أجريتُ في إطار مراجعة سنوية قمت بها في آخر يوم من أيام العام 2017 تقويما شاملا لمدونتي الشخصية وللمواضيع التي تناولتها في هذا العام، فوجدت بأن هناك موضوعا هاما له آثاره الاقتصادية والاجتماعية ويمس الكثير من الناس قد غاب بشكل كامل عن المدونة، فما كان مني إلا أن قررتُ أن استدرك الأمر، وأن أخصص آخر ساعات من العام 2017 لكتابة مقال عن هذا الموضوع.
سوق العقارات والكارثة القادمة!
تثير عمليات الشراء والبيع الواسعة التي شهدتها سوق العقارات في السنوات الأخيرة، والتي كانت تتم باسم الشيخ علي الرضا، تثير هذه العمليات الكثير من الأسئلة المقلقة، ومن المتوقع بأن هذه العمليات ستؤدي في المحصلة النهائية إلى كارثة، فليس من المعقول أن تظل جماعة ما تمارس تجارة بهذا الشكل الغريب وبهذه الخسائر الكبيرة ولا تحصل من بعد ذلك كارثة.
ليس من المنطقي أبدا أن تقبل جماعة ما بتكبد خسائر كبيرة في كل عملية شراء وبيع تقوم بها، وليس من المنطقي أن تستمر تلك الجماعة في مواصلة عمليات الشراء والبيع بتلك الطريقة المثيرة للاستغراب والريبة ولسنوات متتالية ولا تحصل كارثة، خاصة وبعد أن وصلت مديونيتها إلى عشرات المليارات حسب تقديرات البعض، وإلى مئات المليارات حسب تقديرات البعض الآخر.
إن هذا الأسلوب من التعاملات المثير للاستغراب يفرض علينا طرح سؤالين اثنين: أولهما لماذا لجأت أصلا هذه الجماعة لهذا الأسلوب من عمليات الشراء والبيع، والذي قد تصل فيه الخسائر إلى مئات الملايين من الأوقية في العملية الواحدة، هذا إذا كان سعر العقار الذي تم شراؤه وبيعه يصل إلى مئات الملايين أو يزيد؟ أما السؤال الثاني فهو لماذا تستمر الجماعة في هذا الأسلوب من التجارة الذي يكبدها خسائر كبيرة وربما يكون تراكمها قد أوصلها إلى مستويات أصبحت فوق طاقة الأفراد ولم يعد بالإمكان تسديدها إلا بتدخل الدولة؟
إن محاولة الإجابة على السؤال الأول تفرض علينا العودة إلى بيان كان قد أصدره الشيخ على الرضا في يوم 22 مايو 2017. يقول الشيخ على الرضا في هذا البيان بأن الحاجة والفرار من المعاملات الربوية البنكية والحذر من سؤال الناس أموالهم هو الذي حمله إلى هذا النوع من المعاملات.
يظهر من البيان بأن هناك حاجة ما دفعت الشيخ على الرضا إلى ممارسة هذا النوع من المعاملات، فما هي تلك الحاجة؟
إن المتتبع لما يحكيه الناس عن طبيعة نفقات الشيخ على الرضا سيلاحظ بأن تلك الحاجة لا تتعلق باحتياجات ضرورية عاجلة وأساسية ولابد من توفيرها بأي كلفة، وإنما يظهر من تلك النفقات التي يتحدث عنها الناس بأن الأمر يتعلق بعطايا سخية لأفراد قد لا يكونون من أحوج الناس. يتحدث البعض عن تأجير سيارات لفترات طويلة وتأجير منازل ونفقات مختلفة تشجع في مجملها على ثقافة الاستهلاك، وقد يستفيد منها في بعض الأحيان عدد من المشتغلين بالثقافة والشعر والصحافة وحتى التدوين.
لو كان هذا الإنفاق من أجل خلق مشاريع صغيرة مدرة للدخل لفقراء محتاجين، أو كان من أجل علاج مرضى فقراء، أو كان من أجل كفالة أيتام، أو كان إنفاقا على طلاب علم مغتربين لكان بالإمكان تفهم أن هناك حاجة ماسة فرضت على الشيخ على الرضا اللجوء إلى مثل هذه المعاملات المريبة، فلو أن ذلك الإنفاق قد جاء لتشجيع ثقافة العمل والإنتاج لكان الأمر متفهما، كأن يشتري الشيخ مثلا سيارة لفقير ما ويشترط عليه أن يجعلها سيارة أجرة لتوفر له مصدر رزق كريم، ولكن ما نسمع عنه هو أن الشيخ يؤجر سيارات لسنوات متتالية ويمنحها لأشخاص ليسوا في منتهى الحاجة، ومن المعلوم بأن مثل هذا النوع من الإنفاق عديم الفائدة، وهو يشجع في النهاية على الترويج لثقافة الاستهلاك الباذخ، تلك الثقافة التي لسنا بحاجة إلى ترويجها في هذه البلاد.
يذكر البيان بأن الهروب من المعاملات البنكية الربوية هو الذي جعل الشيخ على الرضا يلجأ لهذا الأسلوب من المعاملات. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ألا تدعي بعض البنوك بأن معاملتها إسلامية، فلماذا لا يلجأ إليها الشيخ أم أن معاملات هذه البنوك هي معاملات ربوية، والمعاملات الإسلامية ما هي إلا مجرد شعار ترفعه تلك البنوك لخداع الزبناء؟ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يبين الشيخ علي الرضا لعامة المسلمين ما تمارسه هذه البنوك من خداع فيبتعد عنها الناس حتى لا يقعوا ضحية معاملات ربوية.
حتى إذا ما تقبلنا بأن هناك حاجة ملحة ما أجبرت الشيخ علي الرضا على ممارسة هذا النوع من المعاملات الذي يتم بموجبه شراء عقارات وبيعها بشكل فوري بأقل من نصف سعرها في كثير من الأحيان، إذا ما تقبلنا ذلك، فلماذا لم يفكر الشيخ على الرضا في طريقة أخرى لتحصيل السيولة قد تكون أقل ضررا وأقل خسارة، بل إنها ستكون أكثر نفعا للناس والاقتصاد.
يلجأ كبار التجار الذين يستوردون المواد الغذائية الأساسية إلى بيعها بسعرها وبأجل إلى تجار نصف الجملة وتجار التقسيط. من هنا يظهر بأنه كان بإمكان الشيخ علي الرضا أن يشتري كميات كبيرة من الأرز والسكر والقمح وغير ذلك من المواد الاستهلاكية الضرورية بسعرها العادي أو بزيادة معقولة في السعر إلى أجل معلوم، ثم يقوم هو ببيع تلك المواد بتخفيض ليس بنصف سعرها، وإنما يكفي تخفيض سعرها بنسبة 10% عن سعرها في السوق ليتم بيعها في أقل من غمضة عين. إن إتباع مثل هذا الأسلوب لتحصيل السيولة، كان سيجنب الشيخ علي الرضا خسائر كبيرة بحجم تلك التي يتكبدها حاليا، وكان سيعود بالنفع على الاقتصاد وعلى المستهلكين، وخاصة الفقراء منهم، وذلك لأن ممارسة هذا الأسلوب في تحصيل السيولة كان سيوفر للمواطنين المواد الغذائية المستهلكة بأسعار مخفضة، وذلك على العكس مما يجري الآن حيث يتكبد الشيخ علي الرضا خسائر فادحة، ويسبب بمعاملاته العقارية ضررا كبيرا لقطاع هام وهو قطاع العقارات مما يعني أنه يتسبب في ضرر كبير للاقتصاد الوطني.
يحتج بعض المدافعين عن هذا الأسلوب المثير للريبة الذي تستخدمه جماعة الشيخ علي الرضا في تحصيل السيولة بالقول بأنه لا أحد من المتعاملين مع جماعة الشيخ على الرضا قد تقدم بشكوى مما يعني بأنه لا أحد قد تضرر. إن عدم تقديم شكوى لا يعني بأنه لا يوجد متضرر، فستبقى للشيخ مكانته عند الكثير من الناس، ولذلك فإن الضحايا قد يترددون كثيرا في تقديم شكاوي، ولكن من المؤكد بأنه عندما يتقدم أحد الضحايا بشكوى فسيتبعه الكثير من المتضررين.
لنفترض بأنه لا أحد حتى الآن قد تضرر من هذه المعاملات، ولكن دعونا نسأل ما هو الضمان الذي يملكه الشيخ على الرضا، والذي يمكن أن يلجأ إليه الدائنون إذا ما أعلنت الجماعة إفلاسها، أو إذا ما غيب الموت من يتحمل حسب الوثائق تلك الديون؟ إن جماعة الشيخ علي الرضا لا تمتلك مؤسسات أو شركات أو عقارات يمكن أن يلجأ إليها الدائنون في حالة الإعلان عن الإفلاس، أو في حالة الموت أطال الله عمر الجميع.
تلكم كانت مجرد فرضية تقول بأنه لا أحد قد تضرر، والحقيقة بأن هناك من تضرر، والدليل على ذلك ما جاء في بيان الشيخ على الرضا الذي تم نشره منذ ما يقترب من نصف عام، فقد جاء في هذا البيان: "وأعتذر لأصحاب الديون على ما كان من تقصير في حقهم وتأخير عن مدتهم فإن ذلك لم يكن عمدا ولا استخفافا بحقوقهم ولا إنكارا لديونهم".
وفي هذا البيان قال الشيخ علي الرضا بأنه عاكف في الوقت الراهن (مايو 2017) على ترتيب قضاء ديونه جميعا بالمال الحلال إن شاء الله تعالى، وهنا نكون قد وصلنا إلى السؤال الثاني الذي يقول: لماذا يستمر الشيخ على الرضا وجماعته في هذا النوع من المعاملات الذي يكبدهم خسائر كبيرة في كل عملية من تلك العمليات؟
إن هذا النوع من المعاملات الذي تعتمده جماعة الشيخ علي الرضا يصعب توقيفه، وذلك بسبب أن كل عملية قد تساهم في تسديد بعض الديون الآجلة، ولكنها في نفس الوقت تزيد من حجم الديون، وهكذا تستمر مثل هذه العمليات للتخفيف من حجم المشكلة بزيادتها تعقيدا، وسيظل الأمر يسير في هذا الاتجاه إلى أن يتوقف الناس عن التعامل مع الجماعة، أو تحصل الجماعة على أموال طائلة لتسديد هذه الديون التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وأسأل الله تعالى أن ييسر لها الحصول على تلك الأموال الطائلة لتسديد ديونها. إن مما يزيد الأمور تعقيدا هو أن السلطة الحالية تحب اكتناز الأموال وتكره الإنفاق كرها شديدا، ولن يكون متوقعا منها أن تسدد ديونا بحجم ديون الشيخ على الرضا، حتى وإن كانت تقدر هذا الشيخ وتحترمه كثيرا. فمهما كان مستوى التقدير والإجلال فإنه لا يعني بالنسبة للسلطة القائمة الاستعداد لتحمل ديون بهذا الحجم، وتبقى السلطة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في حصول هذه الكارثة، وذلك لأنها تركت الأمور تسير في هذا المنحى الذي سيؤدي حتما إلى حصول كارثة عاجلا أو آجلا.
كان على السلطة أن توقف هذه العمليات، وكان على الشيخ على الرضا أن يتجنب مثل هذه المعاملات التي كبدته خسائر كبيرة وأوقعته في فخ وفي ورطة كبيرة . ثم إن هذا الأسلوب من المعاملات المريبة لا يخدم العمل الدعوي الذي يقوم به الشيخ على الرضا، بل إنه يعطي صورة غير ناصعة عن العلماء وعن المشايخ، وهو الشيء الذي يستغله البعض في مواقع التواصل الاجتماعي ويستخدمه كحجة ضد العلماء والمشايخ والدعاة، وذلك مما يزيد من حجم الأضرار المترتبة على ممارسة هذا الأسلوب المريب من المعاملات التجارية.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل