في الثاني من أب/أغسطس حط معرض «أوج الفن السوري» رحاله، وهو الذي احتضنه غاليري أيام في وسط بيروت منذ الحادي عشر من حزيران/ يونيو الماضي، بهدف منح محبي هذا الفن فرصة الاطلاع على اللوحات الأخيرة لخمسة من الفنانين، ومدى تأثرهم بالمشهد السوري التراجيدي والحربي. الفنانون هم عبد الكريم مجدل البيك، نهاد الترك وقيس سلمان (يعيشون حالياً في بيروت)، عثمان موسى (لا يزال في سوريا)، ومهند عرابي في دبي. معرض شهد اقبالاً لافتاً في المرحلة التي سبقت شهر رمضان سواء من الشغوفين بالتبصر بحال التشكيل، أو أولئك الشغوفين باقتناء اللوحات بحد ذاتها.
لا شك بأن أفكاراً مسبقة تقيم في خاطر قاصد المعرض وفي طليعتها سؤال: كيف عبّر هذا الفنان أو ذاك عن تأثره بالحرب الدائرة في سوريا؟ ما هو الأثر الموجود لدى بعضهم وبمباشرة واضحة، ولدى آخرين برمزية. الفنانون السوريون يستخدمون كافة الوسائل للتعبير عن أثر الصراع في لوحاتهم، وهم لا يستطيعون انفكاكاً عن أزمة وطنهم. أما الفنانون الخمسة الذين جمعهم غاليري أيام فهم مصنفون من بين خيرة الفنانين الذين ساهموا في رسم ملامح الطريق لجيلهم.
عمد قيس سلمان إلى تشويه الموضوعات التي اختارها. جاءت شخصياته موغلة في القبح، كأنه في واجب تشويه لأمر ما في مخيلته. ربما هو يعقد محاكمة لعصر مقيت نعيشه، فيه الجشع صاحب سلطة، وكذلك محاكمة لعصر يقذف بنا بأيديولوجيات شعارها التطرف دون سواه. وهكذا ظهرت الضفدعة في غاية التشويه لدى سلمان.
توغلت لوحة نهاد الترك عميقاً من خلال مضمونها في الأدب والفلسفة. قدم مخلوقات غير مكتملة تدفع للتساؤل كم هي قريبة منا نحن المخلوقات التي شظاها الواقع المرير .في المخلوقات والكائنات التي قدمها الترك ثمة اختبارات بشرية لإمكانات الصمود في واقع مأسوي ناتج عن الصراعات. ثمة اختبارات لمدى الصمود في مواجهة أمواج من الشر يتصدى لها كم أصغر بكثير من الخير. لون نهاد الترك يميل نحو الإشراق رغم قتامة الموضوع، إنها دعوة للأمل في لوحة لها شكلها المنجز.
اشتغل عثمان موسى وبشكل مبتكر ومباشر في آن على المأساة السورية المستمرة منذ ثلاث سنوات. إنها الواقعية المتلمسة للنبض الشعري من خلال مجريات يومية قاسية جداً. بكل بساطة صارت مأكولات البشر بمن فيهم الأطفال مواد حربية لها فعل الموت الشنيع. إنها الكوسا، البطيخة ورضاعة الطفل كذلك، جميعها مفخخ. هل هو العنف يتسرب حتى إلى أمعائنا كباراً كنا أم صغاراً؟ هو الواقع السوري يعبر عنه عثمان موسى وغيره من الفنانين، حيث العنف تسرب إلى مفاصل الحياة جميعها حتى الطفيف منها.
انحاز مهند عرابي إلى البورتريهات ولم ينزهها من فعل العنف، سلحّ أطفاله لكنه لم يسمح لهم بالظهور في صورة عنيفة. بل كانت لهم عيون واسعة جميلة تستعد لتفيض دموعاً. هم أطفال البراءة في خلفية مدن كانت، ولم تعد قائمة. في مقاربته لتلك البورتريهات كان عرابي يتعامل مع لوحته بشكل حدسي دون أن تحكمه قوانين. هو الفنان الذي دأب منذ بدء الحرب السورية على رسم البورتريهات، وهي بغالبيتها وجوه يتأثر بها كإنسان من خلال الميديا المتنوعة.
مواد كثيرة غير تقليدية جندها عبد الكريم مجدل البيك في خدمة لوحته. لم يترك مادة دون أن يستعين بها من فحم، جص، نشاء، رماد وخيش. وهكذا ظهرت لوحاته مشبعة رسماً وتركيباً في آن. هي ثلاث لوحات تختلف في ألوانها الأساسية لكنها تلتقي في مناخها ومنهجها العام. في لوحته بعثرة حروف وأرقام وكلمات أحياناً كما مدرسة. وفي لوحته نشر مقصود للشقوق العميقة والأقل عمقاً، وهو ما يطبع الإنسان السوري بشكل عام. إذا لوحة مجدل البيك ليست في منأى عن تفاصيل وانعكاسات الصراع الدائر في سوريا، وهو ظهر في التركيب الذي استخدمه بوجود سلاسل، صلبان، بنادق، مسدسات، سكاكين وغير ذلك.
إنه جزء يسير من الفن التشكيلي السوري في ظل الصراع القائم، هو دون شك يعبر عن ذاك الانعكاس المباشر على ريشة الفنان. هو جزء من فن سوري تشكيلي عريق، يؤرخ لمرحلة ويؤسس دون شك لأخرى ربما تطبعها بشكل مباشر الواقعية. فليس من سبيل للانفكاك عن الواقع التراجيدي المقيم في حياة شعب ووطن.
زهرة مرعي