يرتبط شهر رمضان المبارك في الجمهورية الموريتانية بمشاعر البهجة والاحتفاء لدى هذا الشعب المسلم البالغ تعداده نحو ثلاثة ملايين نسمة. ولأن طابع غالبية الموريتانيين الالتزام والتقيد بتعاليم الدين الإسلامي، فإن رمضان بالنسبة إليهم يعد فرصة نادرة وبابا مفتوحا للمبادرة إلى الطاعات وأعمال الخير.
وتلعب أجهزة الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون دورا بارزا في إيصال صوت العلماء، تعليما وتوجيها وإرشادا، خلال الشهر الكريم، ولا يخلو إحياء الموريتانيين لرمضان من طقوس تعكس تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم العريقة.
وتشهد المساجد الموريتانية إقبالا متزايدا خلال شهر رمضان المبارك، خصوصا من الشباب الذين يحرصون على حضور صلاة التراويح.
ومع اقتراب وقت السحور نشاهد عددا من الفتية يطوفون الشوارع قارعين الدفوف، لإيقاظ المتسحرين قبل موعد الإمساك، ولوحظ خلال الفترة الأخيرة أن جيلا جديدا من "المسحراتي" بدأ في الظهور حيث يتطوع مجهولون، بالاتصال بعشرات الهواتف المنزلية كل ليلة بشكل عشوائي؛ للتذكير بوقت السحور، ويتسم هؤلاء المتطوعون بالسلوك الطيب والرزانة في القول والفعل.
ورمضان في موريتانيا شهر يمتزج فيه العمل الروحاني بالعمل الخيري الاجتماعي الذي يجعل من شهر الصيام لحظة يتذكر فيها الغني الفقير؛ ففي رمضان يتردد الموريتانيون على المساجد وعلى حلق العلم، ومن عادتهم في مجال العبادة المثابرة على قراءة التفسير في المساجد، كما ينظِّم غالبيتهم حلقا لتدارس كتب الحديث في البيوت، وينشط العلماء والوعاظ في المجالس العامة والخاصة.
كما يحرص كثيرون على تحفيظ القرآن الكريم للنشء في هذا الشهر الكريم، وغالبا ما تجد طفلا لم يتجاوز العاشرة وقد حفظ كتاب الله. ومن عادات الأشقاء الموريتانيين في ليلة السابع والعشرين من رمضان ختم القرآن الكريم في المساجد، ثم إنشاد بعض المدائح النبوية.
وتتشابه العادات الغذائية لدى المجتمع الموريتاني في رمضان، وتشكل روتينا شبه ثابت منذ فترة طويلة. ورغم أن بعض الوصفات الوافدة بدأت تتسلل خلال الأعوام الأخيرة إلى المطابخ الموريتانية إلا أن تأثيرها يبدو طفيفا، حيث لا يزال التمر أول ثوابت الإفطار امتثالا للسنة النبوية الشريفة.
ويظل "اطاجين" الوجبة الرئيسة التي لا تخلو مائدة إفطار موريتانية منها، وهو عبارة عن طبخة معدة من البطاطس باللحم، كما يمثل "الزريق" المشروب الأساسي، وهو خليط من الماء والحليب واللبن الرائب، إضافة إلى "الشوربة" المعدة من الخضار أو الطحين. كما أن الشاي الأخضر أساس في وجبة الافطار وجلسته تكون جماعية حيث يجتمع أكبر عدد ممكن من الأفراد، ويعد على نار هادئة.
وبعد صلاة العشاء والتراويح يكون طبق اللحم المشوي قد استوى على الفحم ليقدم مع السلطة الخضراء. ويختلف توقيت تناول هذه الوجبة؛ فمنهم من يتناولها مباشرة بعد الفراغ من صلاة المغرب، ومنهم من يؤخرها إلى ما بعد صلاتي العشاء والتراويح، أما وجبة السحور فغالبا ما تكون من الأرز أو الكسكسي.
وبعد اداء صلاة التراويح يبدأ الناس التزاور، وتبادل أحاديث السمر، وتتسلى النساء بلعبة شهيرة تدعى "السيك" فيما يلهو الرجال بلعبة الشطرنج التقليدية المسماة "ضاما". كما يعشق كثير من الموريتانيين ندوات الشعر التي تقام بالخيام الليلية، والتي يرافقها الطرب الحساني.