تابعتُ ـ كغيري من المهتمين بالشأن العام ـ المؤتمر الصحفي للرئيس محمد ولد عبد العزيز وقد خرجت بجملة من الملاحظات لعل من أهمها:
انقلاب 22 مارس
لا خلاف على أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يمتلك خبرة كبيرة في الانقلابات العسكرية، وتمتد هذه الخبرة من فجر الأربعاء الموافق 03 أغسطس 2005، ويبدو أنها لم تتوقف عند صبيحة الأربعاء الموافق 06 أغسطس 2008.
لقد أصبح من الواضح جدا بأن الرجل لا يريد أن يتوقف عن تنفيذ الانقلابات العسكرية، ولذلك فها هو يختار أيضا يوم أربعاء ليعلن عن انقلاب عسكري جديد، يتشابه كثيرا مع انقلاباته السابقة، حتى وإن كان يختلف في بعض التفاصيل الصغيرة. في هذا الانقلاب الجديد قرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يقرأ البيان الأول من خلال مؤتمر صحفي، وقرر أن يمتطي دبابة من ورق لتنفيذ انقلابه الجديد، ودعونا نطلق على هذه الدبابة "الدبابة رقم 38".
لقد قرر الرئيس الخبير في الانقلابات العسكرية أن يصنع من المادة 38 من الدستور الموريتاني دبابة، وقرر أن يدوس بهذه الدبابة على قرارات مجلس الشيوخ الذي صوتت أغلبيته ب"لا" على التعديلات الدستورية.
ويبدو أن الرئيس الخبير في الانقلابات العسكرية قد بدأ يفكر أيضا في استخدام الدبابة ذاتها للدوس على أي قرار محتمل من أعلى هيئة دستورية في البلاد، ولعلكم قد لاحظتم بأنه بدا منزعجا في مؤتمره الصحفي، وخاصة عندما تم ذكر المجلس الدستوري، ولعلكم تذكرون نظريته الجديدة التي جاء بها في مؤتمره الصحفي (البيان الأول)، وهي النظرية التي تقول بأنه لا شأن للمجلس الدستوري بالاستفتاء على الدستور!!
يعلم الرئيس الخبير في الانقلابات العسكرية بأن ثلث الشيوخ يمكن أن يطلب استشارة من المجلس الدستوري، وسيكون المجلس الذي لا يمكن الطعن في قراراته ملزما بالرد على تلك الاستشارة.
الرئيس والدستور والعداوة الأبدية
مشكلة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع الدستور يبدو أنها مشكلة عميقة جدا لدرجة أنه قد وعد بتعديل الدستور حتى من بعد العام 2019 و من بعد خروجه المفترض من السلطة. لقد قال في مؤتمره الصحفي بأنه عندما يترك السلطة فإنه لن يتوقف عن ممارسة السياسية، كما قال بأنه سيعمل بعد خروجه من الرئاسة على تعديل الدستور. يبدو أن التعديل الدستوري المطروح حاليا لن يشبع رغبات الرئيس، ولذا فهو يفكر في تعديل دستوري آخر حتى من بعد خروجه من الرئاسة في العام 2019.
يذكر بأن الرئيس قد قال في خطابه الذي اختتم به النسخة الماضية من حواره الأحادي بأنه لا يجد حرجا في المطالبة بتعديل الدستور لصالحه، وبأنه لا يخاف من ذلك، بدليل أنه قد قام في السابق بإلغاء الدستور!
ومن الثناء ما فضح
مما لفت انتباهي في المؤتمر الصحفي هو أن الرئيس الخبير في الانقلابات العسكرية قد بالغ كثيرا في مدح القوات المسلحة، فمدحها في بداية المؤتمر الصحفي وفي وسط المؤتمر، وفي ختامه، ولم يكن ذلك معهودا في خطابات الرئيس.
هذا المديح المبالغ فيه ربما يكون سببه أن الرئيس الخبير في الانقلابات قد بدأ يشعر بأن أسباب الانقلابات ودوافعها قد اكتملت بفعل الانسداد السياسي وبانشغال السلطة عن مشاكل المواطنين بوضع شريطين أحمرين على العلم الوطني قد يكلفان خزينة الدولة ما يزيد على ست مليارات أوقية.
لكم قيمكم ولنا قيمنا
يبدو أن الرئيس مصرٌ على تفكيك هذا المجتمع، تفكيكه شرائحيا وعرقيا وسياسيا، ولذلك فقد كرر القول بأن للمعارضة قيمها وبأن له هو وأغلبيته قيمهم الخاصة بهم. في بعض محطات المؤتمر الصحفي خُيِّل إليَّ بأن الرئيس يتحدث عن مجتمعين منفصلين لا يجمع بينهما أي شيء.
إفلاس سياسي واضح
المتأمل في الشخصيات التي تمت استضافتها للمؤتمر الصحفي سيدرك جيدا بأن النظام الحاكم قد أصبح يعاني من عزلة حقيقية ..أغلب الحضور كان يمثل أحزابا مجهرية لا يستطيع الواحد منها أن يجمع مائة شخص ..هناك أيضا بعض الأحزاب التي تقودها شخصيات معروفة بخطابها المتطرف، وهي شخصيات تم تسويقها من طرف المخابرات. هذا الديكور الباهت الذي ظهر في خلفية المشهد، والذي سيعتمد عليه النظام الحاكم في شرح مضامين و أهمية الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليؤكد بأن النظام الحاكم قد وصل إلى مرحلة الإفلاس السياسي.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل