.
بناءً على ما تقدّم، لا يختلف اثنان بأنّ الطرف الإسرائيليّ هو الرابح الأكبر من هذا التنسيق، وبحسب مُحلل الشؤون العربيّة في موقع (WALLA) الإخباريّ-العبريّ، آفي إيسخاروف، فإنّه على ارض الواقع، يبدو التنسيق الأمني ناجحًا، وتُشيد السلطات الأمنيّة الإسرائيليّة بنجاحه، ويستمر اعتقال الـ”معتدين” وتبادل المعلومات بين الطرفين، وتفرق وكالات أمن السلطة المظاهرات في الضفّة الغربيّة، على حدّ تعبير المصادر التي اعتمد عليها.
إيسخاروف أضاف، نقلاً عن المصادر عينها، أنّ السلطة الفلسطينيّة وقيادة فتح تخشيان من أنّ التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل تجعلهم يبدون كعملاء، تمامًا كما نظر اللبنانيون إلى جيش لبنان الجنوبيّ، تحت قيادة الجنرال أنطوان لحد، عندما ساعد إسرائيل في الحفاظ على سيطرتها على جنوب لبنان حتى انسحاب الجيش عام 2000. وهناك قلق في الأجواء الحاليّة بأنْ تضعف السيطرة على وكالات الأمن، وحماس تعمل جاهدًا على إقناع عناصر أمن السلطة بتوجيه أسلحتهم إلى إسرائيل، شدّدّت المصادر الإسرائيليّة الرفيعة.
في السياق عينه، كشف موقع “انتيليجينيس اون لاين” الفرنسيّ المتخصص في الشؤون الاستخبارية، والذي اقتبسه موقع (NRG) الإخباريّ-العبريّ، كشف النقاب عن تعاونٍ وثيقٍ للغاية بين جهاز الأمن العام الإسرائيليّ (الشاباك)، وجهاز “الأمن الوقائيّ الفلسطينيّ”، إلى حدّ أنّ ممثلي الطرفين عقدا ثمانين لقاء سريًّا، على الأقّل، خلال العام الماضي.
وذكر الموقع، أيضًا، أنّ أمن السلطة أحبط ما لا يقل عن 58 عملية فدائيّة ضدّ أهدافٍ إسرائيليّةٍ، وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، وأنّ الاعتقالات التي ينفذها تجري على ضوء المعلومات الاستخبارية الإسرائيليّة، وهو ما لم تنفه المؤسسة الأمنية الفلسطينيّة. واللافت أكثر أنّ من يسارع إلى تأكيد استمرار هذا التنسيق وقوته المواقع والمصادر الإسرائيليّة في غالبية الأحيان.
وبحسب مُحللين إسرائيليين فإنّ عوامل كثيرة تدفع السلطة ورئيسها إلى التمسّك بالتنسيق الأمنيّ، منها أنّه سلاح مزدوج بيد السلطة، فمن جهة يُمكنها ملاحقة المعارضين لسياساتها في الضفة الغربيّة واعتقالهم. ولا يقتصر الأمر على تنظيم معين، فالكثير من أبناء “فتح” اعتُقلوا وحوكموا وسُحب سلاحهم بتهمة مناهضة السياسة العامة للسلطة. من جهة ثانية، يُشدّد المحللون، ترى السلطة أنّ التنسيق الأمنيّ هو بمثابة مقياس دائم لإثبات جدارتها أمام حكومات تل أبيب وواشنطن، بحسب وصفهم.
مهما يكُن من أمرٍ، فإنّ التنسيق الأمنيّ باقٍ ومستمر، ولا يمكن للسلطة الفلسطينيّة وقفه مهما بلغ الاحتجاج الشعبيّ أشدّه، فمبررات وجودها قائمة على أدائها الأمنيّ. كما أنّ رام الله لو فكّرت مجرد تفكير بوقف التنسيق، فسيحرمها ذلك ما نسبته 80 بالمائة من إيراداتها الماليّة، على اعتبار أنّ الولايات المتحدّة والاتحاد الأوروبيّ هما أبرز الجهات المانحة للسلطة، وكلاهما معنيٌّ بأمن إسرائيل.
وكانت صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة كشفت النقاب، نقلاً عن مسؤول فلسطينيّ، وصفته بأنّه رفيع المستوى، أنّ قوات الاحتلال وبالتعاون مع الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة، قامت بتنفيذ عملية مشتركةٍ في الضفّة، مُباشرةً بعد اغتيال إسرائيل القياديّ الفلسطينيّ، الشهيد زياد أبو عين، الذي كان مسؤول ملّف الاستيطان في السلطة الفلسطينيّة. وأكّدت الصحافيّة التقدّمية، عاميرا هاس، التي تتخذ من مدينة رام الله مقرًا لها، أكّدت في تقريرها، الذي اعتمد على مسؤول فلسطينيّ، أنّ الإعلان عن وقف التنسيق الأمنيّ بين إسرائيل والسلطة من قبل جهات وشخصيات فلسطينيّة، عُقب استشهاد أبو عين، كان هدفه داخليًّا، لامتصاص الغضب داخل حركة فتح. وشدّدّ المسؤول على أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تنوي وقف التنسيق الأمنيّ مع الجيش الإسرائيليّ. وتابع المسؤول الفلسطينيّ قائلاً إنّ السلطة الفلسطينيّة تعرضّت لضغوطاتٍ من قبل الإدارة الأمريكيّة للحيلولة دون اتخاذ قرارٍ بوقف التنسيق، ولكنّه استدرك قائلاً إنّه منذ البداية لم تكن هناك نيّة لدى القيادة الفلسطينيّة في إخراج التهديدات بوقف التنسيق الأمنيّ إلى حيّز التنفيذ، على حدّ تعبيره.