محمد فال ولد بلال
إلى أين نسير؟
سؤال وصلني من عشرات الأصدقاء، أودُّ هنا إعطاء رأيي المتواضع بشأنه.. نحنُ اليَوم أمام 3 سناريوهات محتمَلة : سيناريو "التقدُّم"، وسيناريو "مُراوَحَة المكان"، وسيناريو "النُّكوص".
1- سيناريو "التقدم" :
ويعني التّوصل إلى تهدئة وتفاهمات عبر حوار مباشر أو غير مباشر بين الفرقاء السياسيين بما يسمَح بإجراء انتخابات متفق عليها ويطمئنُّ لها الجميع ومجهولة النتائج مسبَقا.. وبها وعليها، تدخل موريتانيا في نادي الدول الديمقراطية مع فَوز رئيس جديد منتخب بطريقة شفافة ونزيهة تحظى برضا كل الأطراف المشاركة. وفي اعتقادي أنّ مثل هذا السيناريو محتمل تماما إذا ما تضافرت جهود الأحزاب والمجتمع المدني والإعلام والمدوّنين في خدمة التهدئة وزرع روح التسامح والمصالحة سعيا إلى خلق ظروف تسمح بتَوديع الرئيس المنتهِيّة ولايته بكياسة وسلاسَة، والترحيب بالرئيس الجديد.
2- سيناريو "المُراوَحَة" :
ويعني تعذُّر التّوصل إلى توافق أو تفاهم بين السلطة والمعارضة المقاطِعَة يضمن نزاهة الانتخابات، فيَستَمرُّ الانسداد ويكتفي النظام بخلط عمل صالح وآخر فاسد عسى أن يتمكّن من تنظيم انتخابات بمشاركة الجميع.. فيُعطي تنازلات محدودة إرضاءً لأطراف الحِوار الماضي (2017)؛ ويُلامِس من بعيد مطالب المعارضة الرادكاليّة لجَرِّها إلى المشاركة وذَرِّ الرّماد في أعيُن الرّأي العام. وفي هذه الحالة، يكون مرشح فريق الموالاة أوفر حظا في انتخبات لا تستوفي شروط النزاهة والشفافية. ذلكم هو السيناريو الأرجح حالاً،، لا يأتي بجديد لجِهَة حلّ الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ سنوات عديدة، ولكنّه يبقى أقلّ سوءا من السيناريو (3).
3- سيناريو "النُّكوص" :
ويعني استمرار السلطة في مسارها الآحادي دون الالتفات إلى مطالب المعارضة المحاورة وغير المحاورة، والرُّكون إلى مواقف التشدّد والإملاءات الداعية إلى البقاء بأيّ ثمن، إلخ.. وهو موقف سوف يُقابَل بتشدّد وتصعيد من المعارضة بكل أطيافها. وتتحوّل البلاد، لا قدّر الله، إلى بؤرة توتّر بين متشدّدين في الموالاة لا يريدون إلاّ بقاء الحال بأي ثَمَن، ومتشددين في المعارضة لا يريدون إلاّ زواله بأي طريقة؛ وفي هذه الحالة، أخشى ما أخشاه أن تدخل في عراقل ومطبات قد تؤدّي إلى تعليق العمل بالدستور وإلغاء الانتخابات، إلخ،، وهذا السيناريو هو الأسوَأ على الإطلاق.. ويَتَعَيَّنُ علينا جميعا محاربته بالحِكمة والتعقل والتّبصُّر وجَعل لمصلحة العُليا فَوق كلّ اعتبار.. حذاري من المثل القائل : "في الذّيب ولا في حبيب" !
4- ملاحظة : وهناك 5 مؤسسات سوف تتحمّل العِبء الأكبر في تأطير المرحلة القادمة، وينتَظر منها السير بالبلاد باتجاه السيناريو الأفضل (1)، وتجنّب السيناريو السيّئ (2)، وسدّ الطريق مطلقا أمام السيناريو الأسوأ (3). وهذه المؤسسات هي : الرئيس المنتهية ولايته، ورئيس المجلس الدستوري، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومؤسسة الإعلام.. هذه المؤسسات الخمسة هي من يتحمّل المسؤولية الأعظم في الإشراف والتنظيم والتحكيم وحفظ الحقوق وصَون العدالة بين الفُرَقاء السياسيين.. وينبغي اختيار الشخصيات المسؤولة عنها بتَجَرُّد وحِكمَة، وسوف يحكم الطيف السياسي والرأي العام الوطني والدولي على مدى جِديّة العملية الانتخابيّة ومصداقيتها من خلال هذه الشخصيات، وما تتمتّع به من كفاءة وثِقة واحتِرام.. والله وليُّ التّوفيق.