خاطرة :
من اهم صفات موريتانيا التي كانت تتميز بها على كل ما عداها من دول : الامان – والسلمية – والمحبة – والصبر – والاحتمال – وكره التشاجر – وعدم وجود القتل كظاهرة اجتماعية – وكذلك قتل النفس أي الانتحار -
وفي خاطرة سابقة تطرقت الى الموضوع : لكنني سمعت خبرا جديدا ارجو الله ان يكون غير صحيحا - و الخبر هو انتحار مراهق يبلغ الثانية عشرة من عمره سبقه الى نفس الفعل بفترة قصيرة مراهق آخر ؟
ومن خلال بحثي في نظريتي في الايام المحيرة في الغضب والعدوان والتي ضمها كتابان من ستمائة صفحة – اقول وجدت ان للعامل الاجتماعي دورا كبيرا في تخفيف الغضب – واحتقار الغضب – وفي تخفيف المشاجرات واعمال القتل والانتحار – او عكس ذلك في زيادته او تاجيجه – فقد وجدت ان احياء بعينها تكثر فيها المشاجرات او جرائم القتل – بينما تتخصص مناطق بانتشار الانتحار فيها – ولم اذكر تلك الامثلة بالاسم حفاظا على احترامي لسكانها وعدم جرح مشاعرهم لكنه واقع معروف يعرفه اهل أي بلد عن المناطق وما تتميز به – لكن اقول مثلا ان سكان السويد: يمثلون اعلى نسبة في العالم في الانتحار – بينما هم اقلهم في جرائم القتل – ولن اخوض في الاسباب لانها معروفة لمن يفتح غوغل او للدارسين للموضوع – والمهم والخلاصة في الامر ان للعدوى الاجتماعية دور كبير في الامر – بغض النظر عن الدوافع التي يعرفها الدارسون للموضوع ايضا - ولست بصدد تحليل اسباب الانتحار – لانه اشبع دراسة من قبل –
لكن الذي يهمني هو ان ظاهرة الانتحار كانت معدومة او نادرة في المجتمع الموريتاني اول قدومي اليه في السبعينات من القرن الماضي –
ان الانتحار في العادة بين المراهقين اعلى بكثير عمن سواهم - فالطفل قبل المراهقة له مواصفات تتغير من سنة لاخرى حسب الامكانيات الجديدة والقدرات التي يمتلكها – فهو قبل المشي ليس كما هو بعده – وهو بعد الكلام ليس كما هو قبله – وهو في فترة ما قبل المدرسة ليس هو كما هو بعد ذهابه الى المدرسة – وكلما نمت فيه قدرات جديدة دخلت اليه صفات لم تكن فيه قبلها – وعندما ينمو الجسم هذا النمو السريع في فترة المراهقة - نمو في الطول متسارع جدا لحد ان الولد يقارن طوله بابيه فيجد انه صار بطوله او زاد عنه (اذا كان قد شابه اخواله ان كانوا طوالا) – و في وجهه فقد بدأت علامات الرجولة تظهر عليه ان كان رجلا – او علامات الانوثة ان كانت شابة – تغير الصوت – بروز الصدر عند البنات – الخ من مواصفات تقارب بين المراهق وبين والده ان كان ذكرا وبين والدته ان كانت بنتا –
ان للهرمونات التي تبدا بالظهور في جسم المراهق دورا عجيبا من الخطورة والقوة – وهذا التطور في النمو الجسمي والهرموني لا يرافقه او على الاقل يوازيه نمو بنفس المستوى في الجانب العقلي او المعرفي – فهو من حيث الجسم يوازي جسم والده – او والدته ان كانت بنتا – لكنه في القدرات العقلية مازال ذاك الطفل الذي كان قبل عامين يبكي لان امه اخرت عنه الطعام او – او ؟
