تعتبر الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم)أحد أهم روافد الاقتصاد الموريتاني، إذ تسهم بنحو 50%من صادرات البلاد، وبحوالي 25% من ميزانية الدولة، كما أنها أكبر مشغل بعد الوظيفة العمومية (الوظائف الحكومية)، وقد بلغ إنتاجها حوالي 13 مليون طن من خامات الحديد سنة 2014،في فترة اعتبرت من أكثر فتراتها نموا وازدهارا،غير أن هذه المعطيات و الأرقام الفلكية لم يكن تأثيرها على العامل بشكل مباشر مما يضمن استمرارية الإنتاج بوتيرة تصاعدية فالعامل ظل كما كان دائماً مجرد آلة لا يُوفرُ لها من المتطلبات إلا ما يمكنه أن يشغله داخل المؤسسة،ولأن استمرارية الإنتاج يتطلب عاملا متمتعا بكامل الحقوق فقد كان لزاما لعب الدور النقابي بكل خبرة ودقة و انفتاح وتجرد،لكن مع الأسف كان الأمر خلاف ذلك،حيث برهنت المراحل التي سٙنسْرُد لاحقاً تناقضًا بٙيِنْا في المواقف وتقييم الظرفية،و تعاطيا مع المستجدات أقل ما يوصف به أنه في غير محله في غالب الأحيان.
1- المرحلة الأولى 2014_مشروعية الإضراب وتوفر شروط صحته للمطالبة بحقوق العمال والتحسين من وضعهم:
ومن هنا تبدأ القصة أي من العام 2014،حيث قرر العمال عن طريق مناديبهم المطالبة ببعض الحقوق والعلاوات استنادا على الوضعية المريحة التي تعيشها الشركة،منذ العام 2010 حيث شهدت اسعار الحديد ارتفاعا ملحوظا طبع الحالة الاقتصادية بشكل عام،وفي خطوات متسارعة دخل العمال في اضراب لم يدم أكثر من ثلاثة أيام مما أضطر إدارة الشركة للدخول في حوار مع المناديب يسعى لإنهاء الأزمة القائمة بين الطرفين، وبعد جولة متواصلة، دامت حوالي 14 ساعة، شهدت مفاوضات شاقة وعسيرة.
تم التوصل لاتفاق (إتفاق 2014) الذي ينص على:
✓قبول اسنيم لزيادة عامة في الأجور، لكنها رفضت تحديد سقفها؛وفي المُقابال أكدت أنها ستكون من مقررات اجتماع مجلس الإدارة الذي سينعقد شهر سبتمبر القادم من نفس العام،ليستفيد منها العمال اعتبارا من أكتوبر،وهو الإقتراح الذي ألحت عليه شركة اسنيم منذ بداية الحوار،فيما كان العمال يطالبون بتحديد قيمة الزيادة، وتقديم تعويض متراكم لها منذ يناير الماضي.
✓فيما استفاد العمال من تولي الشركة تكاليف سلفات عيدي الأضحى والفطر، وزيادة التعويضات التشجيعية لتصل إلى 7 رواتب بالنسبة للعمال اليدويين، و6 رواتب بالنسبة للطبقة العمالية الوسطى المعروفة بعمال المتريز، و5 رواتب بالنسبة للأطر، وهما مطلبان كانا ضمن أولويات العمال منذ البداية.
✓كما قررت الشركة خلال الإتفاق الذي أعقب المفاوضات زيادة علاوة الإنتاج، وهي علاوة يحصل عليها العمال كلما وصل الإنتاج مليوناً و83 ألف طن للشهر، وسترتفع زيادة هذه العلاوة من 5% حالياً إلى 10% ، فيما سترفع إلى 30%، كلما وصل الإنتاج خلال الشهر مليوناً و200 ألف طن.
✓وتضمن الاتفاق أيضا بنداً اتفق عليه خلال الجلسة الأخيرة، وهو عدم لجوء الشركة إلى أي إجراء عقابي ضد العمال الذين شاركوا في الإضراب.
2- المرحلة الثانية 2015_اضراب مُختل الموازين:
بعد عدة محاولات مع الشركة من أجل تطبيق بنود الاتفاق الموقع بينها ومناديب العمال عام 2014،ورغم توفر الشروط المتوافق عليها والموجبة لتطبيقه كزياة نسبة الانتاج عن المستوى المنصوص عليه في الاتفاقية وارتفاع دخل الشركة وتحقيق أرقام قياسية جديدة،بدأ بعض مناديب العمال ممثلين في بعض النقابات خطوات متسارعة للدخول في إضراب شامل تأسس على غياب تفاهم وتوحيد للرؤية النقابية المشتركة من جهة،وبينها و إدارة الشركة من جهة أخرى،فتفرقت الجهود بين من يرى عدم جدوائية الإضراب للظرفية التي تعيشها الشركة آنذاك و القطاع المعدني على المستوى العالمي دون النظر بأثر رجعي لسابق عهد الوضعية وارقامها الفلكية المُتحققه،وبين من يرى بضرورة الإضراب وعدم الاقتناع بمبررات إدارة الشركة استنادا للوضعية المترتبة عن فترة ازدهار دامت 4سنوات،وفي نفس الوقت خلق ردة فعل مباشرة على مماطلة و تهرب الشركة من تطبيق الاتفاق الموقع سلفا.
