بالكاد يُخفي الرئيس الموريتاني صدْمتٓه من مستوى التمثيل الدولي عموما والعربي خصوصا فى حفل تنصيبه لمأمورية خُماسية جديدة.. ولهذه الصدمة ما يبررها، على الصعيدين السياسي والاستراتيجي.. فعلى الرغم من الخطاب الشعبوي الذي
استهلكه الرئيس الموريتاني مُراوِحا بين "الفقراء" كسُلَم للصعود فى المأمورية الأولى،و "الشباب" كوٓقودٍ للثانية، وعلى الرغم من "إبداعات" حكومته فى الحديث عن تحسن الظروف المعيشية للمواطنين الموريتانيين، وعن خروج بلدهم من دائرة الفقر واستجداء العون الخارجي، فإن عزيز لا يمنح - فى حقيقة الأمر- أي اعتبار للجبهة الداخلية، إلا تحت ضغط خارجي قوي يهدد بقاءه فى السلطة.
هذا الضغط الخارجي تقوده عادة دولتان بارعتان فى توجيه الرسائل المشٓفّرٓة هما : فرنسا والولايات المتحدة، اللتان تبعثان رسائلهما مباشرة او عبر حلفاء آخرين.
لقد اكتفت الدولتان بتمثيل عادى جدا فى حفل تنصيب عزيز، وهما تعرِفان كيف تحميان مصالحهما، سواء حٓكٓمٓ موريتانيا صُعلوك عنتري ((يتشبّه بعنترة ابن شداد)) أو قانتٌ حلاجي ((يتخذ من الحلاج قدوة)).
وبالعربي الفصيح، فإن مصالح الدولتين هي فى استقرار موريتانيا - ليس لاجل سواد عيوننا طبعا- وانما لضمان الحفاظ على مصالحهما، فى جو لا تُكدّرُه الانقلابات والانسداد السياسي، ولا تُستٓهدٓفان فيه باعتبارهما تحميان نظاما عاجزا عن حل مشاكله الداخلية، ومشجعا على التوتر والفوضى، حتى ولو كان مستعدا للقيام ببعض المهام الاقليمية.هذا ما سمِعٓه عزيز فى وانشطن وما سوف يسمعه غدا فى باريس، وهذا ما سوف يؤخر إعلان حكومة جديدة فى انواكشوط.
وإذا صحت معلومات استقيْتُها من مصدر عليم، فإن عزيز قد اجتمع فى الساعات الماضية، وفى السكن الرئاسي، مع شخصية قيادية فى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بحثا عن توافق حول حكومة تُرضي المعارضة التقليدية دون أن تُمٓثّل فيها بشكل علني.
ويسافر عزيز إلى فرنسا وقد خطا هذه الخطوة مُكْرٓها، وربما مراوغا، لأن " التاديت" فى يده وإذا مات العِجْلُ فليس مأسوفا عليه.
فهل سيتخلص عزيز من عِناده ويستجيب للضغط الخارجي الذي سيزداد مع كل قطرة زيت تصبّها المعارضة على نار المشهد السياسي المتأزم؟ وهل ضغوط باريس وواشنطن بعيدة الأمد؟ أم هي مزايدات عابرة لانتزاع تنازلات أخرى من نظام عزيز الذي يعتقد أنه قدّم كل ما لديه؟ عندما يعود عزيز من باريس سوف نعلم الخبر اليقين، وسيكون كل المتصارعين على بقايا "بٓلْحٓةٍ" ساسها البٓيّوضُ قد تحطمت نِصالهم على صخرة الواقع المرير.
بقلم الأستاذ باباه سيدي عبد الله