ان هذا الطفل الذي طال جسميا فجأة وصار رجلا - او امرأة - بحاجة ماسة الى كبير عاقل يمتلك الخبرة والحب والصبر والصراحة ليناقش ولده - او ابنتها – وهذا الامر صار ملحا في موريتانيا بعد ان زالت كل الحواجز التي كانت تمنع عنها المؤثرات السلبية الموجودة في الكثير من دول العالم – بعد ان صار العالم قرية صغيرة – فصار هذا المراهق الذي يريد ان يتعرف على العالم الكبير فصار قادرا على ذلك - وهيأت له وسائل الاتصال ذلك بكل بساطة وسهولة –
وهكذا كان لابد من بذل مجهودات تعادل عشرات المرات ما يبذل مع الاطفال قبل البلوغ حيث تبدأ مرحلة المراهقة والتي تطول او تقصر بنسب تتفاوت بين الاشخاص حسب مورثاتهم –
ان الاقنية الفضائية الواردة من الخارج بدءا من اقنية الاطفال وانتهاء بالاقنية الاكثر خطرا على القيم والاخلاق - واقنية العنف والقتل – ومرورا بالاخبار التي يسمعها هؤلاء المراهقون – ووسائل الاتصال حتى الفي سبوك نفسه لايقل خطرا ومعه الهواتف التي صارت كل برامجها مجانية وفي متناول كل الناس باختلاف اعمارهم ومستويات تفكيرهم او ذكائهم او عقولهم – ويجب ان لاننسى وضع موريتانيا المميز في انتشار ظاهرة الطلاق اكثر من غيره من المجتمعات – وهنا يجب ان نكون صادقين مع انفسنا اولا بان اولاد المطلقة ان بقوا مع امهم او ذهبوا لعند والدهم لن يجدوا الرعاية والعطف المطلوبين حتما كما لو كانوا يعيشون مع الوالدين في بيت واحد- فمهما احبت زوجة الاب لن تحب وترعى مثل الام – ومهما احب زوج الام ورعى فلن يفعل كما يفعل الوالد – اما بقاء الاولاد في بيت احد الجدين فهو اكثر خطورة لان الجدين يكونان في حالة عاطفية غير طبيعية فعلى الغالب سيقدمون من الحنان الذي لا يرافقه الشدة ان احتاج الامر مما يجعل اكثر الاولاد الذين تربوا عند الاجداد مدللين مشطوطين وتكون النتيجة اكثر بشاعة – كما ان بقاء الاولاد فترات طويلة في الشارع يؤدي الى كثير من المفاسد والاخطار التي لا يدركها الاهل الا بعد فوات الاوان –
بعد ان حددنا المشكلة وحددنا اسبابها : لا بد لنا من وضع الحلول المناسبة والممكنة لها : ان بناء الطفل ومن ثم المراهق بناء جسميا وعقليا واخلاقيا متوازنا صحيحا يقينا حتما من الكثير من الانحرافات والانتحار احدها –
ان اهم جهة تقوم بتربية الطفل ثم المراهق هي الاسرة : ان متابعة الطفل في كل مراحل حياته والمراهقة واحدة منها لانه يبقى بحاجة لمتابعته في دروسه وتساؤلاته وبناء طريقة صحيحة للتفكير عنده – وبناء قدرة سليمة للنقد العقلي عنده – ومتابعته لما يقرأ ويشاهد من قنوات – ومن هم اصدقاؤه وما هي تجاهاته وهواياته وما هي اسراره وعلاقاته الشخصية او صداقاته على وسائل الاتصال في مراحل متاخرة من المراهقة - ولو كان ذلك بشكل هادئ لا يشعر هو به ( ولايعتبر ذلك تجسسا او انتقاصا من الحرية الشخصية ) وعندما نتاكد ان ولدنا صار في وضع آمن لا يمكن اختراقه من قبل رفاق السوء فلا بأس عندها ان نعطيه حرية اتخاذ المواقف بالتدريج –
ويأتي دور المدرسة في كل مراحلها ثم الجامعة او المعهد - ليكون دورها هو مركز الاشعاع في البيئة فتغرس من القيم والعادات الهامة والضرورية عند من قصر اهلهم في فعل ذلك لسبب او لآخر – او لتعمق عند من قامت اسرهم بما عليها من واجب – ولتصحح اخطاء البعض القليل من الاسر التي غرست بعض القيم الخاطئة في شخصيات ابنائها – وقد تحدثت عن تقصير بعض الاسر بسبب فراق الولدين – وهنا يكون دور المدرسة تعويضيا لما عند هؤلاء الاطفال او المراهقين من حاجة ماسة الى من يقوم بالتوجيه والنصح ؟
ويجب على كل الدول ان تخصص في منهاجها دروسا لبناء القيم الاخلاقية والوطنية وبناء طرق التفكير السليم عند المتعلمين وكذلك مواجهة المشاكل ايضا - ويجب ان تكون تلك المواد من الاهمية بمكان في الرسوب والنجاح كما للمواد النظرية والعلمية والفنية والرياضية – لان شخصية الانسان مكونة من جوانب متعددة - وبناء جانب وترك آخر يعني بناء متخلخلا يمكن ان يهدم اذا ما صادف المشكلات في المستقبل - والهدم قد يكون من الداخل - بالانتحار مثلا -
اما الجهات الاخرى التي عليها المشاركة في بناء شخصيات اطفالنا ومراهقينا فهي وسائل الاعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل نفسها : فكما ان هناك اقنية تخرب فيجب ان يكون هناك من يوعي ويشد الطفل او المراهق الى الخير والصواب – وكما ان هناك من لا هم لهم الا كلاما ان لم يكن يضر فهو لايفيد – اقول لكل من يكتبون على وسائل الاتصال ان بناء الانسان هو الاهم في بناء الوطن – هلا شاركتم في بناء انسان وطنكم بناء سويا صحيحا – لنستعرض لنصف ساعة المكتوب في الفي سبوك ولنرى ما هو مكتوب – وكم هي نسبة المفيد للمجتمع منه وكم هي المواضيع التي لا فائدة منها - والاخطر من ذلك هو المواضيع الضارة بطريقة التفكير وخلق العقل النقدي – وغير ذلك من المواضيع الضارة بالوطن او القيم او الاخلاق – او المؤدية الى تفكير حائر ضائع لا يعرف الحل لا لنفسه وما يقع لها من مشاكل - ولا الحلول لما تعانيه بلاده من عثرات –
ويكون العبء الاكبر على المثقفين والمفكرين والكتاب الذين حبذا لو خصصوا كل اسبوع او شهر لكل منهم ان يكتب عن مشكلة يعاني منها مجتمعه ويقترح الحلول المناسبة لها – وهذا نفسه ينطبق على الفنانين او الاعلاميين لان لهم ميزة قد لاتكون عند الآخرين وهي ان كثيرا من الناس تعتبرهم قدوة لهم -
وياتي دور جهات المجتمع المدني من نواد وجمعيات شبابية تمتص طاقات الشباب والمراهقين الهائلة لتكتشف ما لديهم من ابداعات يمكن ان تكون ذات فائدة عظيمة للشاب او المراهق وكذلك لوطنه بل للبشرية جمعاء – ولايقل عنها دور المساجد في التوجيه – توجيه الوالدين الى اساليب التعامل مع الطفل في تلك المرحلة الخطرة – وتوجيه الاطفال او المراهقين توجيها خاليا من العنف او التعصب – توجيها يدعو الى محبة الله ومحبة الناس ومحبة الذات وصيانتها –
ويكون دور وزارات الدولة جميعا كل حسب تخصصه في تامين وسائل الترفيه والعمل وحاجات الشباب الفيزيولوجية والنفسية والعاطفية والعقلية ليتم الوصول الى بناء مجتمع متوازن متجانس يسوده الحب والامان والتقدم
دمتم للفنان والباحث فريد حسن