ودخل العُمال الإضراب الذي كان الأطول تاريخيا حيث استمر 63 يوما،وعلى اثره دخلت الشركة أزمة خانقة وخسرت فيه أموالا طائلة.
كما شهدت المدينة بصفة عامة حالة اقتصاديه خانقة وصلت أقصى درجات الاحتقان الذي كاد ينسف باستقرار وأمن المدينة،رغم سلمية العمال المضربين والتنظيم المُحكم لحركتهم واحتجاجاتهم اليومية،التي لم تزد الإدارة والجهات المعنية إلاّٙ تعنتا و هروبا للإمام دون تطبيق بنود اتفاق 2014،وبعد كثير من المحاولات للتأثير اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا من أجل إنهاء الإضراب و التوصل لحل ينهي الأزمة،تم إتفاق آخر كان نتيجة لإضراب 2015 وليس تحقيقا لبنود اتفاق 2014 الذي تم الإلتفاف عليه برعاية من الجهات الرسمية و موافقة من المناديب أنفسهم.
المبررات وصفها البعض بالمنطقية لأن خوف الجميع من انفلات الأمور وخروجها عن إطار السلمية وإحداث شرخ بين الشغيله التي لم تكن متحده في رؤيتها لشرعية الإضراب؛كان كافيا للسعي والتنازل من أجل إنهاء الأزمة بأي ثمن.
مع تفهم الغالبية العظمى لوضع الشركة والأزمة العالمية التي يعيشها قطاع المعادن خاصة الحديد في تلك الآونة.
3- المرحلة الثالثة 2017_وضعية سليمة و وسائل ناجعة لتحقيق مطالب العمال..ولكن؟؟
بدأت هذه المرحلة بعد أن استعادت الشركة عافيتها و أخذ قطاع المعادن وضعية مريحة من خلال أسعار الحديد الذي بدأ في تصاعد حيث وصل إلى عتبة 70 دولار،مما جعل الرؤية النقابية تكون واحدة للوضع الذي أعتبره الجميع(عمالا ونقابات)مناسبا لإعادة المطالبة بتطبيق إتفاق 2014، إضافة لوضعية العامل الذي يعيش تراكما اقتصاديا حرجًا منذُ سنوات دون أي مُتنفس أو تحفيز قد يُساهم في اخراج الوضعية من عنق الزُجاجة.
مما نتج عنه إتحاد جميع النقابات لأول مرة فتم أخذ خطوات مشتركة نحو تنفيذ إضراب شامل يفرض على الشركة تطبيق إتفاق 2014.
وبالفعل أحست إدارة الشركة بخطورة الوضعية الجديده خاصة بعد أن تأكدت من جديتها و واقعيتها في الفاتح من مايو الذي شهد توقف للعمل داخل منشآت الشركة بنسبة 100٪ تقريبًا.
فدخلت مباشرة في حوار مع مناديب العُمال الذين أصبحوا حسب معطيات المنطق والواقع في موقف قوة يتجسد في اتحادهم،الذي كان ضربة أولى ضد الشركة.
وبعد عدة جولات من اللقاءات وبدل أن يتحقق ما كان يتوقعه العمال خاصة بعد أن وجهوا للشركة الضربة الثانية من خلال تطبيق أسلوب جديد من الاحتجاج يجعل من الشركة الخاسر الأكبر والمتمثل في ضبط الإنتاج حسب قوانين العمل داخل المنشآت أو ما أطلق عليه مصطلح #جرو_الانتاج.
تفاجأ الجميع بخلاف ذلك، فالشركة تُلح على إنهاء الأزمة في ظرف ساعات قبل مغادرة المُفاوض و المناديب يوقعون على مقترح ممثل الشركة مع بعض التحسينات الطفيفة،فضاع اتفاق ينص علي زيادة معتبرة دون قيد أو شرط وحل محله اتفاق ينص علي زيادة غير معتبرة مرتبطة بقيد وشرط وهذا شيء مؤسف ومجحف في حق شريحة ضحت بوقتها و جهدها وتبذل أقصى طاقاتها ليل نهار من أجل استمرارية مؤسستها وضاع مجد العمال وتأثير اتحادهم.
فكان الإتفاق كالآتي (اتفاق-2017):
عودة العمال المفصولين في إضراب 2015 و عددهم 9
ـ تقديم ثلاث رواتب اساسية للعمال البسطاء.
- تقديم راتبين ونصف لعمال الفئات m1/m2/m3
-تقديم راتب ونصف لعمال الفئات m4/m5/m6
- راتب واحد للأطر.
- 50000 اوقية عن رمضان كل عام .
- مجانية سلفة المولد .
-ربط الزيادة العامة بالراتب بحيث تصل 10 % مع وصول سعر الحديد ل 90 دولارا للطن كسعر دولي.
من خلال المراحل الثلاثة الآنفة يتجلى مُشترك واحد و رابط واضح بينها،هو الاستخدام غير السليم للأداء النقابي،(التصعيد في غير وقته أو التهاون في غير محله)،مما أنتج فشلا متكررا أضاع الحقوق بدل تحقيقها،و عرّٙض بالعمال بدل الدفاع عنهم،و ليس التذمر على نتائج الاتفاق الحاصل الآن على شبكات التواصل الاجتماعي إلا نموذجا يؤكد أن العمال كانوا في واد والمناديب في واد آخر.
مما يُوْجب طرح السؤال:
✓هل يوجد شيء يحرك المناديب غير الإرادة العمالية؟
المدون : إسحاق أحمد امبيريك