بعد تجاذبات حادة أحيانا وعالية الصوت الإعلامي بوجه خاص، أسدل الستار على ملف المسيء، بحكم اعتبره البعض خلاصا من الورطة، بحد أدنى من العقوبة، واعتبره آخرون متاجرة مكشوفة وتلاعبا وتهاونا بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد دأبت الجهة التنفيذية في هذا البلد، عبر سائر الأنظمة المتعاقبة تقريبا، ومنذ يوم 10 يوليو1978 على التدخل شبه السافر والمباشر في أحكام الجهاز القضائي، وفي القضايا الحرجة بوجه أخص، وذلك حسب ادعاء البعض.
أما هذه القضية الخطيرة بعد نشر مقال مسيء لجنابه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد تدخلت فيها جهات خارجية ذات وزن دولي، بصفة "حقوقية" وبصفة سياسية صريحة، مثل ما يتداول عن حضور مبعوث من السفارة الأمريكية بنواذيبو، لمحاكمة المسيء ولد امخيطير، الذي صنع منه البعض بطلا بدل مجرم كاسح بذيء دنيء.
ومهما تكن خلفية الجهة الرسمية وحقيقة موقفها، بعيدا عن التأويلات والتفسيرات من هنا وهناك، فلسنا هنا في مقام محاكمة الخفايا والمقاصد والنوايا، بقدر ما نحن في مقام تقييم بعض دلالات هذا الحكم القضائي المثير بامتياز، والمفاجئ لدى الرأي العام في أغلبه وسواده الأعظم.
أقول باختصار، لقد أرادت ربما الجهة الرسمية حسب ما يفهم من فحوى الحكم القضائي الصادر اليوم، إسدال الستار على هذا الملف الحساس ،بصورة لا تفتح النار على موريتانيا من الوجه الحقوقي" والمصلحي" عموما، لدى الغرب ودوائره الحقوقية والتمويلية والسياسية، على الوجه الأوسع.
لكن الدولة من خلال جهازها القضائي، فرطت على رأي البعض في مشاعر الرأي العام وجبهته العريضة دون حساب للعواقب المتنوعة، على المدى القريب والمتوسط، لأن "اصنادره" حسب ما يقول البعض ويروج مباشرة بعد صدور الحكم، يحتقرون الشعب ولا يخافون من عواقب التلاعب بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعي هذا البعض أنه في قادم الأيام متسع ليوقن المتحكمون وغيرهم، أن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلى وأعز ورب الكعبة.
إنه حكم قضائي في رأي هؤلاء مشين وهزيل وغير أديب على الإطلاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي نظر المعترضين على الحكم الصادر اليوم، أنه لا يعبر عن موريتانيا الإسلامية بقدر ما يعبر عن حسابات سياسية ومادية آنية ضيقة، عابرة زهيدة ،بالمقارنة مع الحفاظ على الهوية ،وما تعلق بها من عقيدة وتاريخ ومعطيات مختلفة، وفي نظر هؤلاء لا تستحق هذه الحسابات الضيقة ،كل هذا التنازل والتلاعب بعرضه صلى الله عليه وسلم ومكانة الإسلام العظيم الخاتم في هذا البلد العريق، المعتز بربه عز وجله ونبيه صلى الله عليه وسلم وإسلامه الخاتم، قبل أي اعتبار آخر، أيا كان.
إنه باختصار، على رأي الكثيرين، حكم مدو فضيحة وعار ونار، وتعريض بالقيم الإسلامية عموما، للمزيد من الانتهاك والاحتقار لا قدر الله، وربما تشهد السنوات القادمة، إن لم يعقب هذا الحكم ويغير جذريا بما يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم، المزيد من الانتهاكات العقدية والسلوكية السافرة.
أما في نظر المعترضين على الحكم، فالقضاة الذين سطروا هذا الحكم، قد ربطوا للأسف البالغ أسماء تشكيلتهم بمهزلة مكشوفة عارية من الاحترام باختصار وإيجاز، ويقول المعترضون، فليستعدوا يوم العرض الأكبر لمحاججة الرحمان والقرآن والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن الغريب في هذا الحكم عند مقارنته بحكم سابق، أن بعض القضاة في نازلة سابقة فضلوا عرض شخص مشبوه بتهمة تبييض الأموال "ولد بوعماتو"، فحكموا علي وقتها بـ300 مليون أوقية بتهمة "البلاغ الكاذب"، غير متوفر الشروط القانونية إطلاقا، فكيف يحكم على صحفي متهم بالبلاغ الكاذب ضد ولد بوعماتو، بالغرامة الأنفة الذكر الخيالية، وفي المقابل عندما يتعلق الأمر بالإساءة لعرضه صلى الله عليه وسلم من قبل ولد امخيطير ،عليه لعنة الله، يغرم فحسب بستين ألف أوقية، فكيف يحكم القضاة عندنا، وعلى أي أساس يغرمون.
أتصل الغيرة على عرض ولد بوعماتو حد التغريم بـ300 مليون أوقية، بينما لا يصل الغضب عند بعض القضاة نفس المقام المالي، فلا تزيد الغرامة على ستين ألف أوقية.
إنه أمر في غاية الغرابة والدهشة والحيرة، لمن تذكر الموضوعين وأجرى أبسط مقارنة وتأمل عابر في أساليب قضاتنا المغشوشة أحيانا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاضيان في النار وقاض في الجنة، فبعضهم لا يهتدون إلا للرضوخ للأوامر ولو سرا، ولا يخافون الله والفضيحة على الإطلاق للأسف البالغ، وأحكامهم أحيانا معوجة، على نسق بنايتهم، المسماة ظلما قصر العدل بنواكشوط.
إنني أطالب بسرعة بالتعقيب على هذا الحكم الغريب، ومساءلة المعنيين على مستوى البرلمان، وربما لو عرض هذا الملف على قضاء محايد إن وجد، في أي مكان من العالم، لكان الحكم أكثر حزما في وجه الإساءة لعرض أعظم الخلق طرا في هذا الكون، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
ولن تتمكن الجهة الرسمية مهما فعلت من حماية المسيء ولو هرب ربما إلى الخارج، وكلنا فداك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم.
أما أن يحكم القضاء سابقا في نازلة مغايرة، أيا كان شأنها، بغرامة أكبر من غرامة الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتفي بستين ألف أوقية تغريما في حق المسيء لعرضه صلى الله عليه وسلم، فهذا دلالته واضحة ومغضب للرحمن لاشك ،ورب الكعبة،و إن لم يعقب ويغير بسرعة، فسيكون له ما بعده من مظاهر غضب الرحمن العاجل غير الآجل وغير المؤجل.
وملخص الحكم ودلالته ولو ظاهريا، أن من وصل هذا القدر المقرف الدنيء المفزع، الزندقة والردة الكاملة، عبر الإساءة لدين الله وعرضه صلى الله عليه وسلم في هذا البلد، فيحظى بالحماية القبلية من قبل بعض أقاربه وتتعاضد معه الجهات الخارجية النافذة والجهات الداخلية الحاكمة، ويخلص من حق القصاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل لا يعتد بغضب الله ولا يحسب له ما يستحق من حساب دنيوي وأخروي، كما لا يحسب لغضب هذا الشعب المسلم المغدور بحق في هذه الواقعة الفضيحة المدوية المكشوفة، ويحاول سدل الستار بهذه البساطة على هذا الملف الخطير، لكن لا أظن ذلك يقع ببساطة البتة، ورب الكعبة.
فإن للبيت رب سيحميه، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
ومن حسب أن الغرب ومنافقى الداخل من العقوقيين والحقوقيين إدعاء زائفا، سيحمونه فلينتظر، وليحسب على رؤوس أصابعه، أليس الصبح بقريب.
ومهما يكن مستوى الغضب وردة الفعل ،فينبغي أن لا يتجاوز أصحاب ذلك الفريق إلى حد الفتنة والعنف الأعمى، كما أن الدولة ملزمة بحق الاحتجاج السلمي وتأمينه وحمايته، فهو حق دستوري ثابت، إن بقي في هذه الدولة حق أو أي اعتبار لأي حق، بعد المتاجرة الصريحة المكشوفة ،بعرض محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.ولله الأمر من قبل ومن بعد.