تعالت أصوات كثيرة في هذا البلد في الآوينة الأخيرة منادية بتحرير المرأة ورافعة شعار المطالبة بحقوحها، وإنصافها من حيف أشقائها الرجال المتسلطين عليها - حسب زعمهم - وقد استفرغ أصحاب هذه الدعوات وسعهم وبذلوا قصاري جهدهم في استيراد مجموعة من القوانين الغربية المنحرفة ،المتعلقة بما يسمونه بالنوع ، ظانين أنها ستحمي المرأة الموريتانية متجاهلين الفوارق الدينية والاجتماعية بين البلدين ، وناسين أو متناسين أن في الشرع الإسلامي غنية عن غيره ،وأن في نصوص الوحيين من إنصاف النساء والوصية بهن ما لو طبق لعشن في بحبوحة من النعيم ، سيغبطهن عليها إخوتهن من الرجال .
غير أن سلطان المجتمع الموريتاني وكثيرا من تقاليده هي التي تقف لهؤلاء النسوة بالمرصاد لتمنعهن من حقوقهن الشرعية ، وتجعلهن أسيرات لمجموعة من العادات التي لا يعضدها سند شرعي ، ولا تقوم على أساس عقلي .
وسنحاول في هذا المقال أن نبرز حقوق المرأة في الإسلام باعتبارها زوجة - من باب التمثيل على حقوق المرأة عامة - لنجلي تلك الحقوق المكفولة لها بالشرع الرباني ، ونبين الحيف والظلم المرتكب في حقها نتيجة أعراف وتقاليد المجتمع الموريتاني، فماذاعن حقوق الزوجة في الإسلام ؟ ثم كيف يتم الالتفاف عليها في هذا المجتمع ؟
لقد حضت الشريعة الإسلامية على إكرام النساء عموما ، وأو صت بهن في كثير من نصوصها ودعت إلى التجاوزعنهن ،والتغاضي عن أخطائهن، وجعلت إكرامهن آية الكرم ، وإهانتهن علامة اللؤم، وجاءت نصوص كثيرة طا فحة بالوصية بالزوجة خاصة ، ومرشدة للتعامل معها بالتي هي أحسن والصبر عليها،حتى لمن كرهها ، فقال تعالى :{ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } [سورة النساء آية 19]
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كمال الحال في الزوجة من المحال ، فقال : "إن المرأة خلقت من ضلع ولن تستقيم لك على طريقة ، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها " رواه مسلم .
ونهى عليه الصلاة والسلام عن بغض الزوجة بمجرد الخطإ والخطأين فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"» :
وقد رتب الشرع للزوجة على زوجها حقوقا مالية كالصداق والنفقة، وحقوقا معنوية ، كالعدل وإحسان العشرة وطيب المعاملة، ومن أهم تلك الحقوق ما يلي :
1 - المهر: لقوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [سورة النساء آية 4]
فجعل المهر نحلة خاصة بالزوجة لا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أو وكيل أن يأخذ منها شيئاً إلا برضاها بنص هذه الآية.
2 - النفقة والكسوة والسكنى: وتدخل في الزوجة المطلقة الرجعية حتى تنقضي عدتها والحامل حتى تضع الحمل، لقوله تعالى :{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } [سورة الطلاق آية 6]
ولحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى .
3 – الإعفاف : بإشباع رغبتها في النكاح ، لعموم قوله تعالى: (فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله....) [سورة البقرة آية 220] يقول الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية " أي فجامعوهن. وهو أمر إباحة، وكنى بالإتيان عن الوطئ"27454697
4 - حسن المعاشرة بالمعروف :لقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ولقوله عليه الصلاة والسلام :"خيركم خيركم لأهله وأنا خيري لأهلي". سنن ا بن ماجه .
5 - العدل بين الزوجة وضرتها عند التعدد، في كل ما يمكن العدل فيه في النفقة، والسكنى والمبيت ، وإلا لم يجز لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة…) ] سورة النساء آية 3]
وقد اعتبرت الشريعة الميل المقصود إلى إحدى الضرائر كبيرة من أعظم الكبائر،فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " أخرجه أحمد
6- دعوتها للخير : وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكرامتثالاً لقوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } سورة التحريم آية 6] .
