للمرة الثانية خلال أسبوع تتصاعد الأوضاع الميدانية على حدود غزة، وتقترب من دخول الفصائل الفلسطينية المسلحة وإسرائيل في «حرب رابعة» جراء سياسات الاحتلال المشددة تجاه القطاع، وتعمدها استخدام السلاح الثقيل «المدافع والطائرات» في ضرب مواقع المقاومة، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، قبل أن تنتهي هذه الموجة بتدخل مصر والأمم المتحدة، لإعادة الوضع على ما كان عليه.
فمنذ مساء الجمعة وحتى السبت، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات الغارات الجوية على أهداف ومواقع تتبع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، محدثة دمارا كبيرا وإصابات في صفوف المواطنين، بعد ان اتخذ قادة وزارة الجيش بمشاركة كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الجيش أفيغدور ليبرمان، قرارا جديدا بالتصعيد العسكري.
وبررت إسرائيل ذلك على لسان المتحدث باسم الجيش، بأنه ردا على «أخطر» عمل يستهدف قواتها على حدود غزة منذ انتهاء الحرب الأخيرة صيف العام 2014، والمتمثل بمقتل أحد الجنود برصاص قناص فلسطيني استهدفه من قطاع غزة.
المتحدث العسكري الإسرائيلي أعلن مساء الجمعة، أن الطائرات الحربية التابعة للجيش بدأت في مهاجمة أهداف تابعة لمنظمة حماس في جميع أنحاء قطاع غزة، ضمن هجوم «واسع النطاق» محملا حماس المسؤولية عن الحادث وعن سلسلة الهجمات التي نفذت في الأشهر الأخيرة، واتهمها بأنها اختارت «تدهور الوضع الأمني».
وتوعدت إسرائيل بتكثيف الغارات بشكل أكبر، في حال قامت المقاومة الفلسطينية في غزة بالرد من خلال إطلاق الصواريخ على المناطق الإسرائيلية القريبة من القطاع، وهو ما عجل في تحرك الوسطاء لوقف التصعيد، لعلمهم بأن المقاومة في غزة ستتحرك بتكثيف عمليات الرد، بعد أن أطلقت رشقات محدودة من الصواريخ.
ودمرت الطائرات الحربية مواقع عسكرية تتبع حركة حماس، في مدينة غزة وفي مناطق الجنوب والشمال، بعشرات الصواريخ التي ألقتها المقاتلات الإسرائيلية النفاذة التي جابت سماء القطاع، معيدة تلك الأجواء التي ترافق اندلاع الحروب.
وأعلن جيش الاحتلال فجر أمس أنه استهدف 68 هدفا في قطاع غزة بواسطة الطائرات الحربية والمدفعية، وقال أن قواته دمرت ثلاثة مقرات تابعة للجناح المسلح لحركة حماس، وألحقت ضررا ملموسا في تشكيلات القيادة والسيطرة والأسلحة والبنية التحتية العسكرية، وتشكيلات التدريب اللوجستية والبنايات المتنوعة التابعة لحركة حماس في الكتائب المستهدفة، واستهدفت كذلك منشآت ومواقع لإنتاج الأسلحة ومدخلا إلى شبكة الأنفاق. وتخلل القصف الإسرائيلي العنيف لغزة، تحذير الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال، باغتيال قاد حماس في غزة يحيى السنوار، وقد استبقت إسرائيل عمليات القصف الجوي لغزة، بأن شنت مدفعيتها هجمات استهدفت نقاط رصد للمقاومة على الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من عناصر الجناح المسلح لحركة حماس.
وظل القصف الإسرائيلي العنيف على غزة حتى منتصف ليل الجمعة السبت، ليعود الهدوء مجددا إلى القطاع ومناطق إسرائيل الحدودية، بعد تدخل من الوسطاء المصريين ومن مبعوث الأمم المتحدة للمنطقة نيكولاي ميلادينوف، للمرة الثانية خلال الأيام السبعة الماضية.
وأعلنت حركة حماس على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم، أن جهودا مصرية وأممية أثمرت في التوصل إلى حالة التهدئة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية.
وتردد أن هناك جهات عدة طلبت من حماس، عدم الرد بالصواريخ خلال الغارات الإسرائيلية، من أجل عدم توسيع نطاق الهجمات، والتوصل إلى اتفاق بعودة الهدوء وفق اتفاق التهدئة القائم منذ صيف العام 2014، الذي ينص على وقف الهجمات المتبادلة.
غير أن القوات الإسرائيلية لم تلتزم بما جرى التوصل إليه من قبل الوسطاء، وقصفت صباح السبت بالمدفعية نقطة رصد للمقاومة تقع إلى الشرق من مدينة غزة، وهو أمر يرجح إمكانية انفلات الأمور من جديد، في ظل استمرار حال التوتر القائمة حاليا على طول الحدود، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية من المحتمل حسب التحليلات أن تهرب من أزماتها الداخلية وقضايا الفساد التي تلاحق رئيسها نتنياهو، وترضخ لمطالب بعض أحزاب الائتلاف بشن هجوم واسع النطاق على غزة.
وحذرت الرئاسة الفلسطينية في وقت سابق، من سياسة التصعيد الجارية حاليا على حدود القطاع، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لمنع تدهور الأوضاع.
والمعروف أن الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل ليل الجمعة وحتى فجر السبت، والتي شنتها مساء الجمعة قبل الماضية وحتى فجر الأحد، تأتي في ظل استمرار تشديد الحصار المفروض على السكان، منذ ما يقارب الأسبوعين، والذي أوقفت بموجبه إسرائيل تزويد غزة بالكثير من السلع ومنها الغذائية، إضافة إلى الوقود وغاز الطهي، الذي نفد من الأسواق، وقلصت مساحات الصيد الممنوحة لصيادي غزة، كعقاب جماعي للسكان، على إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة».
وفي هذا السباق حذرت المؤسسات الحقوقية الناشطة في غزة، وأطراف دولية والمشرفون على القطاع التجاري في غزة، من مخاطر استمرار تشديد الحصار، لما له من آثار سلبية كبيرة على حياة السكان، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة.
وأعلنت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، أن معدلات الإنتاج في مصانع غزة انخفضت بنسبة تقارب 60 في المئة عن المعدلات السابقة، بسبب حظر الاحتلال دخول المواد الخام للمصانع من خلال إغلاقه معبر كرم أبو سالم، فيما أكدت جمعية رجال الأعمال أن العقوبات الإسرائيلية الجديدة من شأنها تعميق الأزمات الإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة، ورفع نسب البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وقد دفع تشديد الحصار والتوتر العسكري، الأطراف الدولية للتحرك في سبيل البحث عن خطط لانعاش اقتصاد غزة المتردي، وفق خطة يسوقها حاليا المبعوث الأممي نيكولا ميلادينوف، بهدف إنهاء آثار الحصار المفروض منذ 12 عاما، وانعاش غزة اقتصاديا، كخطوة أساسية من شأنها أن تنهي حالة التوتر، باعتبار أن كسر الحصار هو أحد المطالب الرئيسية لفعاليات «مسيرة العودة» حيث يدرك المجتمع الدولي وحتى إسرائيل أن حل مشاكل غزة يكون من خلال إنهاء معاناة السكان، ومنحهم الأمل في مستقبل أفضل.
ويدرك الجميع أنه بدون حل مشاكل مليوني مواطن من غزة، فإن تصاعد الاحتجاجات من قبل المحاصرين، سيكون عنوان المرحلة المقبلة، بهدف إنهاء المأساة المستمرة منذ 12 عاما.
وفي هذا السباق تواصلت فعاليات «مسيرة العودة» يوم الجمعة رغم التصعيد العسكري الإسرائيلي على غزة، وشهدت مناطق الحدود مشاركات واسعة ضمن فعاليات جمعة جديدة حملت اسم «لم تمر المؤامرة على اللاجئين» حيث تحدى المشاركون جنود الاحتلال، واقتربوا من منطقة السياج الفاصل، كما الأسابيع الماضية، رغم الاستهداف الإسرائيلي الذي أسفر عن استشهاد أحد الشبان، وإصابة 120 آخرين.
وأكدت الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار، على أن استمرار التصعيد الإسرائيلي وتركيزه على قتل الأطفال ومحاولاته المتكررة ترويج الأخبار والأكاذيب، هدفها إنهاء مسيرات العودة، التي ما زال عاجزاً عن وقفها على مدار الأسابيع الماضية، معلنة استمرارها في نشاطاتها، وتسمية الجمعة المقبلة جمعة «أطفالنا الشهداء».
ودعت الهيئة المجتمع الدولي لتحّمل مسؤولياته الإنسانية في إنهاء الحصار المفروض على القطاع، وإرسال لجان تقصي الحقائق للتحقيق في جرائم ومجازر الاحتلال التي يرتكبها بحق القطاع.