اتجهت للانفراج النهائي أخيرا، أزمة العلاقات بين موريتانيا والسنغال التي سببها مقتل صياد سنغالي على يد خفر السواحل الموريتانية قبل أيام.
فقد أعلن الرئيس السنغالي مكي صال أمس عن زيارة سيقوم بها لنواكشوط بعد غد الخميس لبحث جميع الأمور وحل جميع المشكلات مع نظيره الموريتاني.
وجاء الإعلان عن هذه الزيارة سابقا في كلمة وجهها الرئيس السنغالي خلال زيارة رافقه فيها الرئيس الفرنسي، لحي الصيادين التقليديين في مدينة سنلويس السنغالية الذي ينتمي إليه الصياد القتيل.
وبدأ هذا الانفراج بإيفاد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قبل يومين لوزير النفط والطاقة والمعادن لتسليم رسالة للرئيس السنغالي تتضمن دعوة لزيارة موريتانيا واستعدادا لحل جميع المعضلات التي تعانيها العلاقات الموريتانية السنغالية المتوترة منذ فترة.
وظهرت بعد الرسالة التي تسلمها الرئيس السنغالي بارتياح كبير، علامات الانفراج حيث استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الشيخ أحمد التجاني به أحد زعماء الطريقة التجانية في السنغال، كما أطلقت السلطات الأمنية الموريتانية سراح الصيادين السنغاليين الثمانية الذين كانوا يستقلون مع الصياد المقتول الزورق المخالف الذي سبب الأزمة. وكانت الحكومة السنغالية قد استاءت تحت الضغط الشعبي من مقتل الصياد السنغالي ووصل الأمر بوزير الداخلية السنغالي عالي اغوين انجاي للإعلان عن توجيه زورق حربي للحدود مع موريتانيا وفقا لما نشره موقع «فوكس بوبولي» الإخباري السنغالي.
لكن وزير الداخلية السنغالي أكد «أن وجود الزورق الحربي لا يستهدف مواجهة مع جار السنغال في الشمال وإنما لمنع الصيادين السنغاليين من تجاوز الحدود للاصطياد في المياه الموريتانية المحروسة بقوة تفاديا لتكرار الأحداث الماضية.
وأضاف الوزير «إن حكومتنا مصرة على حل هذا المشكل برغم صعوبة حراسة المنطقة المشتركة البحرية وضبطها». وتحدثت صحيفة «لسولي» الحكومية عن اتجاه الأزمة بين موريتانيا والسنغال نحو الحل، أخبرت عن زيارة المبعوث الموريتاني الخاص لداكار حاملا اعتذار موريتانيا الرسمي عن مقتل الصياد السنغالي.
وسيكون على الرئيس السنغالي خلال زيارته المرتقبة لنواكشوط أن يبذل جهودا استثنائية لإقناع الرئيس الموريتاني بحل مشكلة الترخيص للصيادين التقليديين السنغاليين الذين يشكلون قوة انتخابية هامة سيحتاج لها الرئيس صال في انتخابات 2019 التي سيترشح فيها لولاية رئاسية ثانية.
ومنذ أن طورت موريتانيا آليات رقابة سواحلها، أصبح اصطياد البحارة السنغاليين في مياهها الإقليمية الغنية بالأسماك، أمرا مكشوفا لا يمكن التستر عليه.
وأكدت السلطات الموريتانية مرات عدة أن على حكومة داكار أن تلزم صياديها باحترام أنظمة الصيد في مياهها الإقليمية.
ولم تجدد الحكومة الموريتانية السنة قبل الماضية رخصها للصيادين السنغاليين بسبب تطبيقها لسياسة جديدة للصيد تشتمل على إجراءات كثيرة.
وعبرت حكومة داكار مرارا عن «انزعاجها من الإجراءات التي يتضمنها قانون الصيد الذي أقرته الحكومة الموريتانية مؤخراً والذي يلزم جميع من يمارس الصيد في المياه الموريتانية بتفريغ المصطادات على الأرض الموريتانية للتحقق من نوعها وكمها».
ودعا وزير الصيد السنغالي في تصريحات أخيرة له «الحكومة الموريتانية لفتح الباب أمام المفاوضات الخاصة بتجديد اتفاقية الصيد المبرمة بين البلدين تقديراً للروابط التاريخية والجغرافية القائمة بينهما».
وقال «من الصعب على صيادينا التقليديين تنفيذ الشروط الجديدة لقانون الصيد الموريتاني الذي يلزمهم بأن يفرغوا مصطاداتهم على الأرض الموريتانية ثم إعادة شحنها من جديد»، مضيفاً قوله «هذا ما يعرقل حتى الآن توقيع اتفاقية جديدة للصيد بين حكومتينا»، حسب قوله. وأعرب الوزير عن «أسفه لعدم تجديد الاتفاقية ولعرقلة نشاط صيادي سنلويس التقليديين في المياه الموريتانية، مضيفا قوله «نحن ندرك أن موريتانيا بلد له سيادة، إلا أننا نذكر سلطاتها بأن المعاهدات الدولية الخاصة بقانون البحار مقدمة على قوانين الصيد الوطنية».
ويقدر إنتاج الصياديين السنغاليين الذين يبحرون كل يوم بآلاف الزوارق من شاطئ لانغ برباري السنغالي بما يزيد على 30 ألف طن من الأسماك كل عام.
ويشكل صيادو سنلوي الذين يسمون محليا بتجمع «غت اندر» بعددهم الكبير وباعتماد آلاف الأسر على مصايدهم، مجموعة ضغط سياسية واقتصادية كبيرة على حكومة داكار، كما أنهم يشكلون ورقة ضغط هامة معاكسة بيد حكومة نواكشوط أيضا.
وظل الصيادون التقليديون السنغاليون على مدى قرون مضت يصيدون بحرية في المياه الدولية بدون رقيب، قبل أن تلزمهم الحكومة الموريتانية ضمن تشريعات حماية الثروة البحرية، باحترام مياهها الإقليمية.
ومقابل رخص الصيد الموريتانية التي يعتمد عليها صيادو السنغال، يحتاج المنمون الموريتانيون للمراعي السنغالية للإبقاء على حياة مواشيهم التي لا تجد في موريتانيا البلد الصحراوي القاحل، ما يكفيها من أعشاب وتعليف. وتواجه المواشي الموريتانية حاليا صعوبات كبيرة بالنظر لنقص الأمطار الحاد في الموسم الماضي، وهو أمر يهدد حياة سكان الداخل الموريتاني الذين يعتمدون اعتمادا كليا على الماشية.
كل هذا التداخل في المصالح يجعل المراقبين يتوقعون تجاوز حكومتي داكار ونواكشوط للحساسيات الصغيرة وتوجههما نحو المزيد من التكامل والتفاعل.
ومهما بلغت مظاهر التوتر الملاحظة منذ فترة في العلاقات بين نواكشوط وداكار، فإن الجوار مضافا للمصالح المشتركة يفرض على الرئيسين التفاهم المستمر والابتعاد عن الوترات.
ومن أبرز ما هو منتظر في هذا الشأن التحضير قبل سنة 2020 للبدء باستغلال مشترك لحقل الغاز الضخم المكتشف على الحدود الموريتانية السنغالية، وهو الملف الذي ينتظر أن يتناوله الرئيسان خلال زيارة الرئيس السنغالي المرتقبة لنواكشوط.
القدس العربي