لقد كان يوم الجمعة (الموافق 07 ـ 07 ـ 2017) المميز في تاريخه، مميزا أيضا من حيث طبيعة ونوعية البطش والقمع الذي مارسته السلطة الحاكمة ضد المعارضة في موريتانيا . لقد بدأ هذا اليوم ببطش واعتقال في الصباح، وباعتقال في الظهيرة، وباعتقال في المساء، وكأن عمليات البطش والاعتقال قد أصبحت عند السلطة الحاكمة مثل جرعات وأقراص الدواء والتي يجبر المريض على ابتلاعها ثلاث مرات في اليوم: مرة في الصباح، ومرة في الزوال، ومرة في المساء.
في صبيحة جمعتنا هذه قامت عناصر من شرطتنا الوطنية بممارسة القمع والتنكيل بشباب المنتدى الذي نظم وقفة سلمية عند "كارفورمدريد" رفضا للعبث بالدستور، وقد تم اعتقال أحد الشباب المشاركين في هذه الوقفة، وبالأمس تم التنكيل بشباب "حراك محال تغيير الدستور" الذي كان قد نظم هو أيضا وقفة احتجاجية سلمية عند "كارفور بانا بلاه".
وفي ظهيرة جمعتنا هذه قامت عناصر من الدرك الوطني باختطاف السيناتور محمد ولد غدة من منزله، واقتادته إلى جهة مجهولة، وفي المساء قامت عناصر من شرطتنا الوطنية بعرقلة نشاط كان سينظمه أكبر تحالف معارض للتعديلات الدستورية في أحد فنادق العاصمة، وهنا تم أيضا اعتقال أحد المشاركين في هذا النشاط.
لقد تأملت في هذه الأحداث المقلقة التي حدثت في يوم واحد، فوجدتُ أنها تستحق عدة قراءات، وأن كل قراءة لهذه الأحداث ستأتي بنتيجة جديدة، سواء قرأنا هذه الأحداث بالتقسيط أو بالجملة.
وإذا ما قرأنا هذه الأحداث بالتقسيط، وإذا ما بدأنا بحدث الصباح، أي بالتنكيل بوقفة شباب المنتدى، فسنجد بأن السلطة الحاكمة قلقة جدا من الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب المعارض في إفشال الاستفتاء المنتظر. إن السلطة الحاكمة تعلم بأن هناك رفضا شبابيا قويا وواسعا للتعديلات الدستورية، وتعلم بأن التعبير عن هذا الرفض قد يتسع ويتمدد ويتنوع، ولذلك فقد قررت أن ترسل في صباح جمعتنا هذه رسالة قوية إلى الشباب الموريتاني مفادها أنها جاهزة لكل أصناف التنكيل والقمع والاعتقال.
هذا عن بطش الصباح، أما عن بطش الظهيرة، فإن القراءة السريعة له تقول بأن السلطة الحاكمة قد قررت تصفية الحساب مع مجلس الشيوخ، والذي كان قد وجه لها صفعة قوية بإسقاطه للتعديلات الدستورية، ووجه لها صفعات أخرى خلال الدورة البرلمانية المختتمة يوم أمس، وفي ردها الذي لم يحترم القانون ولا الدستور ولا الحصانة البرلمانية ولا المؤسسات التشريعية، ولا الأخلاق، قررت السلطات أن تختطف في ظهيرة اليوم السيناتور محمد ولد غدة، والذي كان قد لعب دورا بارزا في إسقاط التعديلات الدستورية، وفي فتح ملفات فساد شائكة.
أما فيما يخص بطش المساء فإن القراءة السريعة له تقول بأن السلطة قد انزعجت كثيرا من هذا التحالف المناهض للتعديلات الدستورية، والذي يعتبر التحالف الأوسع في تاريخ المعارضة الموريتانية. لقد انزعجت السلطة كثيرا من هذا التحالف الواسع، ولذلك فقد قررت أن تعرقل أول نشاط له، وأن تعتقل أحد نشطاء إيرا، وذلك في محاولة بائسة من السلطة الحاكمة لتقزيم هذا التحالف الأكبر في تاريخ المعارضة الموريتانية.
تلكم كانت ثلاث قراءات بالتقسيط لأحداث الجمعة، أما إذا ما حاولنا قراءة هذه الأحداث بالجملة، أي دفعة واحدة، فإن ذلك سيوصلنا إلى جملة من الاستنتاجات السريعة لعل من أبرزها:
1 ـ أن السلطة على قناعة تامة بفشل الاستفتاء الشعبي، وتعلم بأن ما قامت به من إجبار الموظفين وعمال الدولة على التسجيل لن يحول دون فشل هذا الاستفتاء، ولذلك فهي تتعامل مع الأمور بارتباك شديد جعلها تقمع تظاهرة شبابية في الصباح، وتختطف شيخا من منزله في الظهر، وتعرقل في المساء تنظيم نشاط سياسي مرخص له.
2 ـ يبدو أن هناك تفكيرا جديا في التمديد وفي فرض البقاء في السلطة فيما بعد انتهاء المأمورية الثانية، ولذلك فقد تقرر أن يتم اللجوء إلى العنف والبطش والتنكيل بالمعارضين لفرض هذا المسار.
3 ـ ما حدث اليوم ينبئ بأن الأيام والأسابيع والأشهر القادمة ستشهد المزيد من القمع والبطش والتنكيل برافضي التعديلات الدستورية.
4 ـ إن أي نظام حاكم عندما يلجأ إلى هذا النوع من البطش والتنكيل، فإن ذلك يعني بأنه قد دخل في سكرات الموت. ويبقى أن أقول بأن سكرات الموت بالنسبة للأنظمة الحاكمة قد تقصر وقد تطول، والمقلق أنها قد تؤدي إلى انهيار الدولة لا قدر الله.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل