بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
البارحة على شاشة التلفاز، على قناة "الموريتانية"، صرّحت آمال منت مولود، وزيرة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، أن الدولة ستقيم جامعًا بواجهة "كرفور مدريد"، في جزء من أرضية المطار القديم، بكلفة 12 مليار أوقية، حاسمةً ما يُقال عن مبالغ أقل، وقد قالت أن الأعمال الإنشائية ستبدأ ما بين يونيو ويوليو 2017.
أولاً ما جدوائية إضافة مسجد بهذا الحجم، مع عدم الحاجة إليه ربما، لوجود عدد زائد من المساجد في العاصمة، إضافة لغلاء كلفته وغموض صفقته، مع الشركة المثيرة المسماة "النجاح".
ومن المعروف أن شركة "النجاح" مطلوقة اليد في موريتانيا منذ أن دخلت في علاقة مباشرة مع ولد عبد العزيز، عن طريق أحد الوجهاء الروحيين المعروفين محليًا، فأخذت من شركة "اسنيم" 50 مليون دولار، أي أكثر طبعا من 12 مليار أوقية، ودون تسديدها حتى الآن، لكن بحكم وجود العلاقة الغامضة بين الطرفين، سهّل لهذه الشركة بناء مسجد جامع بمبلغ خيالي لإخراجها من ورطة الاستدانة ل "اسنيم" والفوائد البنكية المتزايدة والحديث المستمر على مستوى إدارة "اسنيم" والساحة الإعلامية والسياسية عن هذا القرض المثير.
فهل فوق هذا من تلاعب بالمال العمومي، اقتراض خيالي، عجز عن السداد، فتح نافذة بناء مسجد بكلفة غير مقنعة، حتى يتمكن المقاول المدلل "النجاح" من التحرر شكليًا مما هو مطالب به عند "اسنيم".
في الوقت الذي تتذرع فيه "اسنيم" لعمالها المستحقين بمختلف الذرائع، حتى لا تُمكنهم من الولوج إلى حياة مريحة، ومقابل ذالك تتورط في الاستدانة لقطاع خاص ذي صلة مباشرة بالرئاسة، وفي الوقت الذي باتت فيه هذه شركة "اسنيم" على خلاف تجربتها في عهد معاوية، ساحة للتدخل السياسي والرسمي المباشر، على وجه مضر باستقلاليتها وطابعها الاقتصادي الربحي.
إن أي مسجد أسس على التحايل على المال العمومي، على غرار جامع "النجاح"، المرتقب بناءه بكلفة مرهقة خيالية سيظل فاقدًا تمامًا لأساس التقوى، المطلوب بإلحاح في بناء بيوت الله، وهذه طبعًا أهم الإشكالات والملاحظات، التي قد تواجه مشروع بناء هذا المسجد العملاق، حسب دعايتهم.
في بلد فقير، يئن أكثر سكانه تحت وطأة الفقر المدقع، تعلن السلطة الرسمية فيه، اعتزامها صرف مبلغ 12 مليار أوقية، لبناء مسجد لا يستقبل سوى 15000 مصلى، وتجاوره المساجد من كل جهة، مما يُبرر عدم الحاجة الملحة إليه، إلى جانب طبيعة رأس ماله المرهق، وكونه جاء للتغطية لصالح مدين عاجز بالدرجة الأولى، مع شُبهة التلاعب بالمال العام.
فهذا المبلغ الكبير الخيالي، لا ينبغي أن ينفق من دون إلحاح وحاجة قصوى.
وجامع كبير بهذا الحجم مهم، لكن بشرط أن لا يأتي تغطية على صفقات واستدانات مريبة، فيتدخل الحاكم تحت ضغط وساطةٍ ما ليوافق على مخرج مصمم على المقاس، والذي قد يفقد الطابع المقنع، بسبب طبيعة رأس المال وحيثيات الصفقة عمومًا.
يُراد للمساجد أن تأسس على التقوى، بالمال الحلال، بصورة كاملة شفافة، قابلة للتحقق من سلامتها، وليس في حيز من الغموض والتداول المقاولاتي الهش.
لقد تحولت موريتانيا إلى ساحة للتلاعب، فأضحت أحيانًا، حتى المساجد وتشييدها ساحات للسمسرة العالية الجلية.
وما دامت المساجد لله الحمد، على مستوى العاصمة على قدر الكفاية بل أكثر، فإني أطالب بوقف هذا المشروع المثير إلى حين إرسائه على أساس متين من التقوى، ومطالبة شركة "النجاح" برد ما استدانت إلى شركتنا الوطنية "اسنيم"، المحتاجة بإلحاح لنقودها، كما نطالب البرلمان بفتح تحقيق في صفقة المطار وعلاقات "النجاح" برأس النظام، عسى أن نعرف تفاصيل هذه القصة المستغلة بعمق، للمتلكات العمومية وحرمات المال العمومي.
لقد أراد ربما عزيز ومحيي الدين الاختفاء وراء هذا المشروع، بناء جامع كبير، مبالغة في استغلال الدين وحرمته، ليفعلوا ما شاءوا بالمال العمومي المعني في هذا السياق "قرض اسنيم".
وما تحويل النصرة يومًا إلى ساحة أرضية المطار، إلا جزء ربما مكشوف سهل الاستيعاب، ضمن مخطط الدعاية واستغلال الرأي العام، رغم أهمية نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدئيًا، إلا أن السؤال المطروح، لماذا ساحة "النجاح"، ضمن المطار القديم، بعدما كان الحدث أكثر براءة أيام ساحة ابن عباس.
ومن وجه آخر ما ذا يعرف البرلمانيون عن صفقة المطار، ولماذا لا يستفسرون في الوقت الملائم قبل فوات الأوان، عن ديون "اسنيم" والعزيمة على تبييضها عبر مشروع جامع "النجاح" بالمطار القديم.
إن مص دماء هذا الشعب لن يعود بخير بالتأكيد، على من يُشاركُ فيه من قريب أو بعيد أو يصمتُ عليه وهو معني بالمساءلة البرلمانية والسياسية والإعلامية.
فعلينا أن نقول بكلمة واحدة، المساجد بناءها مهم، ولكن بشرط أن تكون مؤسسة على التقوى، وليس على تعويم بعض ديون الدولة "اسنيم هذه المرة"، بطريقة لا تخفى على أحد.
قصة 12 مليار لن تمر ببساطة، ومن تجرأ عليها غيرُ نبيه إطلاقًا، لأنها تُمثل تحايلاً ضمنيًا على قرض اسنيم المعروف المتواتر.
فهل من مُدكر، أم إننا في السنوات القادمة، في انتظار ما هو أبلغ في الجرأة والتلاعب، بسبب ضعف الرقابة والجزاء.
وسنظل نطالب بقوة بالوقوف أمام هذه العمليات الإستنزافية، حتى يرد الحق لأصحابه،، ويقف المتورطون من جميع المستويات أمام العدالة، وما ضاع حق وراءه مطالب.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.