إبراهيم السالم ولد المختار ولد صمب الملقب ولد بوعليبة
لقد جعلتني، عناصر التفكير التالية المستمدة من مجموعة من القراءات والناقشات الحديثة، التي أتيحت لي الفرصة لقراءتها أو الاستماع إليها أو تقاسمها، أن اشعر بقدر من الارتياح والسعادة.
ذلك، لأنه، في رأيي المتواضع، ينبغي علي أي شخص يريد أن يمارس سياسية مفيدة، وطنية وواقعية لصالح بلده، أن يأخذ بعين الاعتبار ما يحدث في العالم وفي محيطيه الإقليمي القريب.
عالم يطبعه الاستياء..
عبرت سائر الأصوات الفكرية الرئيسية، ذات النفوذ في العلوم الإنسانية عبر المعمورة، عن استيائها ورفضها، "لوضعية العالم" وآثارها المتعددة: اقتصادية واجتماعية، وأمنية وبيئية وغذائية.
فلم تتردد في اتهام "المراكز العظمي للقرار العالمي"، بعدم ردة فعل قوية وفي الوقت المناسب، لتفادي عدم استقرار دائم للكون ودخوله في فوضى عارمة وشاملة، كما حدث في أسوأ لحظات تاريخها القديم: حروب وأزمات اقتصادية عالمية.
إن هؤلاء الرجال المستقلين ومنابر المعرفة والحكمة، يعتبرون أن صناع القرار، يبدون في أكثر الأحوال، غير متحمسين ومترددين في اتخاذ قرارات جريئة، يجب القيام بها لوقف هذه الدوامة، التي تتسع وتتفاقم يوم بعد يوم.
فيشيرون إلى الأنانية الوطنية وإرادة كل الفاعلين السياسيين، بالتعنت في جهل الواقع المحدق، لأسباب وصولية أو أيديولوجية، في الوقت الذي بنهار فيه كل ما حولهم.يحيط بهم
فيدينون الظلم في المبادلات وعدم المساواة المتزايدة بين الدول وبين الطبقات الاجتماعية داخل البلد الواحد.
و يرون أن بعض الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم تجعل من الصعب والعشوائي كل تحليل محتمل.
ومن هذه الأحداث، انتخاب الرئيس، المدافع بإفراط عن سياسة "الحماية"، والذي يريد أن يجعل أعظم دولة في العالم، فضاء مغلقا، يحظر الهجرة والاستثمار لغير الأمريكيين.
وقد فاجأت قادة وشعوب العالم، تصريحاته الأولي، حول أوروبا وحلف الشمال الأطلسي وتنقل الأشخاص والاتفاقات التجارية الدولية.
ولله الحمد، فالرئيس الأمريكي ليس الوحيد الذي يقرر كل شيء ولو كان يتمتع بصلاحيات كبيرة.
لقد انشأ هذا البلد العظيم، منذ البداية، المؤسسات الدستورية القوية القادرة علي موازنة حكمه. وبالتالي تستطيع تلك الهيئات منع أي قرار تراه يتعارض مع مصالح الشعب الأمريكي والدور القيادي لبلادهم في العالم.
من جهة أخري، تتعافى روسيا تدريجيا من خسارتها للوزن السياسي، منذ سقوط جدار برلين. كما أنها طورت قوتها العسكرية والاقتصادية وبدأت في التأثير على القرارات الكبرى في السياسة الدولية. وتسعي في نفس الوقت إلي خلق ورعاية تحالفات كبيرة في بعض أجزاء العالم.
كما تترقب الصين، التي أصبحت في الواقع أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، ذلك الاتجاه الذي يرسم شكلا من أشكال العودة إلى الاستقطاب الثنائي. فتتحري أن تجني ألإرباح التي يمكن الحصول عليها من خلال التنديد بالاتفاقات التجارية، في الوقت الذي تضاعف الاستثمارات والتبادلات في جميع القارات.
فعلي الصعيد الاستراتيجي، تركز الصين نظراتها علي آسيا بصفة عامة وعلي بحر الصين والمحيط الهندي بصفة خاصة.
تحديات أمنية خطيرة في المغرب العربي والساحل
إن أجهزة الاستخبارات الأمريكية القوية ومثيلاتها في دول حلف الشمال الأطلسي مجتمعين علي أمور عدة منها : إن أعدادا لا بأس بها من محاربي الدولة الإسلامية، سيتجهون بعد طردهم من معاقلهم القوية في سوريا والعراق وليبيا، إلي بلدان المغرب العربي المطلين علي البحر الأبيض المتوسط والتي ينحدرون منها. الشيء الذي يمثل خطرا كبيرا على تلك البلدان وعلي أوروبا المجاورة علي حد سواء.
