شهد دستور 20 يوليو 1991 تعديلات جوهرية بموجب نصوص قانونية و بحكم مقتضيات و حاجيات معينة لها اثر بين على حياة الأمة اجمعت مكونات هامة و مؤثرة من الطيف السياسي على ضرورة ادخالها كنتيجة لحوار سياسي نظم سنة 2012 .
فمن تلك التعديلات ما هو متعلق بإرساء قيم الممارسة الديمقراطية و تطويرها من خلال مبدأ التناوب على السلطة و تحديد عدد المأموريات الرئاسية باثنتين يقسم رئيس الجمهورية المنتخب بعدم المساس بها إبان حفل تنصيبه و منها ما هو هادف إلى التطوير الاجتماعي و ترقية الحقوق كتجريم ممارسة العبودية مثلا ولو كان لم يبق منها سوي بعض الآثار.
وإذا تأملنا قليلا في محتوى و مرامي الجملة الأولى التالية من ديباجة الدستور (إن الشعب الموريتاني واثق بالله العلي القدير يعلن عزمه ضمان الوحدة الترابية و استقلال بلده و وحدته الوطنية و ضمان تطويره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي).
فالتطور السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي امر طبيعي في حياة الشعوب و الأمم . ففي المجال السياسي تم خلق الظروف المؤاتية للممارسة الديمقراطية من خلال ضمان حرية الرأي و التعبير و التعددية الحزبية.
و في المجال الاقتصادي تم رسم ملامح النمو المنشود و توزيع عائداته و الرفع من مستوى الرفاهية الناجمة عنه في افق 15 سنة القادمة، و ذالك من خلال إستراتجية اتسم نهج إعدادها بقدر كبير من التبصر و التشاور المتواصل مع الجميع .
و في المجال الاجتماعي تم توطيد عرى الوحدة الوطنية و العمل على الحد من الفوارق القائمة على أساس التكافؤ في فرص الولوج الى الخدمات الاجتماعية الأساسية و العناية بالضعيف و المحتاج و الفقير اين ما كانوا .
وفي خضم الحوار الاجتماعي المرتقب بعد صدور المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء البرلمان في دورة فوق العادة اعتبارا من يوم الأربعاء 22 فبراير 2017 علينا أن نتساءل عن ما هي التعديلات المقترحات الدستورية و مالها من جدوائية . هل منها ما هو ناجم عن الحوارات السياسية المتواصلة وهل منها ما هو من تقدير السلطة القائمة . فان طرق مراجعة الدساتير تختلف حسب الغايات منها و طبيعتها فمنها ما هو جوهري و منها ما هو دون ذلك، كجدوائية برلمان بغرفتين ( مجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية ) و مجالس جهوية ..الخ و منها ما هو رمزي كالعلم الوطني مثلا فإضافة عليه شريطين من الأسفل و الأعلى باللون الأحمر ليس إلا رداً للاعتبار لمن ضحوا بدمائهم الزكية دفاعا عن الوطن .
و ستطال التعديلات الدستورية المنتظرة و الناجمة عن مخرجات الحوار السياسي الأخير القضاء على مجلس الشيوخ و تفعيل المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و دمج بعد البيئة في اختصاصه و دسترة السلطة العليا للفتوى و المظالم لتوكل لها مهام المجلس الإسلامي الأعلى و وسيط الجمهورية معا، هذا بالإضافة الى الاستغناء عن محكمة العدل السامية و تعزيز المجلس الدستوري و استحداث مجالس جهوية تهدف الى تثبيت السكان و خلق نشاط اقتصادي يوفر فرصا للعمل و الإنتاج باستقلال كل المقدرات الاقتصادية للبلد.
و الاستغناء عن مجلس الشيوخ يمكن البلد من ترشيد 20 مليار اوقية على المستوى المتوسط وهو ما يمثل تقريبا تكلفة تنظيم استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية المقترحة يمكن تمريرها من خلال مؤتمر برلماني .
فالقران وحده صالح لكل زمان و مكان، اما مراجعة الدساتير فهي مباحة كل ما اقتضت الحاجة.