«القدس العربي»: جدد إسلاميو موريتانيا المنضوون في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» (محسوب على الإخوان) أمس معارضتهم لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتمسكهم بالمرجعية الإسلامية وتركيزهم على تحرير القدس.
جاءت هذه المرتكزات في خطاب استلام للرئاسة ألقاه أمس محمد محمود ولد سيدي الرئيس الجديد المنتخب لحزب «تواصل» وحدد فيه الملامح السياسية المستقبلية لحزب التجمع الذي أنهى قبل أيام مؤتمره الثالث بنجاح كبير.
وأكد ولد سيدي «انشغال حزبه بوحدة الأمة والدفاع عن قضاياها»، معتبرا «أن استعادة الأمة لوحدتها مطلب أصيل من مطالب الحزب»، ومشددا تأكيد «دعم كل القضايا العادلة في العالم لأن ذلك من مقتضيات ومركزية العدل الذي هو منطلق أساسي من منطلقات الحزب».
وقال «نعتبر المساهمة في تحرير فلسطين من دنس الصهاينة الغاصبين من أهم أولوياتنا؛ فهي جزء لا يتجزأ من تشكيل وجدان كل مسلم وذاكرته الجمعية، وفي الوقت الذي نتحدث فيه تشهد أرجاء العالم الإلكتروني حملة تضامن واسعة مع القدس تحت وسم #القدس توحدنا# فلنشارك فيه جميعا ولنبارك به انطلاقتنا.»
وأوضح «أن الستارة أسدلت للتو على المؤتمر الوطني العادي الثالث للتجمع الوطني للإصلاح والتنمية المنظم تحت شعار» شركاء في تكريس التناوب» الذي مثل محطة بارزة وعلامة فارقة في مسيرة الحزب ومساره؛ سواء من حيث إنضاج الرؤى والبرامج أو تحقيق التداول والتناوب القيادي أو تعزيز البناء المؤسسي والتنظيمي، وهي أمور نعتقد في حزب «تواصل» أنها مرتكزات العمل الحزبي الجاد وعناصر القوة التي تضمن له النجاح والريادة».
«لقد كان من نتائج هذا المؤتمر، يضيف رئيس حزب «تواصل»، صدور ثلاث وثائق حاكمة تعكس تمسك الحزب بأهدافه وقيمه ومبادئه، وتُفصح عن منطلقات ومرتكزات رؤيته، وعن معالم سياساته العامة وأسس اختياراته السياسية؛ عضا بالنواجذ على المرجعية الإسلامية، وتجديد عهد بالانتماء الوطني، والخيار الديمقراطي، وإعلان عزم على تحقيق العدل والأخوة ومحاربة العبودية والعنصرية والطبقية».
وقال «إننا في تواصل وبعد وقفة تقويم وتمحيص لمسيرة الحزب خلال عشريته الأولى وسعيا إلى تحقيق المشروع الذي نريد لهذا البلد وأهله، نعلن توجهاتنا الكبرى وخياراتنا الأساسية في المرحلة المقبلة من خلال تعزيز المرجعية الإسلامية التي نعني بها التمسك بالإسلام بشموليته ووسطيته واعتداله مجسدا في مصادره الأساسية، دينا وهُوية ومرجعية، وضوحا في النَسب الفكري للحزب وتأكيد اختيار وطني ضَمَّنه الناس في الدستور وحماية لهذا الاختيار واستعدادا للدفاع عنه على مختلف الجبهات».
«ويترتب على ذلك، يضيف الدكتور سيدي، السعي عمليا، بعد أن تقرر ذلك دستوريا لجعل الإسلام بثوابته وأحكامه القاعدة المؤسسة للقوانين والحياة العامة، وترسيخ القيم والثقافة الإسلامية والتمكين للدعوة ومؤسساتها باعتبار ذلك صمام أمان المجتمع وضمان وحدته وتماسكه».
وتوقف رئيس حزب «تواصل» أمام تمسك الإسلاميين بتحقيق الديمقراطية، مؤكدا «أن حزبهم يعتبر الديمقراطية أفضل النظم البشرية المعاصرة وأن تحقيقها يتجسد في إنجاز إصلاح سياسي شامل ينتقل من ديمقراطية الشكل إلى ديمقراطية المضمون ويجعل الانتخابات تعبيرا حقيقيا عن المزاج الشعبي العام والإرادة الحرة للناخبين ويجعل الناس قادرين على التغيير من خلال صناديق الاقتراع وما يعنيه ذلك من دورية التناوب على السلطة والحكم، وحماية الحريات العامة والفردية وتكريس حرية الإعلام».
وأكد «أن حزب «تواصل» يسجل بكل أسف التراجع الخطير للحريات السياسية والإعلامية في البلد في الآونة الأخيرة»، مطالبا «بالإطلاق الفوري لجميع معتقلي الرأي والمتابعين وعلى رأسهم الشيخ محمد ولد غدة.»
وقال «نحن في حزب «تواصل» مُنشغلون هذه الأيام بأوضاع الناس الصعبة وظروفهم المعيشية التي زاد من حدتها تأثيرات الجفاف وارتفاع الأسعار، وهو ما يفرض على الحكومة وضع خطة تدخل سريع وناجع لإنقاذ الساكنة وحماية الثروة الحيوانية».
وأعلن رئيس حزب «تواصل» في خطابه السياسي «استمرار الحزب في الخط المعارض لسياسات النظام واعتماده أسلوب النضال السلمي الجاد والمسؤول الذي يعطي الأولوية في هذه المرحلة لتحقيق الديمقراطية وإقامة العدل وتعزيز اللحمة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب». واعتبر الدكتور محمد محمود سيدي «أن موريتانيا خصوصا بعد الاستفتاء الأحادي الذي رسَّخ الانقسام بين الطبقة السياسية وكرس الاستقطاب بين أطياف المجتمع، بحاجة اليوم إلى تغليب منطق التوافق وتجاوز أساليب الأحادية والإقصاء للخروج من هذه الأزمة وتفادي ما قد ينجر عنها من تداعيات «.
وكان المؤتمر الثالث لحزب التجمع قد انتخب أواخر الشهر الماضي، النائب البرلماني الدكتور محمد محمود ولد سيدي رئيسا للحزب خلفا لمحمد جميل منصور.
ويشغل ولد سيدي حاليا عضوية مجلس النواب، وسبق أن تولى منصب وزير التعليم العالي بين عامي 2007 و2009، وهو من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا.
يذكر أن حركة الإخوان المسلمين المؤسسة على فكر الداعية المصري سيد قطب، دخلت إلى موريتانيا منتصف سبعينيات القرن الماضي بأيدي طلاب درسوا في مصر وفي العربية السعودية والتزم تنظيم الإخوان في موريتانيا العمل السري منذ 1975 إلى 1991 حيث خرج نشطاؤه للعلن مع بدء دخول نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في تعددية سياسية وخروجه من النظام العسكري. وحاول الإخوان عام 1994، تأسيس حزب سياسي سموه ‘حزب الأمة’ غير أن نظام العقيد ولد الطايع وقف دون ذلك فاضطر الإخوان لممارسة العمل السياسي من داخل الأحزاب المعترف بها، ثم أسسوا عام 2001 مجموعة الإصلاحيين الوسطيين التي قدمت نفسها للرأي العام على أنها ‘مجموعة معتدلة في فكرها وسطية في رؤاها بعيدة عن العنف مؤمنة بالديمقراطية’، ولم يشفع كل ذلك لها.
وجددت الجماعة مساعي الحصول على الاعتراف بحزبها بعد سقوط نظام ولد الطايع في انقلاب عام 2005، غير أن المجلس العسكري الذي حكم بعده رفض ذلك. وحصلت الجماعة عام 2007 في ظل حكم الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله على الاعتراف السياسي بحزبها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية.
وحقق هذا الحزب قفزات سياسية نوعية في التمدد في الساحة الموريتانية كما أثبت ذلك مؤتمره الثاني المنعقد عام 2012 وكما أكدته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية التي نظمت أواخر السنة قبل الماضية.