لهذه الأسباب سمي "شارع جمال عبد الناصر"

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أحد, 2019-01-27 17:34

أثارت مبادرة السلطة بتغيير إسم شارع جمال عبد الناصر لغطا كبيرا وردود فعل غاضبة، تؤكد أن الدوافع سطحية وتنم عن جهل بالظروف التي دفعت الرئيس الراحل: المختار ولد داداه إلى تسمية أكبر شارع في مدينة نواكشوط على الزعيم التاريخي: جمال عبد الناصر.

كما أدلى عدد كبير من رجالات الدولة المؤسسين بأحاديث علنية وأخرى جانبية، تنم عن امتعاض وعدم موافقة على الإجراء المفاجئ وغير المفهوم، ذلك أن دعم الزعيم الراحل: جمال عبد الناصر لموريتانيا، بدأ منذ أول زيارة للمرحوم المختار ولد داداه للقاهرة، حيث توجت هذه الزيارة بسلسلة إجراءات متنوعة، ساعدت موريتانيا كثيرا ومكنتها من الوقوف على رجليها في شتى المجالات، رغم المواقف السياسية المتباينة وقتها، حيث كان عبد الناصر من أبرز قادة مجموعة الدار البيضاء، في حين كانت موريتانيا منتمية إلى مجموعة منروفيا، وهو ما يعكس البعد العروبي والإفريقي والعالمي للراحل جمال عبد الناصر وعدم تقيده بالتحالفات الضيقة.

ورغم أن موقع موريتانيا وقتها لا يكاد يعرف خارجيا، فقد كان الزعيم عبد الناصر ملما بدورها وبما تمثله، حيث خاطب الرئيس المختار ولد داداه خلال أول زيارة رسمية له للقاهرة، قائلا: " ..إن الدور الذى قام به شعب موريتانيا سوف يبقى دائماً علامة بارزة فى أوضاع القارة الإفريقية وفى نضالها؛ ذلك أن شعب موريتانيا استطاع أن يكون جسراً مادياً وحضارياً يربط بين الشمال الإفريقى وما بين قلب القارة الإفريقية؛ عبر الصحراء الكبرى التي تصورها الاستعمار عازلاً، فإذا هي تتحول إلى رباط يصل ولا يفصل..".

لقد كان دعم جمال عبد الناصر لموريتانيا شاملا ومتنوعا، جمع بين الجانب الرسمي والشعبي، حيث فتح أبواب الأزهر وجامعة عين شمس، أمام البعثات القادمة من الضفة الموريتانية، المبتعثة من طرف الشخصية الوطنية الوازنة: الحاج محمود با رحمه الله، فتخرج من مصر عدد كبير من أبناء الضفة، اشتغلوا بالتدريس والقضاء وغيرهما، من بينهم المرحوم با حمادي بميي، الذي أصبح سفيرا لموريتانيا في قطر والمرحوم حمدي صنبه جوب، الذي كان عضوا في الحكومة الموريتانية، وصو آدما دنبا أطال الله بقاءه وغيرهم كثير كثير. 

أما على المستوى الرسمي، فقد كانت البداية مع زيارة الرئيس المختار الآنفة الذكر مقدمة لانطلاقة كبيرة للتعاون في مجالات شتى، حيث بعثت مصر مباشرة سنة 1963 بوفد، يرأسه وزير الصحة المصري، السيد محمد النبوي المهندس، الذي استقبله المرحوم با ببكر ألفا وزير الصحة الموريتاني وقتها، حيث شكلت هذه الزيارة فتحا كبيرا لآفاق التعاون البيني في جميع المجالات، كما شكل توقيع ابروتوكول إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية بالقاهرة، سنة 1964، مناسبة وقف فيها جمال عبد الناصر إلى جانب موريتانيا، حيث دفع المغرب إلى التوقيع على هذا لبروتوكول، الذي يعترف بالحدود الموروثة عن المستعمر، وهو ما يعني اعترافا مغربيا ضمنيا بدولة موريتانيا.

ويمكن تلخيص جوانب الدعم المصري لموريتانيا على النحو التالي:

- تم فتح المركز الثقافي العربي، وكان الثاني في نواكشوط، بعد المركز الثقافي الفرنسي.. حيث كان لهذا المركز إسهامات كبير في نشر الثقافة العربية العصرية ونشر الوعي بقضايا الأمة والعالم، كما وفر المراجع العلمية للطلبة الموريتانيين، القادمين من أصقاع موريتانيا والنازحين من الأرياف، حيث نهلوا من تلك المراجع وحصلوا بعدها على أعلى الشهادات لاحقا.

- أرسلت مصر إلينا الخبراء والأساتذة والأطباء، الذين شكلوا رافعة قوية للدولة الوليدة، ولعل هناك كثيرون من أبناء هذا البلد، لا زالوا يتذكرون كوكبة الأساتذة المصريين الأوائل في موريتانيا وعلى رأسهم الأستاذين الشهيرين: محي الدين الحلواني وحسن سري محمود.

