إسلمو ولد سيدي أحمد
كاتب وخبير لغوي وباحث في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية
الدرس الأول:
يقال عندنا، في موريتانيا: "خَيْمَةْ الْغِنَى مَا بَانِيهَا حَدْ": لا غِنًى عن التعاون بين الناس...وفي المثَل: "الجار قبل الدار". من هنا فإنّ المحافظة على علاقات طيبة بين الدول المتجاورة، أمر لا غِنًى عنه...
لقد اتّضح-بما لا يَدَعُ مجالا للشك-أنّ دولة قطر على الرُّغم ممّا تمتلكه من إمكانات مالية هائلة وما تقوم به من استثمارات-في الداخل والخارج- وما لديها من أرصدة في المصارف الوطنية والدولية، فإنّ إنتاجَها الوطنيّ من الموادّ الاستهلاكية (الغذائية بصفة خاصة) لا يغطي إلّا نسبة ضئيلة من احتياجاتها المحلية ممّا يجعلها تعتمد بشكل كبير على ما تستورده من الخارج (من السعودية خاصة). وهنا تكمن أهمية/ بل ضرورة التركيز في سياسات الدولة (أيّ دولة) على تحقيق الاكتفاء الذاتيّ من المواد الاستهلاكية الضرورية...فالدولة التي تستورد هذه المواد من الخارج لا تمتلك قرارها السياسيّ المستقل...
الدرس الثاني:
يبدو أنّ بعض القوى الخارجية التي عملت على تفتيت الوحدة العربية، قد اكتشفت (ولو متأخرة) خطأ/ وخطورة سياساتها الخارجية تجاه العالَم العربيّ...لقد اتّضح لهذه القوى-مع مرور الزمن-أنّ مصلحتها تقتضي وجود تكتلات عربية متماسكة قادرة على المساهمة في إرساء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، ممّا ينعكس إيجابيًّا على أمن العالم واستقراره...
نلمس ذلك من الموقف الأمريكيّ-على سبيل المثال-الداعي إلى حل الأزمة الخليجية عن طريق الحوار والتفاهم بين الأشقاء الخليجيين... يُفهَم من هذا الموقف أنّ الولايات المتحدة الأمريكية (ومَن يدور في فلكها من الدول الغربية) تعمل من أجل المحافظة على مصالحها مع جميع الأطراف المتنازعة (قطر والدول العربية المقاطعة/ أو المحاصرة لها).
الدرس الثالث:
لقد ظهر للعالم-للأسف الشديد-أنّ الدول العربية غير قادرة على معالجة قضاياها بنفسها، وكأنها بحاجة إلى وصاية أجنبية !
كنا نأمل-من أجل التغلب على هذه الأزمة العربية بامتياز-أن يُعطى الوقت الكافي للوساطة الكويتية، وأن تصاحب هذه الوساطة اتصالاتٌ بين المسؤولين في الدول الأعضاء في مؤسسات العمل العربيّ المشترك (وعلى رأسها جامعة الدول العربية)...وبذلك نستطيع نزع فتيل الأزمة وإجهاضها قبل أن تتفاقم ويستعصي حلها...لكن الدول العربية المعنية قد اختارت تدويل الأزمة ...يُستَشَفّ ذلك من الجولات المكوكية والتصريحات المتلاحقة والاتصالات المكثفة واللقاءات التي قام بها وزراء خارجية بعض هذه الدول، مع الدول الغربية بصفة خاصة.
من خلال ما تتداوله وسائل الإعلام من تصريحات لبعض المسؤولين الغربيين، يمكن أن نستنتج أنّ العالم (الغربيّ خاصة) يقول للدول الخليجية بلسان فصيح: نريدكم متحدين...لدينا مصالح مع دولة قطر، ومع الدول الخليجية التي قاطعتها...لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بين الدول...العلاقات بين الدول تحكمها المصالح...
بعد الإشارة باقتضاب إلى هذه الدروس الثلاثة-على سبيل المثال لا الحصر-ممّا يُستخلَص من هذه الأزمة التي أحدثت شرخا كبيرا في هذا الكيان الخليجيّ الذي كان-إلى عهد قريب-من أنجح مؤسسات العمل العربيّ المشترك، يبدو جليا أنّ الجهات (الداخلية والخارجية) التي ركبت موجة مقولة "الفوضى الخلّاقة" الهادفة إلى تفكيك العالم العربيّ وإعادة بنائه بشكل يخدم أعداء العرب، قد اكتشفت أنها (أي هذه الجهات) قد ارتكبت خطأ فادحا/ وشنيعا في حق الشعوب العربية، بل في حق شعوب العالم بأسره.
لقد خرج الوضع عن السيطرة في البلدان العربية التي عانت ويلات الحروب وما ترتب عليها من تدمير للعمران وقتل وتشريد للإنسان...انتشار الإرهاب والعنف...ارتفاع عدد المهاجرين الفارين من الحرب أو الباحثين عن لقمة العيش...انتشار الأوبئة...تزايد التوتر بين دول العالم بسبب تداعيات الحروب المشار إليها...
لقد أصبح العالم كله في أزمة حقيقية، ولسان حاله يخاطب الدول العربية قائلا:
من مصلحتكم أن تتحدوا وتتجاوزوا خلافاتكم البينية، ومن مصلحة العالم أن يجد مُحاوِرًا عربيا قويًّا قادرا على المشاركة في إعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة الحيوية ...
فهل يستفيد العرب من هذه الأزمة ومن الدروس المستخلَصة منها ؟!
نرجو ذلك.