الوزير السابق البكاي ولد عبد المالك
زرت مساء أمس النائب عن حزب الصواب ورئيس حركة إيرا الرئيس بيرام ولد الداه ولد اعبيد في منزله بالرياض للسلام عليه ولتهنئته على خروجه من السجن وكان هذا اللقاء الأول من نوعه فرصة للتعرف عليه عن قرب والاستماع إليه مباشرة وربما لتصحيح بعض الأحكام المسبقة عني وعنه.
وقد كنت مرفوقا في هذا اللقاء بالأخ والزميل النائب الأول لرئيس حزب الصواب السيد أحمد ولد عبيد الذي نسق لقائي مع الرئيس بيرام ولو كانت الأمور عادية لما احتيج في هذا الأمر إلى وساطة بين مثقف موريتاني معروف و سياسي موريتاني معروف يتقاسمان بعض الرؤى وإن فرقتهما السياسة.
وقد وجدته هادئا متسامحا مستبشرا إنسانيا ضم مجلسه كافة الأطياف الاجتماعية وكافة الألوان والأعراق في خليط يصعب فيه تحديد النسب الخاصة بكل مكون على حدة فقد امتزجت المكونات الاجتماعية في مجلسه امتزاج الماء بالحليب في تفاهم وانسجام عكس ما تروج له أوساط معينة لأغراض معينة .
باختصار وجدته كأي واحد منا في محيطه الخاص باستثناء أجواء الازدحام والتدافع حول المنزل وداخله والطقوس الأمنية المحيطة به. لكن على كل حال الرجل بعيد عن السذاجة والخفة التي يصوره بها الكثيرون.
تلك هي اللوحة التي رأيتها بالأمس قد تتغير في المستقبل وقد تكون مختلفة عما كانت عليه في الماضي وهذا هو حال الأمور البشرية لا تستقر على حال. لكن كونوا على يقين من أنها لو تغيرت فنحن من سيغيرها أو على الأقل نتحمل جزء من ذلك.
وحتى لو صح كل ما يقال عنه - وبعضه صحيح- أليس باب التوبة مفتوحا للجميع؟ هو قالها بشكل صريح خصومي لا يريدون لي التوبة والرجوع إلى جادة الصواب ولو أنه لم يجانبه فيما مضى إلا في بعض التشنجات والتصريحات والتجاوزات غير المقبولة أحيانا.. نعم من لم يكن منكم بلا ألف خطيئة فليرجمني بحجر!! وحتى ما يعرف عندنا بـ"المحرقة" لو كان قام بها شخص آخر غيره وفي ظروف مغايرة لما كانت أكثر من حرق لفقه ميت أو لأحكام وفتاوي منهتية الصلاحية.
وقد استمعت بعد ذلك إلى مؤتمره الصحفي كاملا وكان حريصا على تهذيب لغته والاستدراك في كل مرة يحس فيها بالإساءة إلى طرف معين أو بأن الخطاب قد انحرف قليلا.
السؤال لماذا لا نغير نحن أيضا سلوكنا تجاه هذا الرجل؟ الجلوس معه يعلمنا أنه ليس قادما من كوكب آخر! لماذا لا نحتضنه أو على الأقل نحترمه؟ الإحساس بالأمان والاحترام له مفعول آخر.
قلت له إنني مختلف معه سياسيا وأنني ما زلت من أنصار الرئيس عزيز وأنه قد يراني غدا خصما له في حملة سياسية فلم يجرحه هذا القول ولم ينفر منه وتعامل معه بهدوء كامل وتفهم ينم عن نضجه السياسي قلت له إن الاعتدال والنهج السلمي في معالجة القضايا العادلة هو أحد أسلحة الدمار الشامل ومثله هو مثل الجن المسلم لا تنفع معه الرقية فوافقني القول في ذلك واستصوبه لكنني عرفت بعد ذلك أنه كان صادقا معي عندما اطلعت بعد ذلك اللقاء بساعات على فحوى اللقاء الصحفي الذي كان قد أجراه بالأمس مع الصحافة قبل وصولي بقليل ..
أشعر أنه صادق فإن لم يكن دائما فعلى الأقل هذه المرة رغم تصميمه وقوة الإرادة الموجودة لديه ولدى أنصاره.
الرأي عندي هو أن يضع الموريتانيون الآن أيديهم في أيدي بعض وأن يكفوا أذى بعضهم عن بعض فإن كانوا لا بد متخاصمين متدابرين فليؤجلوا خصومتهم إلى وقت آخر فالظرف حساس جدا والكأس قد امتلأت فلا تدعوا القطرة تصل إليها !!
