لا يستطيع المرء أن يخفي إعجابه ببعض الشخصيات السيادية الأمريكية التي تمردت على إرادة رئيسها الجديد دونالد ترامب.
العصيان جاء على خلفية قراره بحظر دخول مواطنين ينتمون إلى بلدان تتآكلها الحروب بدعوى ربما الوقاية من الإرهاب خير من قنطار علاج. وهنا الوقاية عند ترامب عزل الموبوئين بداء الحروب بعيدا عن حدود الولايات المتحدة.
الأخبار التي تأتي من الولايات المتحدة تركز عن أن المسؤول الفلاني لم يرضخ لأوامر البيت الأبيض.. وكأن ترامب نام ثم استيقظ فوجد نفسه داخل المكتب البيضاوي فأحل لنفسه التشريع والتحكيم.
لا ريب أن سلوك ترامب صدم المواطن الأمريكي بحقيقة ما كان يجول في أذهان الناخبين الأمريكيين، فالرئيس ترامب انتخب وفق أعلى معايير التصويت الديمقراطي، وقد عبر الناخب الأمريكي عن ذلك بكل أريحة ومن دون التعرض لأي ضغوط أو ابتزاز مادي.
الجميع كان يعرف شخصية ترامب وأسلوب تفكيره والرجل لم يكذب إلى الآن على الأقل ببعض مما أفتاه وقتما كان مرشحا، ورغم ذلك فقد توجه الناخب الأمريكي وأدلى بصوته لصالح ما اعتقد أنه في صالحه.
الأيام العشرة الأولى لترامب أشاعت مناخا مزعجا على جنبات الأطلسي، إذ ذهب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بعيدا في نبوءته بسياسة ترامب وفهرسها في خندق الأعداء تماما كالإسلام الراديكالي والإرهاب وروسيا والصين وفق تصنيفاته.
لا شك أن مثل هذه التصريحات تشي بحالة الفوران التي تعتري الاتحاد الأوروبي إزاء ما يمكن أن يصل إليه ترامب من قرارات انفجارية، قد تطيح بكل التحالفات الكلاسيكية المعتادة.
والواضح حتى الآن أن المشكلة تكمن فقط عند المواليين للبيت الأبيض.. أما الخصوم فقد تأقلموا على المواجهة مع الولايات المتحدة منذ عقود التي أدمنت استعمال التهديد أو العقوبات، ومن هنا فإن على شركاء الولايات المتحدة الكف عن طريقة التفكير بأنهم أصحاب قرار في الشأن الدولي وأنهم يذهبون مع واشنطن مختارين لا مكرهين.
واقع الحال يشير إلى أن ترامب فضل التعامل مع الوقائع بشكل مباشر وبلا قناع دبلوماسي زائف، فخلال ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما توجه الأخير على خلفية الأزمة في أوكرانيا إلى فرض عقوبات على روسيا، وعلق أن خياره كان بالتراضي مع الشركاء الأوروبيين، رغم أن الكثيرين من دول الاتحاد الأوروبي قد تكبدوا خسائر مالية ضخمة جراء موقف أوباما.
ومن قبل.. جرَّ جورج بوش العالم الحر في سباق تتابع، في حرب ممتدة على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق، وأقام سجونا ومعسكرات اعتقال سرية وساق حقائق اتضح لاحقا أنها محض افتراءات من دون أن تحرك العواصم الغربية ساكنا أو تعترض.
يحدث أيضا أن الاستخبارات الأمريكية تنصتت على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل و افتضح الأمر من خلال برقيات ويكيليس.. لم تعتذر واشنطن وتفهمت برلين أو بالأحرى أدركت حجمها.
دونالد ترامب يعرف كل ذلك، ويريد ربما التصرف على هذا الأساس، انطلاقا مما أتقنه من أدبيات السوق الحر المنفلت من كل عقال أخلاقي، كما يريد أيضا من الباقيين أن يتأقلموا مع هذه الحقيقة، ويعتادوا على تصرفاته المفاجئة التي تقترب كثيرا من المضاربات في أسواق الأسهم والبورصات.
تبقى هناك معضلة المواطن الأمريكي الذي لم يستسغ فجاجة ترامب، وعجرفته رغم أنه كان حتى وقت قريب للغاية مرشحه المفضل، فالأخير حرص على الظهور خلف المكتب البيضاوي وعائلته تتحلق من حوله كما لو كان في برجه التجاري في نيويورك.
وانطلاقا من التفرد الذي أجاده ترامب خلال عشره الأول، فإن معدل الصدمات التي سيتلقاها المجتمع الأمريكي سيرتفع ولن يكون من اليسير استخلاص تبعاتها على الشارع الداخلي.
اللافتات التي ارتفعت على أيدي الأمريكيين ونصرة لحق اللاجئين بالعبور إليهم كانت مليئة بالشتائم المؤذية للرئيس، وفي مناسبات قريبة ستكون لترامب قرارات جديدة تستدعي عصيان غاضبا هنا.. وتظاهرات ممتدة هناك.
نور بولاد