بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
خلال السنة الحالية والقادمة ستعيش موريتانيا مرحلة شبه انتقالية، قد تحدث فيها تغييرات مثيرة للجدل.
حيث لم يحسم بعد موضوع بقاء الرئيس في دفة الحكم من عدمه، مما يحرك الكثير من نقاط التساؤل والاستفهام المشروع.
هل سيكتفي ولد عبد العزيز بما مضى من حكم وتحكم، أم بحجج ما، سيغير الدستور لصالح مأمورية ثالثة؟
ويبقى السؤال الأكثر إحراجا، في حالة إقدام السلطة الراهنة على تبني هذا التغيير الدستوري، هل ستبقى ردود الفعل المرتقبة في حيز المعقول أم ستخرج لا قدر الله عن نطاق السيطرة؟!
الرئاسيات القادمة وما قد يسبقها من تحولات دستورية وسياسية، قد يجر البلد إلى إجهاض جانب معتبر من الوثيقة الدستورية الراهنة، وبوجه خاص القفل الدستوي.
غير أن ربط مصير الوطن بهذا المتغير المرفوض، مرفوض هو الآخر.
فالاستقرار ورهان الاستقرار، فوق كل الاحتمالات السياسية، رغم خطورة وجسامة آثار الإقدام على مأمورية ثالثة.
ورغم أن ما جرى من حديث سياسي في هذا الصدد مجرد توقعات، إلا أنها حسب الطقس السياسي، توقعات تستحق النظر والبحث في الأوان الملائم، قبل انفجار أزمة سياسية غير مسبوقة.
وتبقى الساحة الموالية والمعارضة مشدودة الأنظار لما قد يحدث في أفق رئاسيات 2019، وسط إرباك، قد لا يجد المحلل السياسي أي صعوبة في الإحساس به.
كل هذه المعطيات تدعو الرشداء، إن وجدوا، إلى ضرورة الحوار والنزول لساحته، للتفاهم على خارطة طريق، تمنح الموالاة والمعارضة والبلد على وجه العموم، فرصة للسير إلى الأمام، بعيدا عن التوتر والتصعيد المخيف.
فالحوار ولو لم يؤدى إلى تفاهم تام، ربما يزيل الحواجز النفسية ويخفف التدابر وسوء التفاهم، وهو مذهب الحكمة والواقعية والحذر اللازم، وخصوصا في مثل هذه الظروف.
ولعل الإعلام بعد الحوار السياسي بين مختلف الفرقاء، سيكون من أكثر الوسائل أهمية في المرحلة القادمة.
وليعلم الإعلاميون أنهم مؤتمنون، ومن شهود الله في خلقه، فلا يفرطوا في الأمانة، وليحرصوا على الدعوة باستمرار للتمسك بعرى الاستقرار والحوار والتفاهم، عسى أن لا تزل قدم القاطرة الوطنية، في هذا الجو الخلافي المرتقب الحساس.
ومن الملاحظ أن ولد عبد العزيز، رغم ما يشاع من تغييرات حكومية مرجحة على رأي البعض، ومحل إشاعة منذ التعديل الدستوري، 05 أغسطس 2017، إلا أن الحال ظل تقريبا كما كان، دون إحداث ما يشاع، مما يشير إلى ضرورة التريث والحساب بدقة.
فهل الأمر راجع إلى هذا الاعتبار أم غيره؟!
ولاشك بوجه عام أن موريتانيا بعد تغيير العلم والنشيد والعملة وغموض معطيات المسرح السياسي 2019، قد تعيش منعطفا سياسيا في الأفق المرتقب، من أخطر المنعرجات والسيناريوهات المحتملة.
فهل تنتبه المعارضة إلى خطورة الوضع، فلا تبالغ في التصعيد غير المحسوب، وتنتبه في المقابل الجهة السلطوية المهيمنة، فلا تمنع الاحتجاج السلمي ولا تقدم على القمع، وتحسب خطواتها ولا تمتنع عن الحوار وملامسة القضايا الخلافية، عن طريق البحث والتمحيص.
وملخص القول، أن نتعظ بتجارب الغير في هذا المجال، فلا نحاول التغيير عن طريق العنف والإكراه، ولا ندخل استقرار الوطن ووجوده المصيري في مفردات المنازلة المرتقبة.
إن طبيعة البلد وبوجه خاص تنوعه العرقي، وطبيعة موقعه الإقليمي الحساس، تدعو بإلحاح إلى الحذر المضاعف من القلاقل، وضرورة الحرص على التماسك والحوار والوحدة الوطنية والحوزة الترابية، بعيدا عن النظرات الضيقة الأنانية، المنحازة لمطامع خاصة متجاوزة، بالمقارنة مع المنحنى الوطني الجامع الموحد.
ومن المؤسف أن يحشر المسرح السياسي الوطني في الأفق القادم، في خيار حرج بين قبول مأمورية ثالثة، ستفرغ الدستور من مكسب حجز الترشح المفتوح، ومن وجه آخر عنف الشارع المحتمل، من أجل منع هذا التعديل.
والأولى الحوار والتلاقي بين سائر الأطراف، لاحتواء خطورة وحساسية المرحلة القادمة، عبر رسم خارطة طريق جامعة، لتجاوز الانسداد والمخاوف غير المستبعدة.
فالخير كل الخير في الابتعاد عن العنف، والحرص على ثقافة الحوار والتعايش السلمي رغم الاختلاف.