نشرت بعض المصادر الإعلامية خبرا يتعلق بوجود حراك داخل المعارضة الموريتانية يهدف إلى ترشيح رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، وقالت تلك المصادر بأن النقاشات المتعلقة بترشيح ولد بوعماتو لرئاسيات 2019 قد دخلت في مرحلة متقدمة.
هذا الخبر أثار جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولقد عبر عشرات المدونين المحسوبين على المعارضة عن موقفهم من ترشيح ولد بوعماتو، وكأن خبر ترشيحه قد أصبح أمرا محسوما. إن ردة الفعل السريعة والواسعة التي تعامل بها المدونون مع هذا الخبر تستوجب تقديم جملة من الملاحظات، بعض هذه الملاحظات يمكن للقراء أن يعتبروه معلومات، والبعض الآخر عليهم أن يعتبروه مجرد استنتاجات تحليلية تعبر عن وجهة نظر كاتبها.
(1)
من المؤكد بأن مسار الملف الرئاسي بالنسبة لتحالف المعارضة الانتخابي ( دون الصواب وإيرا)، سيمر بمحطتين هامتين هما:
ـ تنظيم مؤتمر صحفي يعلن فيه تحالف المعارضة ـ وبشكل رسمي ـ عن الاتفاق المبدئي على فكرة المرشح التوافقي.
ـ تشكيل لجنة لاختيار هذا المرشح ولتحديد المبادئ العامة لبرنامجه، ولذا فلا يمكن الحديث الآن عن أي أسماء محتملة الترشيح من قبل تشكيل اللجنة التي ستكلف بمهمة اختيار تلك الأسماء.
إن الحديث عن مرشح توافقي للمعارضة من قبل المؤتمر الصحفي ومن قبل تشكيل اللجنة المعنية بفرز الأسماء هو حديث سابق لأوانه. أما تحديد اسم هذا المرشح فذلك أمر أكثر من سابق لأوانه.
(2)
في يوم الخميس الموافق 21 سبتمبر 2017 أعلن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة بأنه عيَّن السيد محمد ولد الدباغ ممثلا له في دول غرب إفريقيا، وكان ذلك بعد أسابيع من إصدار القضاء الموريتاني مذكرة اعتقال في حق ولد الدباغ.
كان تعيين ولد الدباغ ممثلا للمنتدى في دول غرب إفريقيا موقفا تضامنيا نبيلا، وذلك على الرغم من أن ولد الدباغ لم يكن عضوا في المنتدى، ولا تربطه أي علاقة سياسية بالمنتدى. كل ما في الأمر هو أن محمد الدباغ كان يتعرض لظلم ولمتابعة قضائية بأبعاد سياسية، ولذا فقد كان تعيينه ممثلا لأكبر كتلة سياسية معارضة موقفا سياسيا نبيلا، ثم إن ذلك التعيين ساعد في إظهار البعد السياسي للصراع الذي يقوده النظام ضد رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو ومعاونيه.
(3)
قد يستغرب البعض منكم التذكير في هذا الوقت بخبر تعيين محمد ولد الدباغ ممثلا للمنتدى في دول غرب إفريقيا وهو الخبر الذي كان قد مر عليه أكثر من عام. لقد جئت بهذا الخبر لأذكر بأن الصراع بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو قد أصبح صراعا سياسيا واضحا، فرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو يواجه اليوم حربا شرسة من طرف النظام، وقد تجلى ذلك من خلال المواقف الأخيرة التي اتخذتها المغرب والسنغال من هذا الصراع، ويبدو أن الرئيس ولد عبد العزيز لا يريد أن يترك السلطة من قبل أن يغلق ملف ولد بوعماتو، وهو على استعداد لأن يبذل كل شيء في سبيل ذلك. يُحاول الرئيس ولد عبد العزيز أن يقنع الرأي العام الدولي بأن ملف ولد بوعماتو هو ملف فساد لا علاقة له بالسياسية، وفي المقابل فإنه على ولد بوعماتو وعلى المعارضة الموريتانية أن تبذل جهودا أكبر من أجل إقناع الرأي العام الدولي بحقيقة الملف، أي أنه من مجرد ملف سياسي يتعلق بصراع مع رجل أعمال معارض. من هذا المنطلق سيكون من المهم جدا أن تبحث المعارضة الموريتانية عن صيغة ما لمنح "لقب مرشح المعارضة لرئاسيات 2019" لرجل الأعمال ولد بوعماتو، لأن منح ذلك اللقب لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو سيضفي بعدا سياسيا أوضح على صراعه مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وسيساهم أكثر في صناعة رأي عام دولي متضامن مع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو. من الناحية العملية علينا أن نتذكر دائما بأن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لا يمكن ترشيحه لرئاسيات 2019، فهو عندما يترشح، وعندما يعود إلى أرض الوطن، فإنه سيكون بذلك قد أعطى فرصة ثمينة للرئيس ولد عبد العزيز لأن يرمي به في السجن من قبل مغادرة هذا الأخير للسلطة.
