موسى افال يكتب: الغاز: نعمة أم نقمة ؟

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أربعاء, 2018-01-24 10:18

حالة الاكتشافات

لقد تم، خلال السنوات القليلة الأخيرة، اكتشاف مقدرات كبيرة من المحروقات السائلة، وخاصة من الغاز، في الحوض الموريتاني-السنغالي.

وكانت هذه الاكتشافات قد تمت أساسا من طرف "كوسموس أنرجي" التي حالفها الحظ، وأبرمت شراكة فيما بعد مع عملاق النفط "بريتيش بتروليوم".

وكانت "كوسموس أنرجي" قد اكتشفت سنة 2015 حقلا هاما من الغاز في عرض السواحل الموريتانية. ويقع هذا الحقل، المسمى "مارسوين"، حصرا في المياه الإقليمية الموريتانية، ويقدر مخزونه ب 6,5 ترليون قدم مكعب (1 ترليون قدم مكعب يساوي 28 مليار متر مكعب أو ما يعادل حوالي 170 مليون برميل من النفط الخام).

كما كانت "كوسموس أنرجي" قد اكتشفت سنة 2016 حقلا آخر يحمل اسم "كمبل" يقع حصرا في الأراضي السنغالية يعادل تقريبا حقل "مارسوين" الواقع في موريتانيا، باحتياطي يقدر ب 6 إلى 7 ترليون قدم مكعب.

أما الحقل الثالث، وهو الأهم، فيقع على جانبي الحدود الموريتانية-السنغالية، ويحمل اسم "تورتي|آحميميم". هذا الحقل يعتبر اكتشافا عظيما باحتياطي يقدر ما بين 16 و25 ترليون قدم مكعب.

ومؤخرا، في مايو الماضي، اكتشفت "كوسموس أنرجي" حقلا جديدا في حفر "ياكار1" الذي يقع حصرا في الأراضي السنغالية باحتياطي هام يقدر ب 15 ترليون قدم مكعب.

ولا يزال التنقيب جاريا على الرغم من فشل الحفرين اللذين قامت بهما "كوسموس أنرجي" مؤخرا في موريتانيا. وبالتالي فإن هذه المقدرات قد تزداد مع تجدد حملات التنقيب. وفعلا، تتابع "كوسموس أنرجي" و"بريتيش بتروليوم" تنقيبهما، وهناك شركات جديدة تعمل في نفس المنطقة: "توتال" تعمل على القيام بحفرين جديدين أحدهما في موريتانيا ولآخر في السنغال، و"أكسون موبيل" حصلت مؤخرا على ثلاث مقاطع في الأراضي الموريتانية.

إن حصول كل هذه الاكتشافات في فترة وجيزة، أقل من ثلاث سنوات، في نفس المساحة الجغرافية ومن طرف نفس الشركات المتكتلة يجعل من حوض المياه الإقليمية الموريتانية-السنغالية منطقة غازية تحتل مكانة دولية عالية.

استراتيجيات لضمان أكبر استفادة من الانعكاسات الإيجابية للغار

لقد مكنت التجربة المحصلة في مجال استغلال الثروات البترولية والغازية من تصور استراتيجيات جديدة تمكن من الحصول على أكبر الفوائد بالنسبة لاقتصاديات الدول المنتجة.

إن بعض أنواع الموارد محدد بصورة واضحة في عقد تقاسم الإنتاج الموقع بين الدولة والشركات. ويتطلب الحصول على الفائدة القصوى من هذه الموارد متابعة ورقابة دائمتين لأسعار النفط مع الشركة المستغلة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد الميزانية من الضرائب على الأجور والرواتب ومن الضرائب على المقاولات المتعهدة. هذه الموارد المحصلة بموجب عقد تقاسم الإنتاج ليست آنية، بل تكون تصاعدية، تبدأ ضعيفة ثم تتصاعد مع تناقص التكاليف التي يجب استرجاعها من طرف الشركات.

بالإضافة إلى هذه الموارد التي يتم الحصول عليها بعد البدء في الإنتاج، فإن الرهان الحقيقي يكمن في العمل على الاستفادة القصوى من المرحلة التمهيدية للإنتاج من أجل دفع عجلة تنمية البلد. إن صناعة استخراج الغاز تتطلب إمدادات لوجستية ضخمة، كما تستدعي خدمات كثيرة ومتنوعة. فعلى الدولة، بالتعاون مع الشركات المستغلة، أن تشجع على بروز العديد من الشركات الوطنية التي تملك الخبرة اللازمة للاستجابة لهذا الطلب الجديد. كما على الدولة أن تنفذ سياسة استعجالية للتكوين من أجل تلبية حاجيات الشركات المستغلة والمقاولات المتعهدة من الموارد البشرية.

إن توفر الإمداد اللوجستي والخدمات والمهارات محليا، إضافة إلى انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد بصورة عامة، يمكن من خفض نفقات الشركات المستتغلة، وبالتالي يزيد من حصة الدولة في تقاسم الإنتاج.

إن الفوائد الكثيرة التي تجنى من الإعداد الجيد للمرحلة التمهيدية في مجال استخراج النفط والغاز لا تقل أهمية عن الفوائد التي تجنيها ميزانية الدولة بموجب عقد تقاسم الإنتاج. وبالتالي، فإن كل استراتيجية شاملة يجب أن تفعل هاتين الرافعتين من أجل جني أكبر الفوائد من هذه الثروة لصالح الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطنين.

ومن أجل ذلك، يجب أن يتواءم عقد تقاسم الإنتاج مع "استراتيجية للمحتوى المحلي" تشمل إجراءات مؤسسية وتشريعية وضريبية تمكن المقاولات المحلية من الاستجابة، إلى أقصى حد ممكن، لمتطلبات الشركات الدولية الكبرى بشكل يجعل خدماتها تلبي بصورة مرضية حاجيات هذه الأخيرة.

ومن جهة أخرى، يجب أن تمنح "استراتيجية المحتوى المحلي" مكانة خاصة للتكوين لتلبية الطلب على المهندسين والفنيين المتخصصين في الصناعات النفطية.

وعلى هذا الصعيد، ورغم التجربة المحصلة من استغلال حقل "شنقيط" والتي لم تترك أثرا يذكر، فإن موريتانيا لا تزال متأخرة بشكل ملحوظ بالنسبة للسنغال.

ففي السنغال تم استباق الأحداث بإنشاء لجنة للتوجيه الإستراتيجي في مجال النفط والغاز تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية الذي هو نفسه خبير في مجال النفط. وتتكلف هذه اللجنة بوضع وتنفيذ استراتيجية للمحتوى المحلي تضمن "بروز مقاولات صغيرة ومتوسطة متخصصة وخلق مناخ للأعمال يشجع الاستثمار الخاص في قطاعي الصناعة والخدمات".

وفي ميدان التكوين، اعتمد السنغال سياسة في مجال التعليم العالي خاصة بالدراسات المتخصصة في الصناعات النفطية، مع استحداثشهادات الماستر في التخصصات النفطية في الجامعات، وإنشاء المعهد العالي السنغالي للنفط.

تفادي النقمة

قبل اكتشاف حقل "ياكار" مؤخرا في السنغال، كانت استراتيجية تكتل الشركات تعطي الأولوية لاستغلال مخزون "تورتي|آحميميم" الواقع على جانبي الحدود الموريتانية-السنغالية. وكانت خطة تطوير هذا الحقل تتضمن توقيع اتفاقية بين الحكومتين الموريتانية والسنغالية، بعدها يأخذ تكتل الشركات قرارا نهائيا للاستثمار سنة 2018، لتبدأ أشغال بناء المنشآت. وانطلاقا من ذلك يبدأ تصدير الشحنات الأولى في نهاية 2021.

ولكن، هل سيتسبب اكتشاف حقل "ياكار" السنغالي في تغيير أولويات استغلال الحقول المكتشفة؟ هذا السؤال جدير بأن يطرح، لأن التقارب الجغرافي لهذه الحقول وامتلاكها من طرف نفس التكتل يمنح هذا الأخير القدرة على التحكم في الأولويات. ومن المعروف أن أولويات الشركات لا تتطابق دائما مع أولويات الدول.

من ناحية المردودية المالية الصرفة، فإن استغلال حقل "ياكار" في مرحلة أولى قد تكون أكثر فائدة. إنه حقل يتوفر على مقدرات كبيرة (15 ترليون قدم مكعب) في انتظار تأكيد هذا الاحتياطي من خلال عمليات تنقيبجديدة. إنه يقع حصرا في السنغال، وفي هذه الحالة يكون لتكتل الشركات شريك واحد، بينما يطرح استغلال الحقل الواقع على جانبي حدود بلدين مشاكل عديدة، خاصة إذا كانت العلاقات بين البلدين المعنيين ليست بالانسيابية المطلوبة.

إن إنتاج الغاز يتطلب قدرا كبيرا من الاستقرار والطمأنينة، لأن تسويقه يتم على أساس عقود ثابتة وطويلة المدى. إن تكاليف منشآت واستغلال حقل "ياكار" قد تكون أقل منها بالنسبة لحقل "تورتي|آحميميم"، لأنها يمكن أن تشيد في موقع على اليابسة يتم اختياره بحرية على الأراضي السنغالية، بينما يجب تشييد منشآت حقل "تورتي|آحميميم" على جانبي الحدود بين البلدين، على مسافة 8 كيلومترات في عرض البحر مع حاجز بطول 1,6 كيلومتر بكلفة 800 مليون دولار تقريبا. 

إن التباطؤ الملاحظ في احترام أجندة تطوير حقل "تورتي|آحميميم" يبعث على التخوف من أن تأخذ الأمور هذا المنحى. فحتى الآن لم توقع الاتفاقية بين موريتانيا والسنغال لتطوير هذا الحقل. والمفاوضات بشأن هذه الاتفاقية، التي ستحدد تقاسم الكميات التي سيتم إنتاجها بين البلدين، طال أمدها دون أن تثمر. من المسؤول ؟ وكما يعلم الجميع، فإن العلاقات الموريتانية-السنغالية بعيدة من أن تكون على ما يرام. ولكن هل يمكن ارتهان المصالح الجوهرية للبلدين لاعتبارات ثانوية؟ وعلى كل حال فإن استغلال الغاز يتطلب محيطا هادئا ومستقرا على المدى الطويل.

يكثر الحديث عن نقمة النفط. إن الثروة النفطية التي يحتويها الحوض الواقع في المياه الإقليمية الموريتانية السنغالية يجب أن تكون عاملا حاسما للتنمية الاقتصادية والوئام ورفاهية الشعبين، بدل أن تتحول إلى عامل شقاق وسببا لعدم الاستقرار والنزاعات بين البلدين وفي شبه المنطقة. وعليه، فإن المعايير الموضوعة لتحديد أولويات تطوير الحقل المشترك بين البلدين يجب أن لا تأخذ في الحسبان المردودية المالية فقط ولا الاعتبارات الوطنية الضيقة. بل يجب أن تأخذ في الحسبان الواقع الجيو-سياسي وتوازناته.

ولتفادي دوامة جديدة، يجب بالضرورة اعتماد وتطوير سياسة قوية جديدة للعلاقات والتعاون والتنسيق بين البلدين لتسيير المفاوضات مع الشركات الدولية واستغلال هذه الثروة الجديدة بروح من التفاهم والمسؤولية.

هل سيكون بإمكان موريتانيا والسنغال أن تنتهزا فرصة اكتشاف هذه الثروة الهائلة الواقعة على حدودهما لإقامة نمط العلاقات الذي تمليه أواصرهما التاريخية والمصالح الأساسية للشعبين والبلدين والدولتين؟ وهي العلاقات التي يجب أن لا تقتصر فقط على ميدان النفط.  فهناك مجالات عدة أخرى يمكن أن تعرف دفعا في إطار اندماج اقتصادي أكثر تطورا وعلاقات أكثر انسيابية. يجب رفع العراقيل الكثيرة التي تعوق تطور التبادلات بين البلدين، ومنها أولا بناء جسر روصو وتعبيد طريق نواكشوط-روصو.

إنه رهان صعب ولكن كسبه غير مستحيل. إن مثل هذا التفاهم سيجعل البلدين في موقف مريح للتفاوض والدفاع عن مصالحهما في وجه الشركات الدولية. وبذلك فقط ستكون ثروة الغاز المشتركة نعمة بالنسبة للشعبين.

علينا أن نفهم أن السياسات قصيرة النظر والنزاعات الذاتية والتنافر الشخصي، كلها عوامل قد تجر هذه المنطقة، الهشة أصلا، إلى عدم الاستقرار. ويعود الآن إلى المثقفين والمجتمع المدني والمسؤولين السياسيين في البلدين، على جميع المستويات، أن يوحدوا جهودهم حتى لا تحل بهذه المنطقة نقمة النفط التي ضربت مناطق أخرى من العالم، وحتى تدشن موريتانيا والسنغال عهدا من التعاون والتحالف طبقا لما تمليه طبيعة العلاقات البشرية وأواصر الدم والجوار التي تربط الشعبين.

موسى فال

رئيس الحركة من أجل التغيير الديمقراطي