أخيرا أعلن العالم عجزه فى مواجهته لفيروس إيبولا, وأصبح هذا الفيروس القاتل خارج نطاق السيطرة, و أكدت منظمة الصحة العالمية أنه قد تحول إلى تهديد مروع يواجه 13 دولة إفريقية على الاقل.
مصادر صحفية دولية متطابقة أكدت أن الآلاف من سكان دول غرب إفريقيا الموبوءة يتعاملون مع الوباء القاتل على أنه عقاب إلهى أو أنه وفق نظريات المؤامرة, من أسلحة "الرجل الابيض" لإبادتهم!! - أو هكذا يؤمن بعضهم.
فى الأسبوع الماضى توفى الشيخ عمر خان, الطبيب الشاب السيراليونى الذى وصف بالبطل للتحدى الشجاع الذى قاده فى بلاده ضد الايبولا, ليصبح ثانى طبيب يموت بسبب المرض بعد وفاة احد كبار الاطباء به فى ليبيريا المجاورة مما اضاف المزيد من المخاوف إزاء مدى ضراوة المرض الذى لم يسلم منه حتى الاطباء. ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية ومنظمة اطباء بلا حدود, فان الفيروس يقتل 90% من المصابين به, وقد أصيب به حتى الآن نحو2170 شخص توفى منهم 1145 دون ان يوجد له اى علاج, وقد اعلنت الدول التى انتشر بها المرض حالة الطوارئ القصوى, وأغلقت الحدود.
الدول الأربع التى انتشر بها الوباء, هى غينيا وليبيريا وسيراليون ومؤخرا نيجيريا, وكان الوباء قد انطلق فى دورته الجديدة فى شهر مارس الماضى من غينيا, ومنذ تلك اللحظة أصبحت المخاوف والشائعات هى الأكثر تأثيرا على المشهد. فقد أعلن مبكرا العديد من سكان المقاطعات النائية أن الوباء هو "القصاص الإلهي", لخطايا الماضي, ربما فى إشارة إلى حجم المجازر الإنسانية التى ارتكبت طوال تاريخ وحشى من الحروب الأهلية التى اشتركت بها الدول الثلاث غينيا وليبيريا وسيراليون منذ عام 1989, والتى أودت بحياة أكثر من 400 ألف شخص, وأدت إلى تشريد نصف مليون إنسان واستخدم خلالها الاغتصاب كسلاح ضد عشرات الآلاف من الفتيات وجند فيها الآلاف من الأطفال فى عمليات قتل وحشية استمرت حتى عام 2005. وسط ذكريات هذا التاريخ المؤلم, من الصعب أن تطالب شعوب هذه الدول بأن تثق فى أى إنسان. كما أن الموت لم يعد مخيفا كما قد يتصوره البعض, ويبقى انتشار الخرافات وسيلة ناجحة لتخفيف وطأة الألم, ومع ضجيج لا ينقطع على مدار الساعة تبقى صرخات المصابين بالمرض القاتل تائهة وسط هذه الخلفية الرهيبة.
مع هذا القصاص الإلهى المتصور ترفض عائلات من يكتشف لديهم أعراض المرض ان يخضع للحجر الطبي, وتلجأ بدلا من ذلك الى المعالجين المحليين الذين يستخدمون التعاويذ فى العلاج ويرفض السكان المحليون ان يرحل عنهم احباؤهم للعلاج, وبدلا من ذلك يهددون الفرق الطبية مستخدمين السواطير والمناجل وأحيانا يقومون بغلق الطرق بجذوع الأشجار الضخمة لمنع دخولهم للقرى.
فى غينيا أولى محطات الوباء, قام بعض الاهالى فى شهر إبريل الماضي, برفع الأسلحة فى وجه طاقم منظمة اطباء بلا حدود الدولية, الحاصلة على جائزة نوبل للسلام, بدعوى أنهم هم من ينشرون المرض, استكمالا لحرب الرجل الأبيض التقليدية ضدهم. ولم يتمكن طاقم المنظمة من استكمال مهمتهم الا بعد التفاوض مع الزعماء الدينيين المحليين بالتعهد بعدم التعرض لهم, إلا أن بعض الأسر قامت بإخفاء أفرادها المشتبه فى إصابتهم بالمرض بعيدا عن فحص الأطباء. ونفس المصير واجه فريق الصليب الأحمر الذى تمت محاصرته للرحيل عن إحدى القرى, ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد تدخل الشرطة, وكان الفريق قد تعرض لهجوم بالاسلحة بسبب مطالبة الاهالى بجثث ضحايا الفيروس الذين تحفظت عليهم المنظمة العالمية حتى لا تنشر العدوى.
فى شهر مايو انتشر الوباء فى سيراليون المجاورة, على يد احد المعالجين المحليين, وتكررت نفس المشاهد السابقة, حيث تحدى أبناء القرى هناك اجراءات الحجر الصحي, ومع نهاية الشهر أعلنت السلطات الحكومية أنها غير قادرة على تفقد مسار المصابين بالفيروس, بعد فرارهم على نطاق واسع من المراكز الصحية فى تلك القرى, وهناك نشر القادة الدينيون شائعات تفيد بأن "الرجل الأبيض" يتحفظ على المرضى لإجراء التجارب عليهم, وأنهم هم من أصاب شعب سيراليون بوباء شيطانى, وانهم يقطعون أطراف المرضى, للإستفادة منها فى أعمال سحر تقوم بها "الشعوب البيضاء".وقد حذر اطباء بلا حدود ان مثل تلك المعتقدات السائدة حول عدم وجود ما يسمى بالايبولا من قبل السكان المحليين, هو ما أدى إلى إنتشار المرض على الصعيد الاقليمي, اليوم ينظر العديد من السكان المحليين فى سيراليون إلى كلمة إيبولا باعتبارها وصمة عار اكثر منها مرضا ويعتبرونها سحرا شيطانيا لا يفله إلا التعاويذ, ناهيك عن تحذير سكان القرى عند رؤية زى الفرق الطبية الصفراء البلاستيكية مع اقنعة الوجه والقفازات مثل رواد الفضاء, والحقن التى يستخدمونها لحقن المرضى باعتبارها أحد أدوات المؤامرة, ولهذا يهربون من الأطباء.
كان أول ظهور لفيروس إيبولا فى زائير عام 1976 على طول نهر إيبولا ولهذا سمى بإسم النهر, وكانت الدراسات قد أثبتت أنه ينتقل من الحيوانات مثل القرود وخفاش الفاكهة والخنازير, وهى حيوانات ياكل لحومها بعض سكان افريقيا, وتمتد فترة حضانة الفيروس من يومين حتى ثلاثة اسابيع لذا فانه من الصعب الكشف المبكر عنه, وينتقل من خلال ملامسة الدم الملوث او اى افرازات للجسم المصاب, وتشمل الاعراض الاصابة بالحمى الشديدة والنزيف وتليف الجهاز العصبى وهو واحد من اكثر الفيروسات فتكا التى عرفها الانسان. وقد انتشر فى التسعينيات حصول بعض الجماعات الإرهابية فى زائير على عينات من الفيروس لاستخدامه كسلاح بيولوجى.
ومع إعادة تفشى الوباء مرة أخرى هذه الأيام تجد منظمة الصحة العالمية نفسها مجبرة على الإعلان رسميا بانه فى أنماط الشائعات والمعتقدات المحلية الرافضة لمكافحة المرض أصبح الوباء خارج نطاق السيطرة, وترصد مئة مليون دولار لمكافحته.
أنباء انفو