الدكتورة خيرة بنت الشيخاني .. نموذج المديرة الإنسان

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
خميس, 2017-05-18 19:00

لست من الذين يمدحون إذا ما أعطوا، ولا من الذين يهجون إذا ما منعوا. ولعلى من الذين  ينأون عند الغنيمة، ويحضرون عند الشدة. ولكنني تربيت على إنصاف الناس، وما أسداني  أحد معروفا،إلا وساقني كيفما شاء، حتى أجازيه على معروفه ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

   لم أكتب هذه المقدمة على طريقة المتنبي مع سيف الدولة، ولكن حتى لا يقال إن هذا المقال  يأتي في سياق المساجلات والردود على ما كتب هذه الأيام هنا وهناك. ولعني لا أخالف الحق إن قلت : إن لإدارة التلفزة طرقها للرد  إن هي ارتأت  أتركته كما أن( إن للبيت ربا سيحميه).  

   ما يجب أن يعلمه الجميع أنني من ضمن مجموعة في التلفزة الموريتانية، ينطبق عليها القول الدارج بين الناس ( إن غاب لا يسأل عنه، وإن حضر لا يستشار). وتلك لعمرى خصال المرغوب عنهم ، لا المرغوب فيهم. ولكن لي قصة مع  د. خيرة بنت الشيخاني المديرة العامة للتلفزة الموريتانية ، كانت فيها مثالا حيا للمدير الإنسان ، كانت فيها أختا وإنسانة  وكان سلوكها معى في منتهى الرقي الحضاري والأخلاقي.

  قبل حوالي شهرين من الآن اضطررت إلى السفر بوالدي  وحفيدته إلى داكار لعلاجهما  وبحكم أنني أعمل منتجا ومقدما في التلفزة الموريتانية، أردت أن تشعر سعادة المديرة العامة بالمشكلة التي يتعرض لها العبد الفقير إلى الله، فلعلها تمنحنى إجازة لبعض الوقت خاصة وأنني سبق وأن استنفذت رصيد إجازاتي في المؤسسة. فأرسلت لها طلبا بذلك .

  لم يدر بخلدي أن سعادة المديرة العامة لكثرة انشغالاتها ،إلا وسيستغرق طلبي وقتا طويلا على مكتبها. ولكن الأمر جرى بطريقة تختلف عن ما كنت أتوقعه.

                                    المفاجئة :” المديرة الإنسانة”.

 كنت منشغلا في  اليوم التالي لإرسال الطلب  بمونتاج برنامجي الأسبوعي:” أفكار جامعة”. حتى أتتني إحدى العاملات في مكتب المديرة لتخبرني أن سعادتها تنتظرني في المكتب. فبادرت  إليها أطوي الممرات لأستكشف ردها على طلبي، وفور وصولي مكتب السكرتيريا ، تلقيت منها اتصالا هاتفيا  تستفهم فيه عن مكان وجودي ، وحينما علمت من خلال صوتي الذي بلغها في المكتب ،بأنني في مكتب السكرتيريا أمرتني بالدخول. ودلفت إلي مكتبها لأجد معها المدير العام المساعد الأستاذ  مختار عبد الله والمدير التجاري الأستاذ سيدي ولد النمين.

  كانت وجوه الثلاثة ضاحكة مستبشرة، فعلمت أن الأمر خير. جلست على إحدى المقاعد الوفيرة، واستقبلتني المديرة العامة بقولها:( لقد وصلني طلبك، ووقعته ومنحتك الوقت الذي يكفيك لعلاج أبيك وحفيدته، وقد أمرنا لك  تضامنا من المؤسسة معك في رحلتك هذه بمبلغ مالي يساعد في العلاج، واعتبرني  أختك لا مديرتك. )

  استغرقني هذا الموقف النبيل، وأخذت أبحث في قاموس الثناء الذي أعرفه، عن عبارة أو جملة تناسب نبل صنيعها معي. فخانتني كل العبارات، إلا جملة واحدة  ما زلت أذكرها حينما قلت لها:( لقد فاجأتني بحسن صنيعك هذا ولذلك فإنني أرفع لكم القبعة احتراما  لهذا الموقف الرائع).

  ثم أعدت النظر إلى هذه المديرة الشابة التي لم تتجاوز في ظني عقدها الثالث، وهي تدير أعتى مؤسسات الدولة وأشرسها طاقما، تديرها بهذا القلب الطيب الحنون، وتتعاطى مع عمالها بمثل هذا السلوك الرائع، ثم قارنت بين ردها علىَّ، وردود بعض المدراء الذين جعلني القدر مرات في طريقهم. فإذا المسافة بين المديرة الشابة  ومشايخ المدراء المتمرسين هائلة جدا من حيث رقي الأخلاق وتواضع المسؤول، ثم عدت بذاكرتي إلى الخلف قليلا، لأستعيد يوم دخولى إلى التلفزة ناجحا في مسابقة ، كانت المديرة العامة من فرضها، على الرغم مما صاحبها بعد ذلك من منغصات نعيشها حتى الآن،  من حيث عدم حصولنا إلى الآن على كامل حقوقنا  في الترسيم وغيره. ولكن رغم كل ذلك لهذه المديرة الشاب شرف المحاولة في استقدام جيل جديد  يساهم الآن بقوة في تطوير  المنتج الإعلامي للتلفزة الوطنية. ثم قفزت إلى ذاكرتي وقفاتها الدائمة معنا  في الدار الموريتانية للدراما والإعلام والتي لولا هذه المديرة الشابة ما كان لها أن تكون ولا أن ترى النور وذلك من خلال دعمها للمنتج الدرامي المحلي.

   ماذا أعدد …..

إن خصال المديرة الشابة في حقنا أكبر من مساحة العتب التي أحس بها تجاهها، ذلك أنني في ذاك العتب شريك زملائي  الجدد في التلفزة الموريتانية، ولكن مساحة أعمالها النبيلة معي كشخص فاقت كل ذلك وغطت عليه. وهي خصال ما فتئت أرى آثارها على زملاء كثر وقفت هذه المديرة معهم في أزماتهم.

  صحيح أن التلفزة الموريتانية كغيرها مؤسسات الدولة تترى عليها المشاكل، وهو أمر لا يكاد  يخلو منه مرفق  خاص أحرى آخر عمومي. ولكن الخيط الرفيع الذي يفصل ما بين  المساحة التي يشغلها الخلل، وتلك التي يشغلها الجهد  المبذول من أجل التغيير يختلف في عيني زيد عن عيني عمرو.

 وفي نظري فليس ينقص مؤسساتنا العمومية  مديرا يتوارى خلف كرسيه الوفير ، ويغلق عليه كل المنافذ ،حتى  ذلك الذي يدخل منه إلى مكتبه. وإنما النادر في  هذا الوطن العزيز هو أن تجد مديرا وفي نفس الوقت إنسانا.  سوى المديرة العامة للتلفزة الموريتانية.:د. خيرة بنت الشيخاني. ولهذا وجب التنويه ولزم القول ” إنها نعم المديرة الإنسانه”.

 بقلم: أحمد محمود العتيق. كاتب صحفي