قليل هم ألئك الذين ما زالوا يشككون اليوم أو يجادلون ’ في أن سياسة التفتيت المتدحرجة للمنطقة العربية دولا و مجتمعات ’ استغلالا للدين و تغذية للصراعات ’ سياسة رعتها و آزرتها الجهات الغربية في الأساس ’ و على أعلي مستوى ’ و منذ أزمان خلت ’ و إن تبناها آخرون بالوكالة و التكليف و التوظيف.. و كان من أشهر منظريها خطوة خطوة ’ برأي أصحاب الشأن ’ المخضرم هنري كسنجر ’ وصولا إلى كونديليزارايس ’ و مرورا بإزبيغينيو بريجنسكي و الثلاثة أساتذة جامعات بارزون ’ أداروا دفة الأزمات العالمية في بلادهم ’ و على فترات مختلفة ضمن المحيط الخاص بالبيت الأبيض ’ و الأخير كان صاحب نظرية احتواء الإسلام السياسي الشهيرة ’ و من ثم توظيف أهم تياراته في المنطقة ’ و هو ما حرصت الأجهزة الأمريكية بأذرعها المتعددة على تحقيقه طبقا لما تقتضيه و تمليه مصالح السياسة الأمريكية و استراتيجياتها الشرق أوسطية .
و لعله من المفارقات الدالة ’ أن مستشار الأمن الأمريكي الأسبق ’ صاحب نظرية الاحتواء المزدوج تلك ’ لم يبد كبير ندم على ما ظل يتمسك به في هذا المعنى ’ و حتى بعد هجمات 11\09\2001 ’ الزلزال الذي راح ضحيته ’ و دفعة واحدة 3000 مواطن أمريكي بنيويورك و واشنطن ’ حيث رد بريجنسكي على من فندوا نظريته ’ مبررا و شارحا ’ لنقارن ونمعن النظر بين نتائج سقوط الإتحاد السوفييتي المدوي و منظومته الدولية ’ و هو خصمنا الأعظم و الألد على مر التاريخ ’ و تداعي الكتل المعادية ’ و ما جنته الولايات المتحدة من فوائد و مزايا جمة لم تكن في تصور أحد ’ و على كل صعيد ’ و ضحايا هجمات الطائرات على البرجين و مبنى البانتاغون ’ و إن كانوا بالآلاف !!إذ لولا هزيمة الجيش الأحمر و استدراجه في حرب أفغانستان المريرة لما تم لنا ذالك ’ و كل ذالك و في أكثر من وجه كان بفضل نجاح تجييش الإسلام السياسي سلفا و خلفا ’ و تبوئ رجاله الصفوف الأولى في تلك المعركة الفاصلة و ما رتب عنها من نتائج مبهرة.
ووجدت أنظمة عربية عديدة في ذالك الوقت ’ و طبقا لحساباتها الخاصة بها ’ ضالتها المنشودة و مبتغاها في النهج المذكور المعتمد من طرف الحليف الأكبر بواشنطن ’ فأطلق الرئيس أنور السادات العنان لإسلاميي مصر بغرض التخلص ’ و إن بأفدح الأثمان ’ من اليسار في بلاده ’ و كسرا لشوكته بالجامعات ’ و للقضاء كذالك بنفس الحجر على ما تبقى من معاقل الناصرية على ضفاف النيل ’ بل و تصدير التوجه الجديد إلى ربوع المنطقة ’ و الدعوة إليه ، و للوصول إلى تلك الغايات كان لابد من الاستثمار الواسع في الإعلام و الدعاية و الرجال ’ و ترويجا للخطاب ’ و الزحف المتزامن على المساجد ومصادرة المنابر’ بمناصحة و علم الإخوان المسلمين و ماكينة التيار’ و لم تبخل عروش النفط المرحبة من جهتها و المباركة بالمال ’ و بلا استثناء تقريبا ’ و بالمال الوفير.. فصنابير البترو دولار كانت تعمل بكامل طاقتها و في أفضل أيامها ’ بل إن الأمير تركي الفيصل ’ و في وقت من الأوقات ’ و من موقع من يدير مخابرات بلاده ’ كان من بين أهم مشاركيه هم "الجهاد" في أفغانستان ’ ليس سوى رجل.. يدعى أسامة بن لادن ’ شيخ تنظيم القاعدة الذي ستتكشف عنه الأيام ’ و زعيمه.
و استمر الأمر على هذا المنوال من "تبويس اللحى" و على هذا النحو من الحب المتبادل ’ لبن على عسل.. قبل أن ينقلب السحر على الساحر ’ و تحل الكارثة على رؤوس الجميع ’ فقتل "الرئيس المؤمن" بالقاهرة في ضحى يوم مشهود ’ و على مرأى و مسمع من أركان دولته ’ على يد ملازم أول خالد الإسلمبولي عضو الجماعة الإسلامية 06\أكتوبر \1981م ’ و إن نجح السادات الذي ذهب ضحية سياساته في مسعاه غير المعلن ’ ليحكم التطرف الديني و تياراته السيطرة الكلية على الشارع في مصر ’ و يكتسح مده الجارف في طريقه أفضل ما شيد من قبل بجهد المصريين على مدى العقود المتتالية ’ من صروح الإصلاح الديني و الفكري ’ و قيم مدنية مرعية ’ و ربما تعايش ’ منذ محمد عالي و حتى عبد الناصر ’ و ما ستشيعه دعوة الشيخين محمد عبده و سعد زغلول بأرض الكنانة وما حولها.
وواظبت القاعدة و أخواتها منذ ئذ على شن الهجمات و العمليات المدمرة ضد "الأصدقاء" في المقام الأول ’ وكذا النكاية بأرباب النعم السابقين ’ و في مناطق كثيرة من العالم...و ضد السعوديين أنفسهم ’ في الرياض و الخبر...إلى أن كللت عملها بضربات طائرات سبتمبر الموجعة و غير المسبوقة.
و بالتوازي لن يتوقف العمل الدؤوب على بث السموم في الجسم العربي المنهوك ’ و تقطيع أوصال الأمة’ و العبث بكياناتها الهشة ’ و ستزداد الوتيرة سوءا و تغولا ’ بدخول إيران الخمنية على المشهد الإقليمي.
فمن العزف على وتر التعايش بين المسلمين و الأقباط في مصر’ أبناء الوطن الواحد ’ إلى العمل على تأجيج الخلاف الطائفي و المذهبي في السعودية و البحرين...على غرار ما جرى في العراق ’ الذي دمر على مراحل ’ بالشراكة بين "الشيطان الأكبر" و طهران المرشد ’ ليمتد الحريق إلى سوريا التي صارت شظايا و ركاما ’ و في السودان الذي قسم إلى دولتين فاشلتين ’ بفضل "الصديق الأمريكي" و تفريط الجنرال الحاكم منذ انقلاب الإخوان على الديمقراطية غير الموفق 1985م.
و ستعرف الجزائر عشريتها الرهيبة الدموية ’ و الأكثر اسودادا في تاريخها الحديث على يد أفغانها العائدين ’ و يدا بيد مع جهابذة الإخوان ببلد المليون شهيد.و هكذا دواليك ’ إلى أن جاءت حملة الغزو الأطلسي المفضوح المبارك رسميا ’ و المشفوع بفتوى كهنوتية مدفوعة الثمن 2011م ’ و في غضون أسابيع قليلة سنرى بلدا عربيا كبيرا و فاعلا من وزن ليبيا تتسلمه المافيات المسلحة ’ عشية الغزو المقيت ’ و يختفي كليا من خريطة الدول ’ ليلاقي أبناؤه من المآسي ما ضاهى مآسي و آلام الشقيق العراقي و السوري و حتى الصومالي ’ كل ذالك على يد عصاباته الإجرامية المتدثرة بالدين ’ مدفوعة من قوى إقليمية و دولية لا يستهان بها ’ و بتحريض و تمويل و رشى معلنة و خفية من بلد خليجي لا تتعدى مساحتة الإجمالية 22ألف كلم مربع ’ لا لسبب سوى أنه بلد متخم بالأرصدة المالية الفلكية و احتياطات الغاز و النفط ’ امتلك ترسانة من المحطات الإعلامية ’ ضاق بها الفضاء ’ و منابر الدعاية القائمة على التهويل و الدجل ’ إلا أنه صار و في غفلة من الزمن كعبة و مثابة للتنظيم الدولي ’" الإخوان المسلمون" الذي يعد القرضاوي المقيم الدائم بتلك المنابر أحد كبار رموزه ’ من تولى كبر شرعنة الغزو.
و المدهش أن الدولة المعنية هذه ’ شريط تطارده لعنة الجغرافيا كما أسلفنا ’ مساحة وحجما ’ إذ يتعلق الأمر هنا بإمارة قطر ’ اللسان البحري بأقصى شواطئ نجد ’ التي وصفها يوما الأمير الراحل شيخ زايد ’و هو يداري عنها غضب حكام القاهرة ’ أنها دولة من حجم سكان فندق تناطح مصر!!
