نواكشوط-»القدس العربي» ليست هناك حكومة جديدة الآن، فليسترح الموريتانيون الذين أكلهم انتظار المخاض الحكومي الذي يبدو أنه عسير هذه المرة؛ فالرئيس محمد ولد عبد العزيز عقد آخر اجتماع قبل سفره المقرر لفرنسا بأعضاء الحكومة السابقة ولا مؤشرات قائمة على أنه يفكر في إخراج طاقم وزاري جديد».
بهذه العبارات اختصر مراقب بارز للقدس العربي أمس، الموقف في موريتانيا حاليا حيث يسود الإنشغال بموضوعين أولهما التشكلة الحكومية التي كان من المفروض أن تتلو تنصيب الرئيس للولاية الجديدة، والثاني تقييم زيارة الرئيس ولد عبد العزيز التي أنهاها للتو للولايات المتحدة وترأس خلالها القمة الإفريقية والأمريكية إلى جانب الرئيس أوباما.
القفزة الديبلوماسية
وحول الزيارة، اعتبر سيدي محمد ولد محم وزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس «أن الدبلوماسية الموريتانية عرفت تحسنا نوعيا وحضورا معتبرا خلال المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد عبد العزيز، تجسدت آخر محطاتها في رئاسة أول قمة من نوعها بين القارتين الإفريقية والأمريكية إلى جانب الرئيس أوباما قائد أكبر دولة في العالم».
إقناع أوباما
وأكد الصحافي «أن الرئيس الموريتاني الذي هو في نفس الوقت رئيس الإتحاد الإفريقي، وفق في إقناع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بمواكبة القارة الإفريقية في جميع التحديات التي تواجهها، إضافة إلى التجاوب الآني من خلال تخصيص 33 مليار دولار للإستثمار في القارة، إضافة إلى قرار الرئيس أوباما يوم أمس بتخصيص مبلغ 10 ملايين دولار لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل».
تقييم آخر
وكان للصحافي باباه ولد سيدي عبد الله السفير الناطق الرسمي السابق باسم وزراة الخارجية الموريتانية تقييم آخر لزيارة الرئيس الموريتاني للولايات المتحدة وللمقال الذي كتبه الرئيس الموريتاني على هامش الزيارة في صحيفة ذي هوفنغتون بوست The Huffington Post.
يقول السفير في تدوينة ساخنة له «أما قمة واشنطن، فقد اختطلت على رئيسنا مع مهرجان انتخابي فى «بنغو» أو « الشامي»، فكان خطابه طويلا ومهلهلا وغير متناسق، يُدركُ المرء -دون عناء كبير- أنه نتاج عملية « لصق ونسخ Copier-coller» غير موفقة».
«وحتى عندما تحدث عن الأمراض الفتاكة التي تنخر القارة الأفريقية، يضيف، لم يتطرق رئيسنا الى حمى «ايبولا» وهي حديث الساعة فى القارة، وبسبب الخوف من نقل عدْواها إلى بلاد العم سام خضع ضيوف أمريكا من الأفارقة للفحص وربما التلقيح».
غياب غزة عن الخطاب
وانتقد السفير سماه في تدوينته «غياب أم القضايا عن خطاب رئيسنا: غزة، التي تطحن آلةُ الحرب الإسرائيلية أهلها والعالم يتفرج،..وضاعت على رئيسنا فرصة حشد دعم أفريقي لإخوتنا فى غزة ، يُرغم الرئيس الأمريكي على إدراج الموضوع على جدول الأعمال».
وبخصوص المقال الذي «كتبه» الرئيس فى صحيفة The Huffington Post، أضاف السفير «أنه إذا كانت « فكرة «كتابة» المقال جيدة ومحتواه جيدا كذلك، فإن اختيار هذه الصحيفة لم يكن موفقا، فمنذ نشره على موقع الصحيفة يوم 5 أغسطس على الساعة 11 و47 دقيقة، لم ينل – حتى كتابة هذه السطور- إلا إعجاب 190 شخصا أعتقد أنهم موريتانيون «.
وعن تأخير الحكومة فقد مل الموريتانيون انتظارها وفوجؤوا بأن الرئيس ما زال يعمل بالحكومة السابقة، وبأنه يرتب لسفر استجمامي وصحي إلى فرنسا دون ظهور بوادر لتشكيل طاقم ما بعد الانتخابات الرئاسية.
وتبارى المحللون في بيان أسباب هذا التأخير، فيما اكتفى وزير الإتصال الموريتاني بتأكيد «أن تشكيل الحكومة من الصلاحيات الدستورية المطلقة لرئيس الجمهورية».
من أجل حكومة توافق
وأكد السفير باباه ولد سيدي عبد الله الناطق السابق باسم الخارجية الموريتانية وهو أبرز من تناول هذا الموضوع، «أنه إذا صحت معلومات استقاها من مصدر عليم، فإن عزيز قد اجتمع فى الساعات الماضية، وفى السكن الرئاسي، مع شخصية قيادية فى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بحثا عن توافق حول حكومة تُرضي المعارضة التقليدية دون أن تُمثّل فيها بشكل علني».
