ماذا ينشد أهل الواحات من وراء المهرجان، لا شيء على الأرجح على رأي الأكثرية، فمثل هذا المهرجان الفلكوري الدعائي المسيس، الكثير المصاريف والضيوف، نظم في تجكجة دون جدوى، سوى شريط مسجل، من المديح أحيانا في إحدى مسائيات المهرجان، بقي للإعلام الرسمي أساسا، وربما بعض القنوات الخاصة، لإلهاء المشاهد في حالة الفراغ، والخلو من المواد الثقافية والسياسية الدسمة،
فيلجأ للترويح وتهدئة الأعصاب وإلهائها فعلا عن معاناة المسلمين في الداخل والخارج، سبحان الله!. لأن الدراسات العلمية والمخبرية أولى الاشتغال بها، ولتكن عن أهم الأمراض والأدواء، التي يعاني منها نخيلنا المتعثر، المهدد بالزوال، بغض النظر عن مشاكل الري وندرة المياه، في أغلب مناطقه، ولعل آدرار يؤوي أكثر من 50% من واحات موريتانيا كلها، ومع ذلك لا يحظى بالاهتمام نصف الكافي على الأقل، سوى ما يتردد عن بعض الدعم للروابط التشاركية الواحاتية، التي يسودها "التبتيب" وانتهاز الفرص الحزبية وضغط وخصوصية النفوذ، التي تمنح بعض من لا يستحق غالبا، على حساب من يستحق، ثم يأتي الفلكلور، بصحبة التسيس القاتل للمشاريع التنموية، لأنه يفقد الورشات الكبرى، الهامة فعلا، عنصر النجاح الأول، أي الإخلاص لله وحده، وليس ابتغاء مشروع شخصي أو منفعة ضيقة، مقابل تجمهر دعائي زمانا ومكانا مؤقتين للوصول إلى مآرب معروفة، ولو كانت غير معلنة، ولكنها طبعا على حساب الهدف الرئيس المعلن، الذي هو الآن خدمة الواحة والنخلة الأم، المعقوقة المهجورة، على أقبح الأوجه، إلا وقت الكيطنة، والتسيس العابر الضار الانتقائي.
إنني أرجو المعنيين بالإشراف على المحفل المثير، مهرجان الكيطنة بأطار أيام:9،8،7 أغشت (النسخة الخامسة من مهرجانات الكيطنة)، أجل أدعوهم إلى مراجعة مقاصدهم، وابتغاء وجه الله من خلال خدمة نخيلهم، أولا مما سوى ذلك من الأغراض الضيقة، المهمة والمشروعة، ربما، لكنها ليست أهم من الهدف المعلن، أي خدمة الواحات المهملة، منذ أمد بعيد....
إن هذه النخلة تحتاج إلى إخلاص وجهد متواصل، وأما الأموال الطائلة، فقد لا تجدي إلا التنافس على حطام الدنيا، والتغافل أو الغفلة عن قصد، عن المقصد الحقيقي المنشود، عند المخلصين، وهم من بين الناس جميعا ولا مانع، إن كانوا من بين المشرفين أنفسهم، على هذه الطبخة المسيسة العابرة.