ربما حسب البعض أن ما ألم بالدوحة سورة من خمار جنون العظمة ’ تزول بزوال السبب ’ لكن الأمر صار إلى شبه لوثة ملازمة ’ فقطر بمساحة لا تتجاوز حجم كف إحدى اليدين ’ ها هي تنازع بلدانا عربية كبرى و صغرى الأخطار و الأدوار ’ و حتى كيفية اتخاذ القرار ’ و لو كان القرار في شأن زحمة مرور بشارع من شوارع الرياض أو القاهرة أو أبوظبي ’ و هيهات ’ و بين الأمس واليوم لا ينفك ضجيج الإمارة المريب عن تسويق’و زورا ما تقدمه ربيعا تارة و طورا حراكا مشبوها بالمغرب يرفع رايات الإنفصال.
و رغم الإعاقة الجيوسياسية التي تقعد بقطر عن كل ذي بال ’ دور نرى الإمارة المجهرية و كأنها شربت لبن السباع ’ أو سمومها ’ في حضن الأفعوان الدولي لإخوانيتها ’ تتصدى لأخطر و أخبث الأدوار’ من قبيل ما سيعرف بالربيع العربي ’ الذي حسبه الكثيرون و لأول وهلة غيثا و أول القطر.. قبل أن يتحول مع الأيام إلى جهام و أعاصير و خراب و سراب.. على يد قطر و مشيخة الإخوان المتربصة ’ بأفقها الضيق و تعصبها المعروف ’ بدعم لوجستي وسياسي و إعلامي من أردوغان و حزبه بتركيا..أردوغان "السلطان العثماني" و خليفة الإخوان المنصب الذي وضع الصحفيين و القضاة والدعاة و الأصوات المخالفة دون استثناء في السجون ’ و حول تركيا بذالك إلى معتقل ضخم ’ لكن ذالك كله لن يثير اهتمام" الجزيرة" و لم يرف له جفن في "عيون" إعلام قطر ’ الذي يحول الحبة إلى قبة في بلدان عربية لا يرضى عنها مشايخ التنظيم العالمي للإخوان.
و كأن الشاعر عناهم بقوله : عين الرضا عن كل عيب كليلة و عين السخط تبدي المساويا
و لعلنا لن نلوم بلدا كالإمارات العربية المتحدة من بين بلدان عربية عديدة ’ تملكتهم هواجس مبررة في الغالب ’ مبعثها تصرفات الإمارة المربكة ’ تصرفات أثارت غضب الرياض العاصف الذي جر حصارا على قطر ’ و لم يترك كثيرا من الخيارات ’ لما أصبح من الممكن توصيفه "بالزائدة الدودية" الملتهبة ’ أو الورم مصدر الشكوى و الآلام لبقية الجسم ’ و الجسم الطبيعي في هذه الحالة المملكة (راجع الخريطة).
علما أن الأحداث الضالعة فيها قطر بالغة الخطورة ’ من التنسيق علنا و في الخفاء ’ ضمن محور تركي إيراني ’ صار مصدرا لكل قلق ’ إلى التآمر على مصر’ و بمختلف الطرق المتاحة ’ من تمويل سد "النهضة" الأثيوبي لمنع مصر و شعبها مياه النيل ’ و حصار مزارعيها و سدودها بالعطش ’ مستخدمة في ذالك دول الطوق بمعية الخرطوم ’ و هو مما لا يجوز مهما اختلفنا مع الحكام ’ ناهيك عن المنابر و المال و الميليشيات بطرابلس الغرب.
لقد استشعرت إذا بلدان الخليج العربي و غيرها الخطر الداهم من قطر ’ و كيلها طفح ’ و على الجزيرة النجدية اعتقادي ’ رحمة بنفسها قبل غيرها ’ و صونا لمحيطها الحساس المثخن ’ أن لا تستمرئ اللعبة الخطرة القديمة ’ فاللعبة في ما يبدو أشرفت على نهايتها.. و كفى تجنيا و افتئاتا و رقصا بهلوانيا على الحبال’ رقص قد يقود صاحبه إلى الهاوية أو إلى حبال المشنقة ’ فضلا أن مشاريع الأوهام الإمبراطورية المستحيلة ’ التي تراود أمراء الدوحة ’ و بوحي من الإخوان المسلمين ’ و مشيخة الأخطبوط الكهنوتي في المشارق و المغار ب ’ لن تتحقق أبدا ’ إلا في المخيلات المريضة لتلك المجاميع الشيطانية ’ و ما تجتره من أحقاد و ضغائن مبيرة
محمد ولد اماه