كَمْ من ضجيج وكَمْ من زبد بارد/ بعناك يا فلسطين/ كَمْ من خطبة صدئت من لغوها المنابر/ونحن نسدل على قاماتك/الكلام ثم الكلام ثم الكلام
كم من وعد واه تحول وعيد
من يعيد حجم المقابر إلى مقاساتها المعلنة
من يعزي التربة في طينها النازف
غبار كثيف يغشى الكلام
غيم يحدق في عمق الهاوية
غيم حارق لا يبكي
تائه وسط كل هذا الزحام
غيم ينطق بوجه الغرباء
يخط لغة بلون الماء
من يرسم خرائط للزمن الجديد
وقد اشتهاها دم الكواسر
تمادى غيُّهم… غيُّكم… غيُّنا…
يحفر الجرح بعد الجرح
هنا الحكمة شاب قولها الأول
يرجمها الخراب ببقايا الخراب
يستعير منا هذا الزمن المر
ما تبقى فينا من نفس
لينفخ في الغول أكثر من حياة
من يجرؤ على استباحة الجرح المحنط
وقد تكلس الفرح عند بوابات المجهول
لما خانته الوجوه المشبوهة
الإخوة… الأشقاء… الأصدقاء … الظلال … الفزاعات
الأقنعة .. الأشباح .. السحرة.. الشياطين
هنا تحتشد حروف وأوجه على حواف الصحو
ترصد منافذ دون تأشيرات ولا جوازات
تتمدد الحيطان وتنمو الأسوار
والأمواج جبال جبال
هل من إنسان سينمو في قلب الإنسان
هل من غضب يكنس الغضب
أرشه لقاحا على عرش الوجع
هنا نامت الصومعة على كتف الدمار
والأجراس غص صدرها بالجثث
أي صليب يسع الجرح
وأية نجمة وأي هلال
من يتعقب الظلم إلى آخر المسافات
من يستعيد الأجساد المنطفئة
من يعيد لها أسماءها الحسنى
تربعت الحياة مجالس العزاء
من يبارك أناشيد الحنين المبتورة
العالم المجنون في غيبوبته
يتدفق حمما وصديدا
تتلاشى فيه الحياة وظلالها المعقوفة
كلهم مضوا بحنينهم وأشواقهم وأوجاعهم
يسحلون وراءهم أعمارا نشف منها العمر
كل نار هنا تبحث عن رماد
خلفته سهوا في عيون الريح
أشقّ دمعي ممرات سرية
أراوغ الفزاعات علها تسهو عني
يفيض الكلام على مشارف الدم العاري
من يتنفس كل هذا الهواء الموحش
أتوغل في الحزن المحاصر باللهب
يجرفني الغياب المرصع بالشهب
عندنا الموت لا يهرم ولا يشيخ
يولد باستمرار
نطفه تتجدد على كل العتبات
الموت عندنا يتناسل
وللمقابر عندنا عشب ينمو في الخفاء
الموت عندنا يتقاطر يتراكم كما الزمن المر
الموت هنا فسيح العمر
والعمر، العمر متأخر باستمرار
يستبد… يزحف… يحاصر… ينتفض… يتسمر
العيون مصفدة يلفحها الرمل
الموت هنا شارد عند مفترق الجرح
يتناغم مع ما احتشد من أنفاس هائمة
الموت عندنا لا يرتبك
لا من شدة النور ولا من شدة العتمة
الموت عندنا مهما مات
دائماً يُبعث حيا؟!!!!!
٭ شاعرة جزائرية
زينب الأعوج