وقد جعلني هذا الشعور الطيب المتولد عن لقائي بالنائب الموقر بيرام أعرج وأنا في طريق العودة على الزعيم النقابي الساموري ولد بي بعد الضجة التي أحدثتها روايته لما حدث في حضور وزير العمل والتدوينات النارية المنسوبة إليه في نفس السياق وإن كان الأمر مختلفا في هذا اللقاء الثاني فالأخ الساموري صديق قديم عرفته منذ أيام الدراسة في الجامعة في أواخر الثمانينات وقد روى لي الأحداث بنبرة أشتم فيها رائحة الصدق وقد نفي لي ضمنيا ما تم تداوله من أن شخصا ما وجه إليه السلاح مباشرة في مكتب الوزير رغم تأكيده بأن الشخص كان بالفعل مسلحا وحاول إخراج سلاحه من غمده أمام الوزير مرات عديدة متوعدا ضمنيا بحمل السلاح في المسيرة المزمع تنظيمها في الأيام المقبلة والتي يبدو للأسف أنها كانت أحد المحاور التي دار حولها اللقاء مع الوزير في مقر حكومي !!...
وقد مازحت الرئيس الساموري قائلا أنت تتاجر بالعبودية منذ فترة طويلة ولا تزال عاجزا عن تغيير صالونك المتهالك منذ أكثر من أربع سنوات أو على الأقل منذ أن زرته منذ حوالي أربع سنوات ؟
الساموري أيضا لم يكن أقل استعدادا للتفاهم من النائب الموقر بيرام وأكد لي أنه قام - بعد طلب من إدارة الأمن - بسحب التدوينتين بدافع الحرص على الوحدة والوطنية وعلى الاستقرار ..
قد يُستفز الواحد منا وتُستثار مشاعره كما حدث مع الساموري الذي شعر بأن الاجتماع برمته إنما خطط له بتلك الطريقة لإهانته هو شخصيا والنيل من معنوياته ومعنويات من يمثلهم . وهذا هو الشعور الذي عبر لي عنه النقابي المعروف هو نفسه الشعور الذي يجتاح السواد الأعظم من الحراطين هذه الأيام. ذلك الوضع النفسي الخطير قد يدفع أي شخص إلى تصرفات طائشة في ظروف نفسية أو انفعالية قصوى.. القط قد يتحول إلى أسد إذا ضايقته ولم تترك له مهربا ومع ذلك تبقى الأحداث برمتها والطريقة التي وقعت بها غير معقولة في دولة يحكمها القانون.. أو هكذا يعتقد.
والحقيقة أننا الآن نعيش أجواء مشابهة لتلك التي عشناها في أعقاب ما يعرف محليا بـ "المحرقة" أو لتلك التي أعقبت مسيرة ميثاق الحراطين منذ أربع سنوات وإذا كانت تلك الأشياء من المنكرات التي اعتبرت في ذلك الوقت تهديدا للأمن القومي وللسكينة الاجتماعية لأنها لم تكن جامعة لمكونات الطيف الاجتماعي كلها، فإننا الآن في ظروف أشد حساسية و أكثر خطورة مما يستدعى الامتناع عن كل إجراء من شأنه الإخلال بالأمن.
وبهذه المناسبة أدعو القائمين على التظاهرة التي يجرى الإعداد لها والموجهة ضد الخطاب المتطرف - والله يعلم المفسد من المصلح - لكي تكون ظاهرة وطنية بامتياز وحتى لا يفهم منها أنها تستهدف مكونا معينا أو حساسيات اجتماعية أوسياسية بعينها ألا تستثني أحدا وأن توجه الدعوة للجميع حتى الذين يعتقد أنها موجهة ضدهم وفي مقدمتهم الميثاق وحركة إيرا والنقابات العمالية المناهضة للحكومة وكل الفعاليات المجتمعية أو الحقوقية أو النقابية من كافة الأعراق ومن كافة المكونات فالأنبياء يدعون شعوبهم من الكفرة أولا قبل طلب إنزال العقاب الإلهي بهم !! فإن لم يحصل الإجماع عليها وفيها فالأوْلى بالرئيس إلغاؤها لأنها ستزيد الوضع تعقيدا والقلوب تنافرا فلا حاجة بنا إلى المزيد من الشحن الطائفي وتأجيج المشاعر..
لكن للأسف "شي من الناسْ في موريتانِ كابظُ لغْب في الحرب الأهلية راجيين من عند مولان أنُّ ما يقلع اغباه