وأضاف في تعليق له على تشكيل الحكومة «يسافر عزيز إلى فرنسا وقد خطا هذه الخطوة مُكْرها، وربما مراوغا»، لكن يتساءل السفير «هل سيتخلص عزيز من عِناده ويستجيب للضغط الخارجي الذي سيزداد مع كل قطرة زيت تصبّها المعارضة على نار المشهد السياسي المتأزم؟ وهل ضغوط باريس وواشنطن بعيدة الأمد؟ أم هي مزايدات عابرة لانتزاع تنازلات أخرى من نظام عزيز الذي يعتقد أنه قدّم كل ما لديه؟ عندما يعود عزيز من باريس سوف نعلم الخبر اليقين».
ضغوط واشنطن وباريس
وتوقف ولد سيدي عبد الله عند ما سماه « صدمة الرئيس الموريتاني من مستوى التمثيل الدولي عموما والعربي خصوصا فى حفل تنصيبه لمأمورية خُماسية جديدة.. ولهذه الصدمة ما يبررها، على الصعيدين السياسي والاستراتيجي.. فعلى الرغم من الخطاب الشعبوي الذي استهلكه الرئيس الموريتاني مُراوِحا بين «الفقراء» كسُلَم للصعود فى المأمورية الأولى، و»الشباب» كوقودٍ للثانية، وعلى الرغم من «إبداعات» حكومته فى الحديث عن تحسن الظروف المعيشية للمواطنين الموريتانيين، وعن خروج بلدهم من دائرة الفقر واستجداء العون الخارجي، فإن عزيز لا يمنح – فى حقيقة الأمر- أي اعتبار للجبهة الداخلية، إلا تحت ضغط خارجي قوي يهدد بقاءه فى السلطة».
وأضاف «هذا الضغط الخارجي تقوده عادة دولتان بارعتان فى توجيه الرسائل المشفّرة هما : فرنسا والولايات المتحدة، اللتان تبعثان رسائلهما مباشرة أو عبر حلفاء آخرين».
«لقد اكتفت الدولتان، يضيف السفير، بتمثيل عادى جدا فى حفل تنصيب عزيز، وهما تعرِفان كيف تحميان مصالحهما، سواء حكم موريتانيا صُعلوك عنتري ((يتشبّه بعنترة ابن شداد)) أو قانتٌ حلاجي ((يتخذ من الحلاج قدوة))».
استقرار موريتانيا ضامن المصالح
وأضاف «وبالعربي الفصيح، فإن مصالح الدولتين هي فى استقرار موريتانيا – ليس لأجل سواد عيوننا طبعا- وإنما لضمان الحفاظ على مصالحهما، فى جو لا تُكدّرُه الانقلابات والانسداد السياسي، ولا تُستهدفان فيه باعتبارهما تحميان نظاما عاجزا عن حل مشاكله الداخلية، ومشجعا على التوتر والفوضى، حتى ولو كان مستعدا للقيام ببعض المهام الاقليمية»؛ «هذا، يقول السفير، ما سمِعه عزيز فى واشنطن وما سوف يسمعه غدا فى باريس، وهذا ما سوف يؤخر إعلان حكومة جديدة فى انواكشوط».
حكومة بيضاء من غير سوء
وكانت افتتاحية الكاتب الصحافي حنفي مدير صحيفة «تقدمي» الألكترونية أكثر الإفتتاحيات التصاقا بموضوع الحكومة وتأخير تشكيلها.
يقول ولد دهاه «..ربما يعمد ولد عبد العزيز، كما دأبت عليه العادة بعد كل انتخابات رئاسية لتشكيل حكومة جديدة أو تعديلها جزئيا أو ربما يترك حكومته الحالية تؤدي عملها ما دام القانون يخوله ذلك.. فهو حر فقد تمت توليته الشأن العام أو بالأصح تولاه بالقهر والغلبة،لكن تلك قصة أخرى، المهم أننا نريد وزراء يتقنون عملهم انتدبوا له لأنهم وطنيون أكفاء ولم يخولوا ذلك على أساس محسوبية أو زبونية أو انتماء سياسي».
وتابع دهاه «.. نريد وزراء ذوي روح مباردة وخلق وروح وطنية وثابة وليسوا مجرد تماثيل شمع على رؤرسها الطير ..نريد وزراء ولا نريد حيوانات تفكر في بطونها ولا ببغاوات لها من كلام الرئيس ووزيره الأول رجع الصدى..نريد وزراء همهم العمل وليس العمولة وشغلهم الإنجاز وليس الإجهاز على هذا البلد بما فيه وبمن فيه».
وختم ولد دهاه الإفتتاحية قائلا «خذ وقتك، سيدي الرئيس، ولكن أخرجها لنا حكومة بيضاء من غير سوء».