كما أن كثيرا من القادة الناجين من القصف، سيحطون رحالهم في الصحراء الشاسعة المجاورة لعدة دول ساحلية، والتي يعتبر اغلب ساكنتها مسلمون: موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر.
مما يمثل بالنسبة لهم فضاء استراتيجيا شاسعا وملائما، يسمح لهم في آن واحدـ التحرك و الاكتتاب، علاوة علي إبرام التحالفات الممكنة مع الحركات العديدة التي تنشط في المنطقة منذ عقود من الزمن.
كلنا يعلم أنه لا يمر أسبوع، دون أن تتحدث المخابرات المغربية و التونسية والجزائرية عن تفكيك خلايا من الدولة الإسلامية.
القارة الأفريقية تبحث عن ذاتها...
يحتل الخطاب الطائفي والعنيف، في كل إنحاء القارة الإفريقية، مع وجود استثناءات قليلة، محل التصريحات الحكيمة والأخلاقية والحوار التي كانت من الشمائل العالية لحضاراتنا.
نعم، فرغم اختلافاتنا العرقية والدينية والتشتت في هذه القارة الشاسعة، كانت لدينا عاداتنا القديمة التي نظمت علاقاتنا في مجال التبادلات وتفويض السلطة الإدارية والعدالة والتعايش السلمي
تابعت بالأمس القريب، بدهشة عالية، علي فضائية "أفريقيا 24"، آلاف رجال ونساء وأطفال الشعب الأشانتي، بما فيهم رئيس الجمهورية، وهم يرتدون كلهم الملابس التقليدية ويحملون نعش الملكة الأم إلى مثواه الأخير.
فلم بمقدار أي شخص، بغض النظر عن لونه أو لغته أو دينه، أن يتباهي بتلك ''الكرامة الشخصية'' العالية والعظيمة.
إن ذلك الشعب الذي يحمل بفخر الجثمان النحيل للملكة الأم، يضم بين صفوفه أفضل المفكرين والسياسيين وأفضل قادة القارة في ميدان الصناعة، ظلوا متمسكين علي مر العصور بكل هده التقاليد..
كما استطاع دائما شعبنا، بجميع فوارقه، عبر تاريخ بلادنا الطويل، وفي مواجهته لكل الإخطار والتحديات و رغم صراعاته الداخلية، التوحد ورفع التحديات.
إن المخاوف التي تعرضت لها بإسهاب، ليست خاصة بالموريتانيين فحسب، بل هي نفسها التي يواجها المغرب العربي ومنطقة الساحل.
وقد سيق لدولة تونس الشقيقة أن واجهت بعزم نفس المحنة. فاجتمع التونسيون كعادتهم كرجل واحد، بجد وحماس، مصممين علي رفع التحدي وإيجاد الحلول التي تجعل بلدهم في مأمن من كل الأخطار المحدقة والمدمرة.
كما أعرب كل من النيجر وتشاد ومالي قلقهم، ساعين في نفس الوقت للحصول على دعم الدول الكبرى والمنظمات الدولية في مواجهة تلك التحديات الكثيرة.
ورغم أن بلادنا قامت في السنوات الأخيرة بجهود مشكورة لتأمين أراضينا الشاسعة ووضعها في مأمن من آفة الإرهاب الذي يضرب يوميا أشقائنا وجيراننا، فهي ملزمة أيضا بالتفكير ووضع الوسائل الضرورية لمواجهة هذا التحدي الآخر القريب والذي تنبأت به جميع أجهزة المخابرات ألكيري.
فيجب علي الوسائل والحلول التي سيقوم الدفاع الوطني بتعبئتها، أن تكون مرفقة بتهدئة على الصعيد الداخلي. كما يجب على القوي الحية، مهما كان اختلاف آرائها أن تساهم في هذا المجهود.
إن ألأمن الترابي واستدامة البلاد، لم يمثلا أبدا موضع خلاف بين الأطراف السياسية الفاعلة طوال تاريخنا كما إن الانخراط في هذا الموضوع الموحد، يقودنا إلي:
- خلق مناخ و خطاب سياسي وعلاقات بين الفاعلين السياسيين تتسم بالهدوء والثقة
- تصور أشكال نضالية أكثر مواطنة للتعبير عن آرائنا المختلفة حول مشاكل البلاد ومستقبلها .
