قلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
قررت منذ أيام التوجه لانواذيبو ولو لفترة قصيرة، لمعاينة تدشينات ذات بال في ضواحي نواذيبو والمدينة نواذيبو نفسها، حيث تروج الجهة الرسمية عادة، تحت مظلة النظام القائم ومن قبله، لجملة تدشينات قبيل ذكرى الاستقلال المجيد.
وقد اتسمت التدشينات هذه المرة في العاصمة الاقتصادية نواذيبو بطابع كهربائي ومائي بالدرجة الأولى، حيث حضر الرئيس محمد ولد عبد العزيز شخصيا رفقة وفد هام من حكومته لعاصمة داخلت نواذيبو، للإشراف على هذه التدشينات.
كان التدشين الأول عند الكلم50 من مدينة نواذيبو، عند الموقع المسمى "كريير"، أو "الركه" تقليديا، وهو المكان التابع إداريا لمركز بولنوار (80 كلم من مدينة نواذيبو).
وفي جو من الخطب المتبادلة ،بين عمدة بلنوارأحمد ولد بارى ووزيرالنفط و الطاقة والمعادن محمد ولد عبد الفتاح، دشن الرئيس المحطة الكهربائية الهوائية العملاقة، معلنا رسميا عن انطلاق أعمالها، وإن لم تخل أجواء التدشين من مطالب شعبية ملحة بالمدارس والمستشفيات، وبوجه خاص بالكادر الطبي.
حيث سمع الرئيس والوفد المرافق له ما يكفي من أصوات المواطنين في هذا الاتجاه، رغم نفاق زيدان وتذكيره لمدير ديوان الرئيس باقتراب العيد، وهو ما أحرج أحمد ولد باهية ودفعه للاحتماء أكثر بالجناب الرئاسي المحصن بالحراس، حتى لا تكون ضغوطات المهرج زيدان أكثر مما يحتمل.
جو اتسم بحضور المئات فقط من المواطنين ،أغلبهم من مركز بولنوار الإداري والزوار الأمنيين وإعلاميين قلة.
وفي المحصلة دشن ذلك المشروع الواعد، الذي ستشرف على تنفيذه شركتين من الهند واسبانيا، وبمبلغ 1.398.108.386 أوقية، وللتذكير صاحب العمل "الشركة الوطنية للكهرباء" ، على أن يستمر تنفيذ الأعمال 24 شهرا (سنتين)، والمشروع باسم "المحطة الهوائية 100 م و ببلنوار"، ويتوقع أن يستفيد من خدمات المشروع العاصمة الاقتصادية نواذيبو، والخط الرابط بين العاصمتين، وربما بنشاب لاحقا، ويبدو أن التمويل إلى جانب الدولة الموريتانية كان خليجيا ،عبر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية.
كما تم تدشين محطة لتحلية المياه بنواذيبو، يتوقع أن تخفف من وطأة استهلاك المياه الصالحة للشرب، لتعزز هذه المياه المحلاة المنتظرة أنشطة المنطقة الصناعية هناك (شركات الصيد وغيرها).
وقد مر الرئيس، ضمن تدشيناته هذه على مستشفى خيرية "اسنيم" الواعد، حسب زيارات المترددين.
وقد بدأ المواطنون يستفيدون من خدمات هذا المستشفى، الذي يتمتع بخدمات مثيرة للإعجاب ،حسب شهادات الكثيرين، ويعمل فيه طاقم طبي من الأطباء الأجانب، وفي تخصصات عدة.
وإذا وضعنا في الاعتبار نشاطات شركة "أم سى أم" بأكجوجت و"كينروس تازيات" بإنشيري أيضا، في ضواحي نواذيبو، إلى جانب التنقيب التقليدي عن الذهب ،الذي استفادت منه مقاطعة الشامي الناشئة، اجتماعيا واقتصاديا وجعل منها مدينة الذهب تقريبا، رغم المحاذير الصحية، هذا إلى جانب مشروع المنطقة الحرة بنواذيبو، مع ما تم من تدشينات مائية وكهربائية اليوم بنواذيبو، إبان ذكرى الاستقلال الـ 57، إلى جانب العلاقات المتوازنة مع المغاربة والصحراويين وفتح المعبر الحدودي مع الجزائر، كل هذا وغيره على مستوى منطقة الشمال الموريتاني عموما، وازويرات ونواذيبو بوجه خاص، إن توفر حسن التسيير والاستقرار السياسي، قد يفتح مجالا جديدا أوسع لتنمية البلد عموما والشمال الموريتاني بوجه أخص، لكن طبيعة الشعب الموريتاني الكسول وضعف الرقابة على تسيير الثروات العمومية، من مخاطر النهب الخارجي بوجه خاص، إلى جانب ضعف الإدارة وهيمنة العقلية الفردية النفعية على حساب الصالح العام، كل هذا قد يقف عائقا أمام تنمية الشمال والبلد بوجه أعم، إن لم يتعامل جذريا وجديا مع هذه المعوقات وغيرها.
ويبدو من خلال تجربة التنقيب عن الذهب بالأساليب الشعبية التقليدية، أن الظاهرة تحتاج إلى تأطير جاد استعجالي، من جهة لتعزيز المكاسب التشغيلية والاقتصادية في هذا الصدد، ومن وجه آخر لكبح جماح السلبيات في هذا المجال، وقد باتت على الصعيد الصحي على مستوى مقاطعة الشامي واضحة جلية، حيث أنها مع مرور الوقت ،أي الآثار الصحية لعملية الطحن والفصل بين المكونات الأخرى والذهب المحدود.
أجل، أصبحت مخاطر هذه العملية من الناحية الصحية، واضحة للعيان، خصوصا داخل مدينة الشامي وضواحيها، رغم الجوانب الاقتصادية الايجابية.
إن فرص الاستثمار والتنمية في الشمال الموريتاني متعددة الأوجه، لكن تلك الأنشطة الاستثمارية التنموية في الأغلب الأعم تتم على حساب البيئة والسكان، وقد لاحظنا إبان تدشين مشروع تحلية المياه في نواذيبو بحضور الرئيس ،احتجاج الكثيرين على طول الطريق المواجه لنقطة التدشين ،على تلويث البيئة والإضرار بالإنسان، وخصوصا ضد شركات الموكا، وهي كلمة روسية، تعني دقيق السمك.
حيث أضحت مدينة نواذيبو منذ سنوات تخضع لكثير من المخاطر الصحية والتلويث البيئي، بفعل النشاطات غير المنظمة لهذه الشركات في هذا الميدان المثير، وقد رفع العشرات من الشبان والشابات أمس، شعارات مثل "أوقفوا التلوث" و"أريد أن أتنفس"، وقد عمدت السلطات الرسمية على مستوى الصيد في نفس يوم زيارة الرئيس، الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 ،إلى إغلاق 17 شركة من شركات الموكا، بحجة عدم الالتزام بشروط العمل المطلوبة.
فهل الأمر مصاحب فقط لزيارة الرئيس، أم هو إجراء جاد ضد ظاهرة التلوث البيئي وخطره البين على السكان.
وأقول جملة دون تفصيل ،فرص الاستثمار والتنمية واعدة ومتعددة في الشمال الموريتاني في هذه الفترة بوجه خاص، لكن الإجراءات المصاحبة من جهة دعوة السكان للإقبال على الفرص، وضرورة تخفيف الإدارة من القيود البيروقراطية على المستثمرين المحليين بوجه خاص، وأهمية احتضان الاستثمارات الخارجية، دون أن تكون فرصة للنهب ،كما هو الحال اليوم في تجربة "هونت كونغ الصينية" و"كينروس تازيازت" ،على رأي البعض، مع أهمية الحفاظ على صحة الإنسان وتوازن البيئي.
فالأمر بالنسبة للتعدين مثلا والصيد في أغلب الوقت ،رغم نفع محدود لموريتانيا وبعض الموريتانيين، ومنذ أن حلت "ميفرما" بهذه الأرض وأولى شركات الصيد البحري على ترابنا الوطني.
أقول النفع في هذا المجال ظل في ملخصه وفي أغلب حالاته، لصالح الخارج وعلى حساب البيئة والثروة الوطنية، المستنزفة بامتياز من قبل المستثمرين الخارجيين وحكومات الأنظمة المتعاقبة.
فهل يتمكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه ،رغم التحديات والمصاعب المتنوعة والتركة الثقيلة ،من تجاوز هذا التحدي، وإتاحة الفرصة لموريتانيا والموريتانيين ،للاستفادة الحقيقية من فرصهم المختلفة المضيعة باستمرار، رغم الآلاف من التدشينات والخطب المعسولة، على مر الأيام والليالي، منذ استقلال البلاد 28 نوفمبر 1960 وإلى أيام ذكرى الاستقلال المجيد 57، دون أن يتغير في العمق سوى بعض أشخاص الواجهة لا كلهم، وتطور أساليب الدعاية المغرضة الملهية لهذا الشعب الضعيف، عن التوق الجاد للاستفادة العملية الملموسة من حقوق المواطنة وثروة الوطن المنهوبة، من قبل قلة حاكمة ورؤوس أموال غربية وافدة، لا تبقي ولا تذر، ولا تستحى من استخدام أي أسلوب للاستفادة، على حساب كل اعتبار صحي وبيئي، للأسف البالغ.
إن حكومة ولد عبد العزيز أمام اختبار حقيقي لوقف هذا المسار ولو جزئيا وفتح المجال بصورة متوازنة أمام المستثمر الخارجي والمحلي بالدرجة الأولى، دون أن يكون ذلك على حساب صحة المواطن وبيئة الوطن، حيث أن ما يجري من أعمال في تازيازت وأكجوجت ونواذيبو وغيرها ،محصلته بالدرجة الأولى النهب الخارجي وتحطيم البيئة وإذلال المواطن واستغلال عرقه بأقل وأتفه ثمن.