قراءة في الآثار الاقتصادية لتصفير العملة الذي أعلن عنه الرئيس الموريتاني

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أربعاء, 2017-11-29 11:59

الحسين ولد محنض (تدوينة)

هذه محاولة لتبسيط الفكرة للذين لم يفهموا بعد مغزى حذف أحد أصفار العملة الذي أعلن عنه الرئيس أمس: 

للتوضيح: هل تتذكرون أن قطعة الخبز كانت بعشر أواق مستهل الحكم العسكري، ثم لم تزل تزيد بفعل التضخم والتخفيضات المتتالية لقيمة العملة حتى صارت بمائة أوقية، هذه القطعة إذا ازدادت وتيرة التضخم والتخفيضات ستصبح بألف أوقية، والحل  هو حذف أحد أصفار العملة حتى تعود قطعة الخبز إلى عشر أواق من جديد لتواصل رحلة أخرى إلى نقطة المائة  بطريقة تخدع شعور المستهلك اتجاه التضخم..  

فالمسألة في ظاهرها مجرد عملية تصفير حسابية للسيطرة على حجم السيولة النقدية المتداولة لا يبدو معها أن المستهلك قد فقد أي شيء لأن قيمة المائة كانت بحوزته قد انتقلت إلى العشرة، وفِي واقعها طريقة معروفة للتعامل مع نفسية المستهلك والمستثمر إزاء التضخم وتدهور قيمة العملة فنقص قيمة مائة أوقية من عملتنا الحالية بستين في المائة له وقع أليم على نفوس المستثمرين والمستهلكين معا، لأن رقم التخفيض هنا كبير جدا، بينما يمكن القيام بنفس التخفيض بعد تصفير العملة في يناير القادم مثلا دون أن يكون له وقع نفسي مهم لأنه سيكون بمثابة تخفيض للعملة بنسبة ستة في المائة فقط، وهكذا.. 

وهذه طريقة معروفة اقتصاديا ومجرّبة  للسيطرة على التأثير المعنوي للتخضم الذي تعجز الدول عن السيطرة عليه، وليس لها أي تأثير مادي عليه، لأن التضخم  هو التضخم سواء بالأصفار أو بدونها، وإن كان الشعور به  يختلف لما للأرقام الكبيرة من تأثير في النفسيات..

ومع ذلك فالتصفير له انعكاساته الجانبية التي ترفع الأسعار لا محالة لكل الأشياء التي تجمع بين صفتين: وفرة الطلب والقرب من الرقم الحدي المدور للعملة..

مثلا قطعة الصابون التي كانت بثمانين أوقية من العملة الحالية ستصبح بثمان أواق من العملة المصفرة، ولأن ثمان أواق قريبة من الرقم الحدي الذي هو عشرة ستقفز إليه تلقائيا بمساعدة قوة الطلب الذي تحظى به مقابل العرض، ككل شيء مشابه كان بثمانين أو تسعين أو ثمانمائة أو تسعمائة أو ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو قريبا من ذلك أو من أرقام الفواصل التي يحتاج التاجر معها للصرف سينتقل فورا أو بعد حين إلى الرقم الحدي المدور القريب منه..

كما أننا عندما نقع في تضخم جديد في المستقبل سيكون من السهل على تلك العشرة القفز إلى خمس عشرة أوقية لأنه أصبح قريبا منها بسبب حذف الأصفار، وهكذا.. 

ومثل هذا التأثير لا يمكن تفاديه مهما كان لأنه بمثابة الأضرار الجانبية التي تكون للدواء  الضروري للتحكم في ما هو أهم وهو التأثير المعنوي للتضخم  المتزايد. لكن إذا كانت الدولة التي تلجأ إلى مثل هذا التصفير  ذات خطة اقتصادية ناجعة وقوية فإنها ستعوض تكاليف أضرار هذا الارتفاع في الأسعار بتحسين سريع في القدرة الشرائية للمواطن كما وقع في بعض الدول المتطورة اقتصاديا (تركيا مثلا)، وإلا فسيتحملها المستهلك وهو ما يعني أن وضع السكان الاقتصادي سيزداد سوءا (وهذا وارد جدا في حالة بلادنا) لأن حلقة المستثمر دائما ثابتة والتغير إما أن تتحمل الدولة  تكاليفه مباشرة أو بواسطة خطتها الاقتصادية أو يتحملها المستهلك.

وقد يكون هناك مغزى آخر لهذا التصفير هو اطلاع الحكومة على حقيقة الموجود من الكم النقدي المتداول، وعلى خريطة ملاكه على وجه الدقة، لتمكينها من رسم سياسة اقتصادية أو ضريبية مبنية على معلومات حقيقية، وهذا أمر كانت السلطات تسعى إليه دائما ولم يكن متاحا لها لأن النظام البنكي في بلدنا لا يستوعب كل السيولة النقدية.

وهناك فوائد أخرى تابعة لهذا التصفير كالسيطرة على المعروض النقدي، وخفض تكاليف إنتاجه، والتحكم في توزيعه مثلا.