- تحريم الألفاظ والعبارات ، ذات الطابع الشوفيني أو الطائفي، من معجمنا السياسي وإعطاء القضايا الوطنية مكانها الحقيقي في الحوار الوطني، بدل حصرها في زاوية الخصوصيات المهينة.
إن مشاركتنا القوية في هذا الإجماع، ستمكننا بدون شك من التوصل آلي هدفين أساسين:
- بناء إجماع وطني لتأمين بلادنا وضمان بقائها
- خلق، عن طريق الاتصال، الثقة والاحترام المتبادل و السعي إلي تجاوز الخلافات وسوء التفاهم الخطيرين اللذين يمثلان عائقا قائما للتحضير الآمن والجاد لكل استحقاق مستقبلي: الانتخابات الرئاسية، التشريعية أو البلدية، التي تعتبر حجر الزاوية لانتقال سلمي للسلطة على جميع الأصعدة..
إن الدول تزول أو تشتت يوميا اثر الاضطرابات القائمة وغير المسبوقة في تاريخ الإنسانية، دون أن يؤدي ذلك إلي أية ردة فعل من المجتمع الدولي، باستثناء المفوضية السامية اللاجئين، التي تتعثر اليوم في إيجاد موارد لملايين المشردين،
هل سندرك أن بلدنا ولد هشا وهل سنتصرف مراعاة لذلك، أم إننا سنظل نؤمن بأننا في مأمن من هذا النوع من الهزات التي تضرب جميع جيراننا؟
أيجب علينا انتظار دخول بلدنا في هذه الدوامة المدمرة، برفضنا التخلي عن شجاراتنا البسيطة؟
لا قدر الله، حينها، لن يكون هناك حكم مستقر لتسييره ولا مطلبا مشروعا من أجل السلطة والتناوب عليها.
حينها، لن يبقي إلا شعبا راح ضحية لانعدام الوعي الجماعي لنخبه، شعب معرض لمصير سيئ، ذلك المصير الذي يعيشه اللاجئون اللذين نتابع يوميا عبر الفضائيات، مأساتهم وتشريدهم وصور تدفقهم المروعة في أمواج بشرية هائلة،
لقد كتبت مرات عديدة حول هذا الموضوع ومسؤولية النخبة في العمل للحفاظ على هذا البلد الهش الذي ورثناه من أسلافنا.
والله وحده يعلم، أن كرامة شعبنا، بالرغم من فقره، مكنته أن يكون دائما العامل المنيع لأمتنا.
خلافا لذلك، افتقرت، في بعض الأحيان، النخب السياسية والإدارية للبلاد للشجاعة اتجاه التحديات التي واجهتها منذ ولادته.
دعونا نجلس حول طاولة للمناقشة، بعيدا عن تحويلها إلي عصي من الخشب لنضرب بعضنا بها البعض.
كنت بحاجة للبوح بهذه الأفكار، دون إعطاء عناية كبيرة لمدي أهميتها أو تناسقها، لكن بعض الأحاسيس المتناثرة قادتني آلي نشرها.
احساسيس نابعة عن مشاعر الخوف التي تراودني يوم بعد يوم و بسبب بريق الأمل الذي أحس به من وقت لآخر.
حقا، كلي أمل وقبل فوات الأوان، أن ندرك بشكل جماعي المخاطر التي تهددنا..
لقد استمعت وقرأت منذ الأسابيع الأخيرة نداءات مسئولة وجهتها شخصيات سياسية عديدة، تم تقديمها دائما كشخصيات "متطرفة".
إنها ردود فعل مشجعة، تستحق مني الترحيب على حد سواء، ليس فقط لأولئك الذين تصدر منهم ولكن ابيضا لأولئك الذين يتلقونها.
وليس بعيدا من هذا الشأن، قال راشد الغنوشي مؤخرا علي قناة بي بي سي العربية: "عندما تكون لدينا مشاكل، نجلس جميعا حول الطاولة لحلها بقلوبنا وعقولنا. فلا نكسرها لجعلها قطعا خشبية للمشاجرة في ما بيننأ"
نواكشوط، فبراير 2017.
ولد المختار ولد صمب الملقب "ولد بوعليبة" إبراهيم السالم
------------------------------------
(*) العنوان مقتبس من رسالة بعثها المهاتما غاندي إلى نائب الملك البريطاني
ملاحظة:
ترجمة لأفكار كتبها صاحب المقال بالفرنسية
محمد ولد محمد الأمين