- استقبلت مصر الطلبة الموريتانيين في مختلف جامعاتها، وكونت المعلمين والأطباء والأطر، الذين ساهموا في نهضة موريتانيا( مثل: د. محمد الرحمان ولد الإمام ومحمد المصطفى ولد بدر الدين ود. محمدو الناج ولد محمد أحمد، أطال الله بقاءهم).

- ساهمت مصر عن طريق شركة النصر في تأسيس شركة سونمكس، التي شكلت عنصر توازن في السوق الموريتاني، ووفرت للبلاد مواد أساسية، مستوردة من الخارج.

- مصر هي الأخرى أطلقت على شارع من أهم شوارع القاهرة، إسم العالم الشنقيطي محمد محمود ولد اتلاميد، حيث أصبح شارح محمد محمود  بالقاهرة نور على علم.. فلم يغير ولم يبدل، رغم التحولات التي عرفتها مصر.

إن لموريتانيا الحق في أن تخلد زعماءها وشخصياتها الوطنية، لكنه من الواجب عليها أيضا أن تخلد أولئك الرجال الذين وقفوا إلى جانبها في أوقات صعبة.

- فمن حق الشهيد صدام حسين علينا أن نطلق إسمه على شارع رئيسي بالعاصمة، اعترافا له بالجميل على استقبال العراق للعدد الكبير من الأطر المدنية والعسكرية التي تخرجت من الجامعات العراقية وعلى المشاريع الكبيرة، التي مولتها العراق في عهده، مثل التلفزة ومستشفى وكهربة بعض مقاطعات نواكشوط، ومول آفطوط الساحلي الذي تم التآمر عليه، وعلى مساندته القوية لموريتانيا خلال أحداث 1989، التي حمتها من التمزق والهوان.

- القائد معمر القذافي هو الآخر وقف إلى جانب موريتانيا، حيث أسس أول ثانوية عربية بالبلاد ومصرفا ومؤسسات مهمة، وسعى إلى استصلاح بحيرة اركيز وهم ببناء مصنع لبلورات الحديد وكهربة شنقيط وأطار وغير ذلك من المشاريع، التي كان ينوي بناءها لصالح الشعب الموريتاني، حيث وقفت القوى لفرانكوفونية سدا منيعا بينه وبين هذه المشاريع العملاقة، التي كانت تخدم تنمية موريتانيا واستقلالها، كما كان أكبر داعم لدخول موريتانيا إلى الجامعة العربية.

- الرئيس بورقيبه: سمي عليه شارع بالعاصمة اعترافا له بالجميل، بوصفه أول رئيس عربي اعترف بدولة موريتانيا.

- الرئيس كندي: كانت تسمية شارع عليه في العاصمة نواكشوط، هو الآخر اعترافا له بالجميل، بوصفه أول رئيس أمريكي يعترف بموريتانيا ويغدق عليها الهدايا الكثيرة(مارو كندي دهن كندي...إلخ).

- ديغول: هناك حقيقة للتاريخ يجب أن تذكر وهي أن الرئيس الفرنسي ديغول، ميز موريتانيا عن مستعمرات فرنسا في إفريقيا السوداء، حيث أرسل إلى حفل استقلالها وزيره الأول: ميشل دوبري، في حين بعث إلى احتفالات استقلال الدول الإفريقية الأخرى بوزراء فقط.

كما أنه زار بتلميت وأطار ووضع الحجر الأساسي لمدينة نواكشوط، صحبة الرئيس المختار ووزير الاشغال، المرحوم آمدو جاجي صنبه جوم.

كما أن وجود شوارع باسم القدس والشيخ زايد والصباح  ومانديلا، هو الآخر أمر مرغوب ومحبوب، يؤكد وفاءنا لمن وقف إلى جانبنا أو من شكل رمزا لقضية، أو كانت له بصمة على مسار التحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار والتبعية.

أما بخصوص الوحدة الوطنية، فلعل أهم شارع يجسدها، هو: الشارع المنطلق من العيادة المجمعة(بوليكلينيك)، مرورا بالحرس الوطني وانتهاء بتنويش، حيث يشكل الحبل السري للعاصمة نواكشوط، يمر بأهم ساحة في العاصمة، هي: ساحة "كرفور مدريد" ويتقاطع مع الشارع المتجه إلى مدن الشمال وكذلك الشارع المتجه جنوبا نحو روصو والسنغال، في حين يمثل هذا الشارع الممر الإجباري لجميع سالكي طريق الأمل.. فهو إذن شارع يجسد هذه التسمية، يربط بين الجنوب والشرق والشمال.

إن لموريتانيا ذاكرة، يجب أن تصان وتحترم، كما أن لها قرارات وإجراءات اتخذتها الدولة عبر مسيرتها الطويلة، يجب أن يعرف الجميع أنها لم تأت من فراغ.. كفانا عبثا وخفة وارتجالية، فذاكرة موريتانيا ليست للعب ولا التلاعب.

 

محمد المختار ولد محمد فال