بقلم: محمد فال ولد يحي
خي عباس ، أتمني أن تكون بخير
قرأت مقالكم الأخير بقدر من التأني وسجلت الملاحظات التعقبية التالية:
1
الرئيس عزيز لم يصل إلى السلطة على ظهر دبابة، لا بالمعني الحرفي، و لا المجازي؛ فما حدث 2009 كان بالنسبة لمن قاموا به – وحتى المعارضين وقتها - حركة تصحيحية ، جاءت لوضع حد لجملة من الانسدادات والمشاكل السلطوية المعروفة لدى الجميع، والتي كادت أن تعصف ببلادنا، خاصة أنها لا تمتلك ـ حينهاـ مقومات البقاء في وجه مثل تلك العاصفة الهوجاء! أحيلكم هنا إلى أرشيف إذاعة فرنسا الدولية لليوم الثاني بعد الانقلاب حيث تبادل الحديث الرئيسين مسعود وأحمد ولد داداه، تعقيبا على الحدث.
2
بالنسبة لما يسمى "فرصة رأس المال" ، المغتربون في أمريكا لديهم قصص كثيرة عن عائلة "روتشيلد" الذي أصبح بين عشية وضحاها من أكبر أثرياء العالم.
أخي عباس ... في علوم الاجتماع، يوجد ما يسمى باقتناص الفرصة، وهو ملكة غير متاحة للجميع؛ بل إن الكثير من العقلاء والناجحين في الحياة لا يتمتعون بها.
و اقتناص الفرصة هو وصفة سحريةـ تماماـ مثل تأثيرالقيم الشخصية في بلورة التماثل التنظيميHYPERLINK "https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=5&cad=rja&..."،لن أطيل هنا، لكن في عالم النيوللبرالية التقدمية التي أنتم من الداعين لها، لا توجد عُقدة "اقتناص الفرصة"....
3
يؤخذ عليكم،عزيزي عباس، ككاتب ومدون تصريحكم بأسماء، ضمن مقال عريض،يقاس بمقاسات أكاديمية،وأنتم تعلمون علم اليقين أن هذا التشهير قد يعرضكم للمساءلة القانونية،وهنا ألتمس لكم العذر كمؤرخ كبير،وأضع هذه التصريحات الاسمية في خانة التأريخ للأحداث ضمن مسار الزمن.
أعيد إلى ذهنكم الكريم أن مصطلح "رجال أعمال الدولة "،الذي ورد في مقالكم والأمثلة التي سقتم عليه،لم يعد محل استغراب، حتى في الدول الشيوعية، فخذ أمثلة، "ساهر" في السعودية،وقطاع النقل في الصين والقطاعات الصناعية في روسيا، والأمثلة أكثر من أن تحصر.
4
ماذكرتم من تراجع الدولة في مجال تطبيق العدالة، وبالذات فى مجال الديون يحتاج إلى تدقيق في التأصيل، فالمنظومة القانونية في هذا المجال شهدت نهضة نوعية، وانفرط عقد القوانين التنظيمية، والمراسيم التطبيقية، خاصة في مجال التجارة والمعاملات المالية، أحيلكم هنا إلى التعديلات المستحدثة في المدونة التجارية للعام 2015، بهدف القضاء على ظاهرة "شبيكو" التي أصبحت وقتها بيئة خصبة للتحايل على الأموال الخصوصية والعمومية.
5
بالنسبة لموضوع تجديد الطبقة السياسية، فالرئيس محمد ولد عبد العزيز وصل إلى السلطة عام 2009،بأيدي وسواعد الشباب الذين ناصروه وقتها، وقد تبنى مشروع تجديد الطبقة السياسية والإدارية، وسحب بذلك البساط من تحت المعارضة حينها، فنظريا الدولة بحاجة إلى سواعد الشباب، فكما تعلم فإن أول اكتتاب كان في نهاية الستينيات،وبالتالي يكون الجيل الأول قد بدء يصل إلى نهاية مشواره المهني مع العشرية الأولى من هذا القرن، وهو ما يتطلب ضخ دماء جديدة.
6
بخصوص بيع الماء في كيفه، بحسب علمي فإن الماء يباع في كل مكان، وفق القوانين المسيرة للشركة الوطنية للماء، وماذكرتم قد يحتاج إلى إعادة التأصيل، أما خصخصة المحرقات التي ذكرتم فأود أن أقول: إنما حدث هو تقنيين للإجراءات المعمول بها فيما يخص التموين بالمحروقات، ألفت انتباهكم أنه تمت إضافة المعايير الدولية المعمول بها فيما يخص نسبة الرصاص 0.1% وغيره من مخلفات إعادة التكرير.
أما فيما يتعلق بالشركات التي تعرض للبيع فمن المعروف، لدى خبراء الاقتصاد، أن سياسة التخلص من الشركات المتعثرة، أواستبدالها أوفتح رأسمالها، من أنجع الحلول لاستعادة هذه الشركات عافيتها، وفي حالة الفشل، لامحالة من خصخصة الخدمات مع مراعاة جودة الخدمة بالنسبة للسعر، أحيطكم علما أن الدولة الموريتانية كانت "تعيل" قرابة 700 مؤسسة عمومية ذات طابع مستقل، تعتمد هذه المؤسسات على إعتمادات من الميزانية العامة للدولة بنسبة 100 %، مما يعني أن هذه المؤسسات لاتقدم أي حصيلة مقابل كل هذا الدعم المقدم لها من طرف الدولة، والدولة ماضية في سياسة تحسين مناخ العمل بما يسمح لهذه المؤسسات بتحقيق حصيلة تمكنها من تحسين أدائها وعملها.
7
النهضة العمرانية التي ذكرتم هي في الواقع تعبير صريح عن تحسن مناخ العمل في سوق من أهم الأسواق، إن تسارع وتيرة العمل في السوق العقارية هو مؤشر جيد على اتساع شريحة الطبقة المتوسطة (السكن الفردي،السكن التساهمي...الخ)، وكذلك جودة المناخ في أسواق الخدمات(الفنادق،المنشآت ...الخ).
أود الإشارة هنا إلى أنه من بين ﻭﻅﺎﺋﻑ ﺍﻟﻧﻘﻭﺩ ﺍﻟﺩﻳﻧﺎﻣﻳﻛﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩ، إعادة ﺗﻭﺯﻳﻊ ﺍﻟﺩﺧل (ﺍﻟﺛﺭﻭﺓ) ﺑﻭﺍﺳﻁﺔ ﻭﺳﺎﺋﻝ عدة من بينها الحيوية في القطاعات المعروفة والتي من بينها القطاع العقاري، وهو ما يحقق ﺍﻟﺭﻓﺎﻫﻳﺔ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﻳﺔ للطبقة الوسطي، كما يحقق ﺍﻟﺣﺩ ﺍلأﺩﻧﻰ ﻣﻥ ﺍﻟﺭﻓﺎﻫﻳﺔ ﻟﻠﻁﺑﻘﺎﺕ ﺍﻟﻣﻧﺧﻔﺿﺔ ﺍﻟﺩﺧﻝ.
8
بالنسبة لموضوع خصخصة قطاع الحراسات ونقل الأموال، ففي أمريكا لاتحتاج ـ حسبما هو معروفـ إلى حجة، لكن في الدول المجاورة، والدول العربية كلها تتولي شركات خاصة مثل هذه العمليات، فلا يعقل أن تكون الدولة هي من يوفر الحماية للمؤسسات الخاصة مثل البنوك وغيرها، ضف إلى ذلك أن هذا القطاع يضاهي "توكه" في ازدواجية المنافع، فهو يوفر فرص عمل لعدد كبيرمن الناس،لاسيما قدماء العسكريين وغيرهم من الشباب، كما أنه يعود بالنفع على الدولة من خلال العوائد الضريبية والتنظيمية على هذه المؤسسات.
ختاما أود لفت انتباهكم إلى أن “الدولة البائعة" التي ذكرتم، هي في الواقع بائعة لماض معروف لدى الجميع، بمخلفاته، تلك المخلفات التي أنهكت كاهل الدولة لعقود، وجعلتها عاجزة عن أداء دورها في التنمية، إن التحولات الاقتصادية السياسية المتسارعة في هذا البلد هي نتيجة سياسة ممنهجة قائمة على قواعد سليمة – لا عشوائية، كما هي الحال في الماضي- والمنطق الداخلي للنيوليبرالية يدل على ذلك؛ خذ عندك جامعات رأت النور ومدارس وثانويات تزدهر كل يوم لترقى بالمستوي العلمي لهذا البلد، كان آخرها جامعة المقاومة التي أعلن عنها قبل يومين في تجكجة، إليك أيضا، الرعاية الصحيّة التي أصبحت متاحة للسكان في مناطقهم البعيدة عن العاصمة، كل هذا ليس وليد الصدفة...،بل إنه ناتج عن إعادة تدوير لدينامكية النقود بما ينفع الناس، إليك ـأيضاـ الضمان الصحي الذي أصبح متاحا لجميع العمال، حتى من خارج الوظيفة العموميةـ اعتراضياـ هل علمت أن اترمب فشل أمس في إسقاط "اوباماكير" ... لاشك أنك تعرف السبب!
إن موريتانيا التي نعرفها قبل عقد من الزمن ليست هي موريتانيا الآن، نحن أمام مشهد لتحولات جذرية للجمهورية تقوم على أسس سليمة وقواعد راسية، تصمد أمام الأزمات الاقتصادية العالمية و لاتتأثر بتقلبات زوابع فصول السنة، موريتانيا بأبعاد جغرافية جديدة، موريتانيا بطبقة سياسية وإدارية جديدة. أهلا بك في الجمهورية الثالثة.