مع كل موسم خريف يتذكر الموريتانيون بأن عاصمتهم بلا صرف صحي، وبأنها ربما تكون هي العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا يوجد بها صرف صحي في العام 2017، طبعا لا يعني هذا بأننا لسنا أحسن حالا من الدول المجاورة، فنحن سنبقى دائما ـ وعلى لسان الحكومة ـ أحسن حالا من الدول المجاورة.
مع كل موسم خريف يشتد النقاش حول هذا الموضوع، ومع كل تساقطات مطرية ينشر المدونون مئات الصور لمناظر مخجلة وفاضحة لعاصمتنا، ولكن هذا النقاش يتوقف دائما مع نهاية موسم الخريف، وعندها ينسى الموريتانيون بأن عاصمتهم بلا صرف صحي، وذلك في انتظار موسم الخريف القادم ليتذكروا من جديد بأنها بلا صرف صحي، وهكذا..
لقد آن الأوان لأن نتعامل بشكل جدي مع غياب الصرف الصحي عن العاصمة، وفي اعتقادي بأن هناك ثلاث خيارات أو حلول متاحة، وعلينا أن نختار واحدا منها:
1 ـ الخيار التصالحي
هذا الخيار هو الخيار الأسهل، وهو الأكثر انسجاما معنا كشعب معروف بخنوعه، وكحكومة معروفة بعجزها، ويقتضي هذا الخيار بأن نرضى بالعيش في عاصمة بلا صرف صحي، وأن نعتبر بأن غياب الصرف الصحي لا يطرح أي مشكلة، وأن كل ما علينا فعله هو أن نبتدع أساليب ووسائل تمكننا من العيش بسعادة، أو على الأقل بدون مشاكل، في عاصمة بلا صرف صحي.
وفي حالة العمل بهذا الخيار، فإني أقترح:
ـ تأسيس معهد للتكوين السريع من أجل تدريب أكبر عدد ممكن من سكان العاصمة على السباحة وعلى عبور البرك والمستنقعات.
ـ الإشهار بإفلاس الشركة العامة للنقل البري، والتي هي مفلسة في الواقع، وتأسيس شركة جديدة على أنقاضها تدعى الشركة العامة للنقل البحري، على أن تتكفل هذه الشركة بتوفير النقل البحري للمواطنين بين مقاطعات العاصمة.
ـ تحويل مقر وزارة المياه والصرف الصحي إلى إحدى البرك والمستنقعات بمقاطعة السبخة، وتحويل سكن الوزير إلى حي "سوكوجيم"، مع إجبار الوزير على قطع المسافة بين سكنه ومكتبه، ذهابا وإيابا، دون استخدام أي وسيلة من وسائل النقل البحري.
ـ إنشاء وزارة خاصة بالسياحة والصيد والسباحة في المياه العكرة ( وكل وزاراتنا تصطاد في المياه العكرة)، وأن يكون من مهام هذه الوزارة بالإضافة إلى مهمتها الأساسية المتمثلة في تدريب المواطنين على السباحة والصيد في المياه العكرة، أن يكون من مهامها أيضا الترويج لعاصمتنا الفريدة من نوعها، حتى تصبح قبلة للسياح، وخاصة لأولئك الذين يريدون أن يتأكدوا بأنه ما تزال توجد في عالم اليوم عاصمة بلا صرف صحي تذكر بالمدن في القرون الوسطى.
فلماذا لا نفتخر بأن عاصمتنا بلا صرف صحي؟ ولماذا لا نستفيد سياحيا من هذا التميز ومن هذه الخصوصية؟
2 ـ الخيار التطوعي
أن نسلم كمواطنين بعجز السلطة عن إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة نواكشوط، وأن نتحمل نحن المواطنون من بعد ذلك مسؤولية إنشاء شبكة للصرف الصحي في عاصمتنا، ولتحقيق ذلك فإنه على كل واحد منا أن يتبرع بمبلغ زهيد من المال، وأن نجمع الأموال المتحصلة من عملية التبرع هذه، وأن نسلمها يدا بيد لشركة صينية مقابل إنشاء صرف صحي بالعاصمة، على أن يتم إبرام هذه الصفقة بعيدا عن أعين وأيادي الحكومة. إننا ندفع ضرائب كثيرة دون أن نحصل في مقابلها على أي خدمات، فَلِمَ لا ندفع ضرائب أو تبرعات مقابل إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة؟
في اعتقادي بأن سكان العاصمة لن يبخلوا بالتبرع مقابل توفير صرف صحي في مدينتهم، وذلك لأنهم يتكبدون مع كل موسم خريف خسائر اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى الأمراض والمشاكل الصحية، هذا فضلا عن المنظر المقزز الذي يتسبب فيه غياب صرف صحي.
3 ـ الخيار الاحتجاجي
يتطلب منا هذا الخيار ـ وهو الخيار الأصوب ـ أن نُحَمِّل السلطة الحاكمة مسؤولية غياب صرف صحي بالعاصمة، وأن نحتج وأن نندد بذلك، وأن لا نتوقف عن الاحتجاج حتى تبدأ السلطة في العمل الجدي من أجل إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة.
إن السلطة الحاكمة تتحمل اليوم المسؤولية الكاملة عن غياب صرف صحي بالعاصمة، وذلك لأنها حكمت البلاد لما يقترب من عقد الزمن، ولم يعد بإمكانها في العام 2017 أن تشغل أغنية التراكمات. وتتحمل المسؤولية أيضا لأنها ألغت اتفاقية كان سيتم بموجبها إكمال مشروع الصرف الصحي في مقاطعات : السبخة؛ الميناء؛ تفرق زينة؛ لكصر في منتصف العام 2013بحجة أن كلفة الصفقة كانت كبيرة، وكأن الخسائر التي تكبدها سكان العاصمة في الأعوام 2013، 2015،2014، 2016، 2017 بسبب إلغاء تلك الصفقة لم تكن بالخسائر الكبيرة. لقد تم إلغاء الصفقة بشكل مرتجل، وها نحن اليوم ندفع ثمن ذلك الارتجال. بالمناسبة هل تتذكرون مشروع تبليط طريق الأمل (مقطع ملتقى مدريد ـ ملتقى تنسويلم) بالحجارة؟ لقد اتخذ هذا القرار بشكل مرتجل، وتم إلغاؤه بشكل مرتجل، ولم تكن له من نتائج سوى أنه أزعج المواطنين يوم ألقيت أكوام الحجارة أمام محلاتهم، وأزعجهم يوم تم سحبها مع تكليف خزينة الدولة أموالا طائلة في جلب الحجارة وفي سحبها من بعد ذلك.
إن الخيار الاحتجاجي يستوجب منا أن نضغط على الحكومة بكل الوسائل السلمية المتاحة، وذلك من أجل إجبارها على توفير شبكة للصرف الصحي في أسرع وقتت ممكن.
لو كنا في هذه البلاد نمتلك ثقافة احتجاجية لتطوع ـ على الأقل ـ العشرات أو المئات من سكان العاصمة بملئ مئات السطل من مياه المستنقعات، ولذهبوا بها إلى وزارة الصرف الصحي ولأفرغوها أمام مكتب مدير الصرف الصحي، أو مكتب الوزير كتعبير حضاري عن استيائهم من العيش في العام 2017 في عاصمة بلا صرف صحي، أو أفرغوها أمام القصر الرئاسي، وذلك هو الأفضل.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل