الإرهاب والأمن في إفريقيا: تحدي تنموي

جمعة, 2014-08-08 07:47

الكتابات المنسوبة للقادة والزعماء الأفارقة ،موضة قديمة ،وأسلوب من أساليب الإديولوحيا السلطوية للأنظمة الدكتاتورية .وهي تتميز بالانتقائية في التعبير، والضبابية في الرؤية والتوظيف ،الأعمى لمفاهيم العولمة، وعدم الخوض قي الخصوصيات والتفاصيل ،وقد جاء المقال المنسوب للجنرال الحاكم لموريتانيا في ذات السياق .ويعد المقال – في نظري- انتكاسة كبيرة للوعي ،ومحاولة خجولة لممارسة ديمقراطية بأسلوب أعرج .فكيف جري استخدام مفاهيم الإرهاب والأمن في مقال الرئيس ؟
الإرهاب ومفهومه:
يقول مقال الرئيس الموريتاني:( استمرت التهديدات الأمنية لأكثر من عقد من الزمن، على الرغم من تراجعها مؤخرا، لتذكرنا بأن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة تتطلب يقظة دائمة.) ..لا يبدو أن لدي الرئيس شك في أن الإرهاب يعني"الحركات الجهادية الإسلامية"وهو المفهوم الذي أنتجته الإدارة الصليبية لجورج بوش ولم يلق قبولا حتى لدي بعض الأمريكيين المعتدلين  ..وقد أظهر استخدام الرئيس لهذا المفهوم انحيازا واضحا للصهاينة ،حين يتفق معهم في اعتبار أن العنف لاتمارسه سوي الحركات المناوئة للغرب .ولعل الأمثلة التي استخدمها واضحة في هذا المعني خاصة عند ذكره  (ليبيا والسودان)..
إن العنف الذي يمارسه العدو الصهيوني ضد الأبرياء الفلسطينيين ،ومجازر الغزاة في غزة ،ليست إرهابا يشغل بال القائد العالمي ،والمجاهدين الذين حرروا ليبيا من الطاغية وأعوانه هي ما يؤرق صاحب المقال .
القضية المالية هي الأخرى لم يجر تناولها إلا من زاوية الإرهاب الذي يتهدد المنطقة ،أما مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية ،فيكفي أن يشير إليها إشارة عابرة.  
(وهكذا يجب علينا أن نبرز أهمية التحرير والعودة إلى النظام الدستوري في مالي،)
ولا يتحدث الرئيس عن الأسباب الحقيقية لما جرى و يجرى في الشقيقة مالي، لكنه يستعرض عضلات جيشه في محاربة الإرهاب: (أما نحن في موريتانيا، فقد عملنا على ضمان عدم المساس المطلق بحوزتنا الترابية من قبل العصابات المسلحة التي كانت تسعى لإيجاد أراضي بديلة ).
ويناقض الرئيس نفسه كما يناقض المنطق السليم عندما يشيد بالتدخل العسكري الأجنبي في الأراضي المالية وفي بقية القارة ،وكان قد ندد في مناسبات سابقة بمثل ذلك التدخل ...حيث يقول:( أيضا الدعم الفرنسي والأمريكي لهذا الجهد العالمي الحقيقي.)
هناك عبارة واحدة استوقفتني في حديث الرئيس عن الإرهاب وذلك عندما قال:
( ويجب علينا دعم جميع أولئك الذين يعانون من هجمات إرهابية بنفس التنسيق والتصميم العالميين تأسيسا على التجارب الأخيرة) لابد أن نعيد طرح السؤال حول طبيعة المفهوم ؟ فماهي الهجمات الإرهابية ؟ ومن ينفذها؟
إن هذه العبارة جاءت متأخرة في التحليل ولكنها تكشف مستوي الخلل والارتباك في توظيف مفهوم الإرهاب ،وهي تضيف مزيدا من الضبابية حول استخدامه...
وينتقل مقال الرئيس من ضبابية الإرهاب إلي محاذير العلاقة مع الغرب مشيدا بالدعم الذي تقدمه تلك الدول ومنبها إياها إلي ضرورة مراعاة ظروف البلدان الإفريقية وثقافاتها ..وتلك نصيحة جيدة أسداها الرئيس بإخلاص واضح للحلفاء لغربيين ...
تداخل المفاهيم:
عبر تحديات الإرهاب سلك المقال طريقا متعرجا يبدأ بالجيل القادم الذي أفصحت عنه مبادرة " القادة الأفارقة الشباب"التي أطلقها الرئيس الأمريكي أوباما ..إلي الديمقراطية وسيادة القانون إلي الكفاح ضد الفقر وانعدام الأمن .وهذا الحشد من المفاهيم لم يجر تحديد أي منه وإنما اكتفي كاتب مقال الرئيس بالزج به عن قصد ليصل من ذلك إلي استخلاص بارز لقناعة راسخة لديه ،هي عنوان المقال :( الإرهاب والأمن في إفريقيا: تحدي عالمي )..
الإرهاب والأمن
من الواضح أن المقال عجز بشكل لافت عن استخدام تعريف واضح للإرهاب رغم أنه سار في اتجاه تأيد المفهوم الأمريكي للإرهاب ومع ذلك لم يخلو من إشارة إلي العنف في دلالته علي الإرهاب ،أما الأمن فقد غابت مضامينه التنموية وأقحمت مفاهيم الجيل الجديد وعبارة الشباب والإمكانيات الكبيرة لدي المنطقة بشكل مثير دون أن  يقدم استراتيجية واضحة لمعالم حرب يقودها الرئيس ضد "الإرهاب" .
إن العنف والانقلابات والإقصاء والتهميش هي الإرهاب الحقيقي الذي يقود إلي التطرف والتشدد والانحرافات والشرور ، وكلها مضامين غابت عن الرئيس أثناء تحليل أزمات القارة ،ولم يجرؤ مقاله علي طرق إشكاليات السلطة والعدالة والتنمية وهي المعوقات الحقيقية التي تقف عائقا أمام تقدم القارة وتخلق الأزمات وتداعياتها الأمنية المختلفة .
الحاج ولد المصطفي:hajmustapha@gmail,com