تسيدى محمد ولد معي (تدوينة)
كان من التقاليد الجميلة في الجمهورية الأولى أن ينظم حفل اختتام السنة الدراسية في الثانوية الوطنية وأن يحضره رئيس الجمهورية رفقة الوزراء وأعضاء السلك الدوبلوماسي ,وكان من التقاليد الفرنسية المعمول بها في تلك الفترة ان يلقي كلمة الافتتاح أحدث الأساتذة سنا واكتتابا... فكان الفائز في هذه المعايير الوزير الأسبق و المرجعية المؤسسة والدنا المبجل الأستاذ محمذن ولد باباه مد الله في عمره فماذا حدث بالضبط في هذا اليوم المشهود من سنة 1964 ؟
بعد مفاوضات شاقة مع جهات علياء في الدولة ، اصر الاستاذ محمذن ولد باباه على إلقاء أول خطاب رسمي بلسان عربي مبين في ظل دولة الإستقلال الوليدة ، وذلك بحضور المرحوم الرئيس المختار واعضاء الحكومة والسلك الدوبلوماسي ، ولم يخف السفير الفرنسي عميد السلك الدوبلوماسي صاحب السعادة "دنيو"،امتعاضه من الخطاب فبعيد انتهاء الحفل انفرد بالمرحوم الرئيس المختار ولد دداه نجيا وقال له بصريح العبارة هذا الشاب خطير على امن البلد وعليكم ان تعتقلوه فورا !!! فهل تعلمون كيف كان رد الرئيس المختار ولد داداه ؟
"كلما قاله هذا الشاب هو الذي يجول في خواطر الموريتانيين جميعا والفرق بسيط وهو ان هذا الشاب عبر عنهم جميعا وبصوت عال وبشجاعة منقطعة النظير"،وبعد هذا الجواب خرج السفير الفرنسي من عند المختار مغاضبا ولم يعقب بكلمة واحدة....
كما ان المرحوم الرئيس المختار ولد داداه أسر هذا الحديث في نفسه ولم يبده لأحد إلا بعد عشر سنوات فاثناء نقاش مع وزيره للتعليم انذاك محمذن ولد باباه وبعد اشرافه على اصلاح 73 ،اراد المختار ان يعينه على رأس وزارة اخرى وناقشا باسهاب ماتم من إصلاح في التعليم ،ثم نبه الرئيس المختار على أن الجو السياسي و الاصلاحي في البلاد يقتضي تعيينه في وزارة اخرى ،اثناء هذا النقاش كشف الرئيس المختار لوزيره فحوى حديثه مع السفير الفرنسي سنة ..1964...
** فحوى الخطاب التأسيسي للتعريب...الزمان 1964...المكان الثانوية الوطنية...
تحدث ولد باباه في مستهل خطابه الترحيبي بمناسبة حفل اختتام السنة الدراسية لسنة 1964 في الثانوية الوطنية عن الهوية الحضارية للبلاد واسهامات الموريتانيين عبر التاريخ في الحضارة العربية والاسلامية وافاض في الحديث عن الدولة المرابطية وعن محاولات التدول والتجارب التي تلتها،كما تحدث عن علماء البلاد ودورهم واسهاماتهم العلمية وخلص إلى القول إن شعبا مثل هذه هذا الشعب يستحق ان يتكلم بلغته الأم ودعا إلى ترسيمها في التعليم وفي الإدارة وخلص إلى أن الاستقلال لن يتم ما دامت لغة التعليم والادارة لغة أجنبية. ..
**تداعيات الخطاب...
في نفس المساء حل الملحق الثقافي بالسفارة الفرنسية ضيفا ثقيلا على منزل ولد باباه وطلب منه لقاء انفراديا استمر من المساء وحتى الساعة الرابعة صباحا ومن ضمن المقدمة التمهيدية التي استهل بها الملحق الثقافي كلمته استغراب الدولة الفرنسية من دواعي هذا الخطاب وهذه الدعوة للتعريب وقال كيف يمكن لخريج الصربون ان يقول مثل هذا الكلام؟
و احتدم النقاش بين الرجلين ساعات طويلة إلى أن خرج هذا الملحق فجرا من منزل ولد باباه مقتنعا أن الرجل على بينة من أمره. ..
*** بداية الشيطنة والتجييش...
في نفس الليالي رصد الأمن الموريتاني اجتماعات بالسفارة الفرنسية ضمت عناصر من الموقعين على بيان 19 المشهور مع طاقم السفارة الفرنسية بما فيهم السفير الذي كان البعض آنذاك يصفه بالحاكم الفعلي للدولة ،وبعد هذه الاجتماعات ظهرت اول كتابة على الجدران في تاريخ الدولة الموريتانية وذلك بداية سنة 1965.
**الحلقة القادمة /من إرهاصات التعريب إلى إصلاح 1973