لقد أنفق الممولون المستقلون الكثير من أموالهم، الصعبة التحصيل، خصوصا في هذه الفترة العزيزية المجدبة، وقد سمعنا عن 75 مليون أوقية، دفع أغلبها على الترتيب: محمد ولد نويكظ واشريف ولد عبد الله وغيرهما من رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات، الذين انبثق الكثير منهم لله الحمد من مدينة أطار بوجه خاص، ولا نعرف حتى الآن البلدية، المشرف الرسمي مجرد واجهة على المهرجان المثير المذكور، محل التجاذب والبحث والجدل الحتمي، بما ساهمت من خلال دعم الدولة، إلا أنني أعرف مدى تصاعد مديونية بلدية أطار، خصوصا جراء التسيير الصعب، وقت هذا العمدة الحالي، وتركة ورثها ربما عن غيره من العمد السابقين، فبطاقات الاقتراع إبان الانتخابات البرلمانية والبلدية المنصرمة، التي شاركت فيه، كانت تعد على ضوء مولد كهربائي، والماء لا يجلب إلى مقر البلدية في أطار، إلا عن طريق صهريج، باختصار، لأن البلدية مدينة بالملايين لدى شركة الكهرباء وكذلك شركة الماء الوطنية، ولذلك غرم -من قبل السلطة- أوان حملة البرلمانيات والبلديات المنصرمة المرشحون، عن كل واحد منهم ينظم مهرجانا عند المنصة التابعة للبلدية "ببيروه" وسط المدينة، بعشرين ألف أوقية، على ظهر كل مرشح كما قلت ينظم مهرجانا دعائيا، عند المنصة المشار إليها، وقد أمر الحاكم بالتقيد بتلك الغرامة إبان الحملة، لضخ المال المشبوه في يد "مولاي" الأديب الغامض، رئيس مركز "صوملك"، لكنني شخصيا رفضت تلك المهانة، ودفع الوالي نقدا، حتى لا تتوقف الغرامة على بقية المرشحين المساكين المستسلمين خوفا وطمعا للغرامة المكشوفة، وربما المتقاسمة بين من يجبيها ومن أمر بدفعها، ظلما وعدوانا، بحجة تسديد بعض ديون البلدية المسكينة.
إذن، باختصار، لا يروج في الساحة إلا الإسهامات السخية للقطاع الخاص، التي ستصل إلى 300 مليون على الأقل، مع نهاية المهرجان، ما بين المدفوع للجنة المعنية، المشرفة على مهرجان الكيطنة2014 أطار، وما لا يوثق، ويصرفه الرجال الأطاريون من جيوبهم، سترة في ضيوفهم، وابتغاء لخدمة الواحة والسياسة، ضمن خليط غير مأمون فوضوي، هم مرغمون عليه أحيانا، للأسف البالغ.
المهم، نناشد القائمين على المهرجان المطالبة بإنشاء صندوق تمويلي للنخيل والواحات، يشارك فيه القطاع العمومي والخصوصي مع استجلاب التمويلات الدولية العربية والغربية على السواء، باسم ما، فلا اختلاف حول الأسماء والأشكال، وإنما الأهم المضمون المخلص، الخالص لوجه الله تعالى، المبتغى به خدمة النخلة، التي هي أبرك شجرة، وأكثرها نفعا، وشبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمؤمن، كما سلف شرحا وتبيينا في المقال السابق.
ونجدد الدعوة، لتقديم النصح والدعم المعنوي والمادي اللازم، لهذه الشجرة المباركة النخلة، فقلد باتت في خطر متزايد، مع قلة الاهتمام بعلاج أدوائها، المتنوعة الفتاكة، التي أتت على كثير من واحات العالم، وخصوصا في الجزائر والمغرب
وموريتانيا، بالنسبة لمنطقتنا المغاربية على الأقل، مع قلة الأمطار، في منطقة آدرار التي هي أهم معقل للواحات في البلد، بنسبة كما قلت آنفا تزيد على 50%، من مجمل واحاتنا الوطنية، ومن أول هذا النصح والدعم المطلوب، دراسة حالة الواحات، بروح علمية محايدة جادة، بعيدا عن الأسلوب الاستهلاكي المؤقت العابر، الذي قضى على دور المطالعة ومقراتها، بحجة أنها اهتمام معاوية ونظامه فحسب، وكأن الأمور العامة، لابد من خنقها والتلاعب بها على هذا المنحى العبثي، على أذواق وأهواء الأنظمة المتعاقبة، على حساب المصالح الثابتة للشعوب والأمم.
إنني أخاف من حظر مجرد ذكر النخيل، عند زوال الحكم الراهن، والبقاء لله وحده، بحجة أن هذا يحسب لعزيز وجماعته ومصفقيه، ولا يجوز الخوض في موضوع النخيل، عند تبدل الحالة السياسية، على شاكلة هجر "لكتاب" "إل ذاك يوحل فاكتاب"، لأن معاوية حفظه الله وأرشده إلى الصواب، ذهب إلى الدوحة مخلوعا مغدورا، مثل ما يفعلون جميعا معشر الانقلابيين بعضهم ببعض.
النخلة الجميلة، القصيرة والطويلة أو المتوسطة، حكمة وتوازنا وجمالا مثيرا فعلا، أصبري، فقد صبرت أكثر من هذا، القرون تلو القرون، إن معشر المنظمين للمهرجان الدعائي، المحدود الأهمية والجدية ربما على رأي البعض، مجرد بعض من أبناءك، كانوا يلعبون يوما صبيانا، تحت ظلك الوارف الأخاذ المداوي، ويأكلون من "عرشك" الفاتن الحامل للرطب،بمختلف ألوانه وأنواعه، وربما "مرون" بعضهم، ولا أظن هذا المهرجان إلا "اتمروين"، وهو لمن لا يعرفه، وليس طبعا ولد جيلي النائب الأول للعمدة ولا ولد اهميمد، فهم من كبار الممرونين.
أقول "اتمروين" البحث عن بقايا التمر، وحتى بعد قطع "أعراش" النخلة زمن ولادتها، أي الكيطنة، فيكون هذا البحث في قلب "النخلة". وللتاريخ كان جده لأم يوما "يمرون" رحمه الله، أحد العمدتين، ولن أميز الموضوع إثارة قصيرة، فقال له الطالب عبدي الذي سقطت على رأسه تمرة يابسة جدا، كادت أن تدمغه اللهم: "اغن غلان"، فأصبح لهم كل هذا المال، الذي ينفقون منه، سحا سخاء دون تعب، -لكثرته ما شاء الله- وسخائهم، كل ذلك ما شاء الله –ربما- بسبب "تمروين" في زمن الشدة، رحم الله الجميع. واليوم في زمن الشدة، أيام رئيسهم "يمرونون"، فقد زادت ديون بلديتهم وقل زادهم، خصوصا بعد تناقص النشاط السياحي إلى حد الصفر تقريبا، بسبب دعاوى أمنية وحجج حقيقية ومفبركة أحيانا، لإدامة حصار أطار معاوية ورجال الأعمال الأطاريين، الذين ينتمي أغلبهم للأسرة الشريفة المستهدفة باستمرار.
واليوم لا تريد هذه الأسرة المشار إليها المشاريع، وإنما تريد العافية من الله، ومن صهر أدمن على القبلية وضيق الصدر والحقد الدفين، الذي لا علاج له إلا الدعاء وحماية الرحمان من تحامل الظالمين على المظلومين.
لقد كنت أكثر استفادة من الجميع من معاوية حفظه الله، ووقاه شر كيدك وكيد خصومه أجمعين، وما ذلك على الله بعزيز يا عزيز.
إن المشرفين "الممرونين" يريدون العافية بالنسبة للعقلاء الحاذقين منهم، وأما من طمع للنخيل نفعا من هذا المهرجان، فأرجوه أن لا يبالغ في التفاؤل، فلا نفع من المهرجان فوق نفع "تمروين" وقد يكون مباركا أحيانا، ولو لم يكن المهرجان المذكور، تحت الرعاية السامية لـفخامة الانقلابي، لما موله رجال الأعمال، لان النخيل كان قبله، فلماذا تحروا حتى يؤمروا رسميا.
فهل يجوز القول، أنهم صدقوا النية وجادوا بالعطاء، فلا يمكن التخلص، من تهمة تسييس الكيطنة ونخيلها الميمون المعتل، المحتاج بإلحاح إلى أي جهد، ولو كان مسيسا، رغم أنه سيكون قطعا أقل نفعا من جهد خالص لله ولخدمة الشجرة المشبهة بالمؤمن، من قبل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، لكن الضرورة تبيح الممتنع أحيانا، بشرط العفة والحذر من النفاق، وللذين تعودوا النفاق، والعياذ بالله، أقول لهم، أحذروا على عقائدكم، حتى لا يجركم التزلف الزائد إلى ما لا تحمد عقباه، والأجدى التركيز على المشترك بيننا المؤقت، مهرجان الكيطنة، من أجل خدمة النخلة، شبيه المؤمن، وليس خدمة أخلاقيات الكذب و"اترواغ" عن الصحافة الجادة لصالح صحافة الدعاية المباشرة، المعكوسة المردودية، ولتعلموا معشر التجار، أن أطار ليس ساحة للعبث من أجل مصالحكم الضيقة، وإنما هو مدينة تحتوى نخلا كثيرا مهملا مريضا، أصبح قليل النفع، خصوصا في الباطن، ما جاور أطار من الواحات، وتحتوي هذه المدينة كذلك عباد الله الفقراء المهملين، المحاصرين، تقريبا مثل بعض الغزاويين في بعض أوجه المعاناة، رغم فارق الحال طبعا، فالنظام الحالي، رغم مقيل عزيز بدار اشريف ولد عبد الله في حملته الرئاسية، يعتبر أطار "تكريت" وفلوجته على غرار نظرة المالكي أو الهالكي على الأصح، ولكن أطار في الحقيقة مدينة أصهارك، والأصهار ولو عارضوا سرا وأيدوا علنا تحت ضغط ازدواجية المعايير والقبلية والبعد عن مفهوم الدولة، المستشري صراحة –أي هذا البعد-، منذ قيام الدولة وإلى اليوم، حيث اشتد العوار والانحراف النظري والعملي، في الرؤية والتنفيذ، فما عاد للبعض من سبيل إلا إعلان التأييد، مراوغة، بحجة أنهم مقتنعون، وفي الحقيقة خائفون على مصالحهم، المشروع لهم حمايتها، والرأس مال -كما يقال- جبان، ولو كنت مكانهم لخرجت مهاجرا بمالي أو نفسي على الأقل، ولا أظن النخيل سيستفيد الشيء الكثير، ولو استفاد نزلا قليلا من هذا المهرجان، لأنه ربما مثل الحوت، يكره الصوت والضجيج، فهذا المهرجان الدعائي، الفقير ربما في ركن الإخلاص بعث من التساؤل والجدل المشروع الموضوعي الكثير، فما أصبح ممكنا جني ثمر من جو موبوء، وقد قال لي أحد رجال الأعمال المجربين في قطاع الصيد، أن الحوت يهرب من مكان فيه صوت مزعج، وكذلك ربما المطر النافع والثمر المجدي، لأن العافية "بكم" كما يقال في المثل الحساني، والبركة تحتاج إلى التقوى، ومن أهم أركانه الإخلاص.
فلا مطر نافعا، وهو سبب التنمية للنخيل وغيره، إلا مع التقوى، المفضي للبركة المنشودة عند الجميع، "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".
نخيلكم هو عنوان مجدكم ونفعكم الدنيوي والأخروي، فلا تربطوه بموسم تزلف عابر، واستغلوا الدعم والاهتمام الرسمي دون إفراط أو تفريط.
ولا تنسوا فقراء أطار، ولتشتروا من ثماره، بنية الهدية، فلا بأس لمن أراد شراء تمر الجزائر أو تونس عند المناسبات لنظافته، أو بحجة أخرى، لكن إهمال الإنتاج المحلي، من التعبئة والتسويق، بمختلف الأساليب العلمية والعملية المشروعة المطلوبة بالحاح، يعوق حركة سوق الواحات، وهو أكثر ما تعانيه المنتجات المحلية.
كل هذا وغيره ربما يكون مهرجان أطار المرتقب افتتاحه لثلاثة أيام 9،8،7 أغشت الجاري، فرصة لتناوله وبحثه موضوعيا وعلميا وإيجابيا، في جو "الكيطنة" الهادئ، رغم الاختلاف السياسي الطبيعي الصحي، ربما أيضا.