كانت تلك أهم الحقوق الواجبة على الزوج لزوجه، ولا يخفى ما فيها من إنصاف الشرع للمرأة وضمان حقوقها على أكمل وجه .
بينما نجد أن العرف - وخصوصا في هذا البلد- يظلم الزوجة ويغمطها في كثيرمن هذه الحقوق ومن ذلك ما يلي:
منعها من التصرف في المهر الذي أوجب الله لها في محكم كتابه، بل وحتى عدم استئذانها في استهلاكه، فتراه في كثير من الأحيان يبدد في أمور لا تمت بصلة إلى حوائج الزوجة ومصالحها ولا تدري فيم صرف ، وليس لها الحق في السؤال عنه ، ولا الاستفسار عن كيفية صرفه ، وكأنها قد وهبت نفسها ولم تنحل مهرا.
أن العرف يظلمها أيضا بمنعها من المطالبة بحقوقها في النفقة والتمتع، حال شح الزوج وبخله بهذه الحقوق وامتناعه من أدائها، بذريعة السفر أوغيره ، فكم من زوجة في هذا البلد تلبثت سنين كثيرة في بيت أهلها ، دون نفقة ولا كسوة ، ودون عشرة زوجها غير راضية بذلك ولا موافقة عليه ، لكن سلطان العرف ، وتقاليد المجتمع يمنعانها من مقاضات الزوج والمطالبة بإنصافها منه .
أن الكثير من المطلقات ولهن أولاد يصبحن مضطرات لتوفير النفقة لهم ، ويصيروا عبئا على أهلها وذويها ، لتخلى آبائهم عن نفقتهم بمجرد حصول الطلاق، مما قد يعرضهن- لا قدر الله- للتكسب بطرق غير مشروعة ، ومع ذلك فإنهن يرفضن المثول أمام المحاكم للمطالبة بحقوق أولادهن خشية ما تسببه لهن تلك المطالبة من عار ومقت ، داخل مجتمعهن .
أن الكثير من النساء وخصوصا ممن و صلن سن اليأس، ولهم أزواج تربطهم بهن علاقة حميمة وعشرة طيبة ، ويكنون لهن كل الحب والتقدير ، لكنهم يرغبون في الولد ويريدون التعدد ، لا يمنعهن من قبول التعدد والرضى بحكم الله المبين في كتابه ، والبقاء في عصمة أزواجهن ، إلا ما قد يواجهنه من الإنكارعليهن وتشنيع فعلهن من قبل الأهل والمجتمع ، مما أدي وللأسف إلى انتشار ظاهرة التعدد المستور، في هذا البلد رغم ماله من آثار سلبية على الفرد والمجتمع .
أن كثيرا ممن طالت عنوستهن من النساء وخفن من فوات سن الولد، يتمنون وجود محسن معدد ينجبن منه ويتقين به خطر العقم الذي يداهمهن ،ومع ذلك لا يقدرن على البوح بأمنياتهن أحرى اتخاذ قرار بشأنها .
وبعد هذا البيان المجمل لحقوق الزوجة في الشرع الإسلامي ، وما قامت به أعراف هذا البلد
المسلم من التضييق على المرأة،وإلزامها بماهي في حل منه شرعا، نتبين أن الدعوات الحقوقية لإنصاف المرأة ،أبعد أهلها النجعة بما استوردوه من قوانين غربية ، وحزوا في غير مفصل وكان الأولى بهم أن يكونوا جبهة مع الفقهاء،والاجتماعيين ،والدعاة، والمصلحين،لإعلان حرب شعواء لا هوادة فيها على العادات والتقاليد المخالفة للشرع الحنيف في هذا البلد،حتى استئصال شأفتها والقضاء عليها، وتمكين المرأة من حقوقها الشرعية كاملة غير منقوصة، متسلحين بنصوص الوحيين وما تفرع عنهما من فهم السلف الصالح من هذه الأمة
مرددين قول العلامة الشنقيطي آد رحمه الله:
العرف إن خالف أمر الباري "" وجب أن ينبذ في البراري
إذ ليس بالمفيد جري العيـــد "" بخلف أمر المبدئ المعيد
د.إسحاق الشيخ سيد محمد محم
أستاذ الفقه بجامعة العلوم الإسلامية بلعيون