افتتاحية الاثنين 10/04/2017
تطالعنا أنباء متواصلة عن مسيرات شعبية مؤيدة لتغيير الدستور الذي دعت إليه الحكومة، وتظهر الشاشات قسمات وجوه أصحاب المسيرات ـ حقا أو تصنعا ـ وهم في لهف عظيم لما تعد به التغييرات من خير عميم وانعكاس إيجابي على حياة الناس ومستقبل البلد، وبدا العمق الموريتاني بجهاته الأربع ووسطه وكأنه ينتفض ابتهاجا بهذه التعديلات من خلال ( هبة) قواعده الشعبية العريضة الداعية للتصويت الإيجابي على التغييرات، مع تسابق الشخصيات إلى التبارى في شرح المقاصد والمرامي القريبة والبعيدة لها!! . وكأن موريتانيا لا يفصلها عن حل أزماتها البنيوية المستعصية وتعزيز مسار تحولها الديمقراطي سوى أن تصادق على مقترحات حوار متعثر لم يحز على الحد الأدنى من شروط التوفيق ولا الإجماع ولا التراضي.. وخطا أصحابه بعيدا عن الواقعية التي جرنا الابتعاد الدائم عنها إلى مثل هذا الزيغ الذي يفسر ضلال الطريق المتكرر والتيه الدائم المؤدي إلى أن نشاهد نخبة أنتجت بلادنا منها بعسر ما هو دون حاجتها بكثير تتسابق لبيع الوهم والتلاعب بعقول مواطنيها في مرحلة من أحلك مراحل حياتهم وأصعبها وأكثرها غموضا وشكا في المستقبل.
كنا نعتقد أنها ممارسات طويت صفحاتها السوداء، بعد أن تأكد لمرات ومرات خطلها وزيف وهشاشة مبعثها ودوافعها فإذا بها تعود عنوانا لفعل ( سياسي) مزدهر الصناعة يلقى رواجا في المواقع والشاشات وعلى صفحات الواتساب، و مادة يتسلى بها من لديه وقت من المواطنين بعد هجوعه من نهاية يوم متعب وشاق من ايام سنواته الحرجة.
كما كنا ننتظر من فئاتنا الواعية، سواء سميناها بالعبير اليساري (طليعة) أو بالتعبير الجاري اليوم (نخبة) وقد رأت تجارب بلدها المريرة من حزب الشعب وهياكل تهذيب الجماهير وتسميات أدوات السلط المتعاقبة، وتابعت ما يجري في العالم حولها، كنا نتوقع أن تكرس جهدها الآن للدفع بمواطنيها لما يساعدهم في التعبير عن حاجاتهم الفعلية الملحة التي أكدت تجارب الشعوب المطردة عبر الزمن أن تحققها منوط بالواقفين خلفها وتضحيات من لهم مصلحة فعلية في حصولها وهم عامة الشعب الموريتاني و ليس هناك غموض حول هذه الحاجات : حاجته إلى العيش الكريم وتأمين مستقبل الأبناء والسكن اللائق والعدالة التي جبلت عليها النفس الإنسانية، وقبل ذلك كله حاجته لحرية الاختيار و مناخ سياسي غير موبوء بنفوذ السلطة وخياراتها التسلطية التي كانت في السابق تجمع بين العصا والجزرة ولم تعد في أزمنتها الأخيرة تمسك إلا بعصا غليظة انكسرت هيبتها مساء السابع عشر من مارس 2017 وربما يكون منظمو مسيرات التعديل يضعون في اعتبارهم الأول محاولة استعادة هذه العصا المنثلمة لبعض هيبتها المنكوبة، غير مدركين أن استعادة هيبة السلطة، أية سلطة، خصوصا إذا كانت تقدم نفسها سلطة مؤسسات ديمقراطية ليست في شيئ آخر غير حصول كل امؤسسات النظام على هيبتها، خصوصا المؤسسات التشريعية، وإلا فسيكون الإصرار على إزالة الهيبة عنها مؤذن لا محالة بإزالة ما بقي من هيبة السلطة التنفيذية نفسها.