(4)
.إذا كان رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو يستحق موقفا تضامنيا من المعارضة، يجب أن يصل ـ حسب وجهة نظري الخاصة ـ إلى مستوى البحث عن صيغة ما لمنحه لقب مرشح المعارضة، ففي المقابل فإن المعارضة تستحق على رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو أن يدعم مرشحها في رئاسيات 2019 بمبلغ لا يقل عن المبلغ الذي دعم به المرشح محمد ولد عبد العزيز في رئاسيات 2009، وبذلك يكون ولد بوعماتو قد كفر عن "ذنبه" في دعم انقلاب 6 أغسطس 2008، وفي تشريعه لذلك الانقلاب.
(5)
إنه من المهم أن يشرك رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في اختيار المرشح التوافقي للمعارضة، وذلك لأنه لا يمكن أن نطلب من رجل أعمال أن يمول ـ وبشكل شبه كامل ـ حملة مرشح رئاسي دون أن يشرك في اختيار ذلك المرشح.
إنه من المهم أن توجد صيغة ما للتشاور بين المعارضة ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو حول اختيار مرشح المعارضة التوافقي في رئاسيات 2019، ولكن على المعارضة أن تعلم، كما على رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو أن يعلم بأن رهان المعارضة في انتخابات 2019 يجب أن يكون على الشباب، ولذا فيجب احترام مزاج الشباب عند اختيار مرشح ما لرئاسيات 2019.
إن أي مرشح توافقي للمعارضة لا يمكن تسويقه لدى الشباب المعارض لن يكون بإمكانه أن ينافس، وإن هناك ثلاث "لاءات" يرفعها الشباب المعارض يجب الانتباه لها عند اختيار المرشح التوافقي للمعارضة، وهذه "اللاءات" الثلاث هي :
1ـ لا لترشيح أي رمز من رموز الأنظمة السابقة كمرشح توافقي للمعارضة. إن هناك استياءً كبيرا لدى الشباب الموريتاني من استنساخ الأنظمة السابقة كلما لاحت فرصة التغيير، ولذا فإن ترشيح أي رمز من رموز الأنظمة السابقة في رئاسيات 2019 سيكون بمثابة رسالة بالغة السوء موجهة الشباب المعارض.
2ـ لا لترشيح عسكري سابق كمرشح توافقي للمعارضة . إن هناك استياءً كبيرا لدى الشباب الموريتاني من الخلط الحاصل بين الجيش والسياسة، ولذا فقد آن الأوان لترشيح شخصية مدنية ليست لها أي خلفية عسكرية.
3 ـ لا لترشيح رجل أعمال كمرشح توافقي للمعارضة، خاصة بعد عشر سنوات من حكم ولد عبد العزيز حيث وقع تداخل كبير بين التجارة والرئاسة، الشيء الذي أفسدهما معا.
خلاصة القول أنه يجب على المعارضة أن تحترم هذه "اللاءات الثلاث"، إذا ما أرادت أن تستقطب الشباب المعارض، وهي إن فعلت ذلك فإنه سيكون بإمكان مرشحها أن يفوز في رئاسيات 2019، وبذلك فستتحول رئاسيات 2019 إلى "ربيع انتخابي" من صناعة الشباب الموريتاني.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل