منذ مدة وأنا أتأمل في تصرفات وقرارات الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولقد بدت لي هذه التصرفات والقرارات غير منطقية وغير مفهومة وعصية على الفهم، وخاصة منها ما تعلق باحتضان الرجل للأصوات المتطرفة من مختلف الشرائح والمكونات ورعايتها إلى أن تصل إلى سن البلوغ، أو ما تعلق منها بخنق المواطن بالضرائب، أو ما تعلق منها بإصراره على تغيير العلم وعلى إجراء استفتاء شعبي غير مقنع في فترة عصيبة من تاريخ البلاد. لم أستطع أن أفسر هذه التصرفات والقرارات، ولم أستطع أن أحدد الهدف المراد من بعضها، فلا هي في ظاهرها تحقق مصلحة بينة للرئيس، ولا هي تحقق مصلحة عامة للوطن، بل على العكس من ذلك، فإنها قد تسبب ضررا لكلا الطرفين: الرئيس والوطن.
وكان من آخر هذه التصرفات غير المفهومة هو ما حدث خلال يومي الاثنين والثلاثاء (1و2 مايو) حيث تم ترك مجموعات صغيرة من الأطفال والمراهقين تعبث في عدد من شوارع العاصمة، وتنهب وتعتدي على بعض الممتلكات الخاصة، وقد صاحب ذلك إطلاق إشاعات وتفسيرات استحضرت البعد العنصري والشرائحي في هذه العمليات. ظلت هذه المجموعات الصغيرة تنهب وتبطش ليومي الاثنين والثلاثاء، وظلت بعض عناصر الأمن تراقب المشهد ـ في كثير من الحالات ـ ودون أي تصرف، وكأنها غير معنية بالموضوع مما زاد من حيرة الناس ومن ذهولهم. وفي يوم الأربعاء، ولما أريد لهذه الفوضى أن تتوقف تدخلت قوات الأمن بجدية، فاختفت مجموعات الأطفال والمراهقين من المشهد،فعادت شوارع العاصمة لهدوئها. فلماذا تركت السلطات الأمنية مجموعات صغيرة من الأطفال والمراهقين تبطش ليومين كاملين في شوارع العاصمة؟ ولماذا تأخرت في التدخل الجاد لإيقاف بطش هذه المجموعات، خاصة وأننا نعلم بأن بطش هذه المجموعات كان سيتوقف بشكل فوري عند أي تدخل جاد للسلطات الأمنية، ومما يؤكد ذلك ما حدث في صبيحة الأربعاء (3 مايو) حيث اختفت مجموعات الشغب لما تأكدت تلك المجموعات بأن السلطات الأمنية قد قررت أن تتدخل بجدية في يوم الأربعاء.
هذا التصرف الغريب مع تصرفات غريبة أخرى سبقته جعلني أتساءل إن كان يوجد خيط ناظم بين كل هذه التصرفات والقرارات الغريبة التي تتخذها السلطة من حين لآخر، والتي تؤدي في مجملها إلى زيادة الاحتقان الشعبي، وإلى اتساع الشرخ في اللحمة الوطنية، وإلى اقتراب البلاد من حافة الانفجار والفتن لا قدر الله. إن البحث عن خيط ناظم يجمع بين كل هذه التصرفات والقرارات الغريبة، وإن محاولة تفسيرها بشكل منطقي جعلني أقف أمام ثلاث فرضيات مقلقة، كل واحدة منها تقلق أكثر من الأخرى، وكل واحدة منها تجعل أقصى ما يتمناه المواطن الراشد هو أن يترك النظام الحالي البلاد من قبل أن تتفكك وتتشظى إلى عدة أجزاء.
الفرضية الأولى
إما أن يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد أصبح في وضع صحي أو نفسي غير طبيعي ( ربما بسبب مضاعفات رصاصات أطويلة، أو بسبب الرحيل المفاجئ للابن أحمدو رحمه الله)، وأنه بسبب ذلك الوضع النفسي أو الصحي غير الطبيعي أصبح يتخذ قرارات خطيرة وغير منطقية ستنعكس سلبا على شخصه وعلى نظامه، كما أنها ستنعكس سلبا على الوطن بكامله. يحدث ذلك في وقت كان قد أحاط فيه نفسه بأشخاص ضعيفي الشخصية، عديمي الكفاءة، لا يمتلكون الجرأة ولا الكفاءة لأن يوجهوا إليه النصح، ولذلك فهم لا يستطيعون أن يوقفوه عن السير في هذا المسار الخطير الذي قرر السير فيه.
الفرضية الثانية
أن يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبعد يأسه من مأمورية ثالثة قد قرر أن يعمل على تفخيخ اللحمة الوطنية وعلى تأزيم الأوضاع من أجل إلى إيصال البلاد إلى حافة انفجار اجتماعي وفتنة داخلية، وعندما يظهر للجميع بأن البلاد مقبلة لا محالة على حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، عندها يقرر الرئيس ولد عبد العزيز أن يعلن حالة الطوارئ تجنبا لتلك الحرب الأهلية القادمة، على أساس أن غالبية الشعب الموريتاني سترحب بالدكتاتورية وستضحي بالديمقراطية وبالتناوب السلمي على السلطة عندما تجد أن الخيار قد أصبح بين العيش في بلاد مفككة أو تحت ظل حكم رئيس انتهت مأموريته الثانية فأعلن حالة الطوارئ. إن مما يعزز هذه الفرضية هو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ما يزال يتصرف حتى الآن تصرف من لا يفكر في ترك السلطة في العام 2019، ولو أنه كان يفكر بجد في ترك السلطة في العام 2019 لحاول أن يجعل من العامين 2017 و2018 فترة مصالحة مع الجميع، وفترة تهدئة مع كل الطيف السياسي.
الفرضية الثالثة
أن يكون بعض أركان نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد قرروا أن يتخلصوا منه، ولذلك فهم يعملون ليل نهار وبكل الوسائل المتاحة من أجل إغراق الرجل في بحر من الأزمات بلا أول وبلا آخر ، وذلك في انتظار اللحظة المناسبة لفعل "شيء ما"
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل