بحضور معالي عبيد حميد الطاير وزير الدولة للشؤون المالية في دولة الامارات العربية المتحدة، وعدد من أصحاب المعالي وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، والسيدة كريستين لاغارد المدير العام لصندوق النقد الدولي، وعدد من رؤساء وكبار المسؤولين والخبراء من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، ألقى معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي كلمةً افتتاحية في المنتدى الرابع للمالية العامة في الدول العربية، الذي يعقد هذا العام تحت عنوان "إرساء أسس الإدارة الرشيدة للسياسة المالية في الدول العربية"، الذي ينظمه صندوق النقد العربي بالمشاركة مع صندوق النقد الدولي وبالتعاون مع وزارة المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 9 فبراير 2019 في مدينة دبي.
أشار معاليه في بداية الكلمة إلى التحسن المتوقع في أداء الاقتصادات العربية خلال عام 2018، وذلك انعكاساً للارتفاع في مستويات الطلب الخارجي، والزيادة في أسعار النفط العالمية، إلى جانب تأثير برامج الإصلاح الاقتصادي التي يجري تنفيذها في عدد من الدول العربية، منوهاً في هذا الصدد إلى توقعات صندوق النقد العربي التي تشير إلى تحقيق معدل نمو للدول العربية كمجموعة بحوالي 2.3 و3 في المائة خلال عامي 2018 و2019 على التوالي.
في سياق متصل، بيّن معاليه عدد من التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية في المرحلة الراهنة على صعيد تحقيق النمو الشامل والمستدام، مشيراً في هذا الصدد إلى التحدي الأول المتمثل في القدرة على رفع وتيرة النمو الاقتصادي إلى مستويات تتراوح ما بين خمسة إلى ستة في المائة بما يساعد على تحقيق خفض ملموس لمعدلات البطالة، أما التحدي الآخر فهو تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية، ذلك بهدف احتواء وترشيد الزيادة في مستويات الإنفاق العام، وتعزيز وتنويع الإيرادات الحكومية، وتطوير استراتيجيات إدارة الدين العام، مؤكداً في هذا الصدد أن الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات خلال السنوات المقبلة، من شأنه أن يوفر موارد مالية يمكن توجيهها إلى دعم النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل مستويات الفقر والبطالة.
تطرق معاليه إلى الموضوعات التي يناقشها المنتدى، التي من أبرزها إرساء قواعد المالية العامة، مبيناً أنها تعكس أهدافاً كمية طويلة الأجل لوضع حدود وأسقف لبنود المالية العامة من أجل ضبط النفقات، والتنسيق بين السياستين المالية والنقدية، مؤكداً في هذا السياق على ضرورة تعزيز كفاءة وفعالية التنسيق بين السياستين وبينهما وبين استراتيجية إدارة الدين العام، مبيناً أهمية تعزيز الترتيبات المؤسسية وآليات التنفيذ اللازمة لتحقيق التنسيق بين السياستين خاصة فيما يتعلق بالأدوار، والمسئوليات، والأهداف، وعمليات صياغة وتنفيذ تلك السياسات.
كذلك أكد معاليه على أهمية موضوع تطوير استراتيجيات إدارة الدين العام في الدول العربية، بما يعزز من كفاءة وفعالية إدارة الدين العام. كما نوه بدور المنتدى في تعزيز تبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا المرتبطة بالسياسة المالية لدعم معدلات النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، لتحقيق حيز مالي يُتيح للدول العربية تفعيل حزمة الإصلاحات الهيكلية على مستوى سياستها المالية، ويساهم في الوقت نفسه نحو تعزيز الاستقرار المالي والنمو الشامل.
أخيراً، أشار معاليه إلى أهمية المناقشات والآراء التي سيتناولها المنتدى للاستفادة منها في تعزيز الإدراك للاحتياجات والأولويات على صعيد تنمية إصلاحات المالية العامة في الدول العربية، بما يساعد على تطوير البرامج والأنشطة، بالتالي تحقيق الانسجام مع هذه الأولويات والاحتياجات.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة:
(نص الكلمة)
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة الحضور،
أسعد الله صباحكم،
إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في مدينتنا الجميلة دبي، مع بداية المنتدى الرابع للمالية العامة للدول العربية، الذي ينظمه كل من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي بالتعاون مع وزارة المالية في دولة الامارات العربية المتحدة، استجابة لتوجيهات أصحاب المعالي وزراء المالية العرب في الاستمرار على عقد المنتدى كملتقى سنوي لصانعي السياسات المالية في دولنا العربية. نحن نحرص باستمرار أن تعكس الموضوعات المطروحة، ما يتفضل به أصحاب المعالي الوزراء من مقترحات وأولويات في إطار المستجدات الاقتصادية والمالية الإقليمية والدولية.
اسمحوا لي بداية، أن أعرب عن خالص التقدير والترحيب بالسيدة "كرستين لاغارد"، المدير العام لصندوق النقد الدولي، لحرصها على التواجد معنا في المنتدى، وإلقاء كلمة افتتاحية، والشكر موصول كذلك للسيد "فيتور غاسبر" مدير دائرة الشؤون المالية العامة في صندوق النقد الدولي، وزملائه في الصندوق على جهودهم وتعاونهم مع زملائي في صندوق النقد العربي، في الإعداد والتحضير للمنتدى والعمل على توفير كل السبل التي تساهم في نجاح المنتدى و تحقيقه للأغراض المنشودة منه.
كما لا يفوتني أيضاً في هذه الافتتاحية، التعبير عن خالص الشكر والامتنان لمعالي عبيد حميد الطاير، وزير الدولة للشؤون المالية في دولة الامارات العربية المتحدة، على تكرمه بالمشاركة في افتتاح المنتدى، وللدعم والتعاون الذي قدمه وزملاءه في وزارة المالية وكذلك في مكتب رئاسة مجلس الوزراء نحو الإعداد والتحضير للمنتدى، والمساهمة في الفعاليات التي ينظمها صندوق النقد العربي.
كما أود أيضاً أن أعرب عن خالص الامتنان والشكر لجميع اصحاب المعالي وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، الذين شرفونا اليوم بمشاركتهم وحضورهم المنتدى على الرغم من مشاغلهم، الأمر الذي يجسد حرصهم على تعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية في مناقشة تحديات السياسة المالية في إطار التطورات والتحديات الراهنة، خصوصاً على صعيد استدامة المالية العامة، والتحديات التي تواجه دولنا العربية وكيفية الاستفادة من الفرص التي قد تحملها الآفاق المستقبلية.
والشكر موصول لجميع المسؤولين والخبراء والمتحدثين من المؤسسات والهيئات والوزارات العربية والدولية على تفضلهم بالمشاركة، بما يسهم في إثراء النقاش حول مختلف قضايا المالية العامة ومتطلبات الاصلاح للارتقاء بكفاءة السياسات المالية ومساهمتهم في دعم فرص النمو المستدام.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
حققت الاقتصادات العربية تحسناً في أدائها خلال عام 2018 مستفيدة من الارتفاع في مستويات الطلب الخارجي، ومن الزيادة المسجلة في أسعار النفط العالمية، وكذلك من بدء ظهور الآثار الإيجابية لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي يجري تنفيذها في عدد من الدول العربية. تشير توقعات صندوق النقد العربي إلى تحقيق معدل نمو للدول العربية كمجموعة بحوالي 2.3 في المائة، و3 في المائة خلال عامي 2018 و2019 على التوالي. إذ يقدر أن تستفيد الاقتصادات العربية إيجاباً من الارتفاع في مستويات الطلب الخارجي العالمي، لا سيما لدى أبرز الشركاء التجاريين للدول العربية مُمثلاً في مجموعة الدول الآسيوية التي من المتوقع تسجيل بعضها لأعلى معدلات نمو متوقعة على مستوى دول العالم تتراوح ما بين 6.5-7.5 في المائة خلال عامي 2018 و2019.
في الوقت نفسه تواجه الاقتصادات العربية في المرحلة الراهنة عدد من التحديات على صعيد تحقيق النمو الشامل والمستدام. لعل من أبرزها عاملين أساسيين: أولهما القدرة على رفع وتيرة النمو الاقتصادي إلى مستويات تتراوح ما بين خمسة إلى ستة في المائة بما يساعد على تحقيق خفض ملموس لمعدلات البطالة، خاصة لدى الشباب حيث ترتفع في الدول العربية إلى ما يمثل نحو ضعفي معدل بطالة الشباب على مستوى العالم، نحو 30 في المائة مقابل 13.23 في المائة على مستوى العالم خلال عام 2018.
وثانيهما هو تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية، إذ أنه ليس خافياً عليكم الارتفاع الملموس في مستويات العجز في الموازنات وتصاعد معدلات المديونية منذ عام 2014. فقد تحول فائض الموازنة المجمعة للدول العربية البالغ واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013، إلى عجز بلغت نسبته إلى الناتج حوالي 11.5 في المائة في عام 2015. في ظل هذه التطورات تسارعت وتكثفت وتيرة تنفيذ إصلاحات المالية العامة في عدد من الدول العربية بداية من عام 2015 بهدف احتواء وترشيد الزيادة في مستويات الإنفاق العام، وتعزيز وتنويع الإيرادات الحكومية، وتطوير استراتيجيات إدارة الدين العام. ساهمت هذه الإصلاحات في خفض مستويات العجز في الموازنة العامة المُجمَعة للدول العربية إلى مستوى 6 في المائة لعامي 2017 و2018. ولا شك أن من شأن الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات خلال السنوات المقبلة، أن يوفر موارد مالية يمكن توجيهها إلى دعم النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل مستويات الفقر والبطالة.
ولعل من أهم سمات الإصلاحات التي تعمل عليها دولنا العربية، متابعة جهود التنويع الاقتصادي واصلاحات منظومة الدعم، بما يعزز من فرص الاستدامة المالية من جهة ويشجع على خلق البيئة المشجعة لنمو القطاع الخاص وجذب الاستثمار من جهة أخرى.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لعل من أهم الموضوعات التي يناقشها المنتدى اليوم في سياق تعزيز الإصلاحات في السياسة المالية، هو إرساء قواعد المالية العامة، حيث كما تعلمون تعكس تلك القواعد أهدافاً كمية طويلة الأجل لوضع حدود وأسقف لبنود المالية العامة من أجل ضبط النفقات، كاستهداف مستويات عجز الموازنة، والدين العام، بالتالي استدامة المالية العامة عند المستويات التي تحافظ على النمو الشامل المُستدام. وضعت العديد من الدول قواعد للمالية العامة خاصة الدول الأوروبية، بما يساهم في تعزيز رسم سياساتها المالية. ونحن سعداء بتواجد الدكتور"نيلز ثاغيسن" رئيس مجلس السياسات المالية الاوروبي، الذي سيقدم تجارب عدد من الدول الأوروبية في هذا الشأن.
من جانب آخر، تبرز أهمية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، فهناك كما تعلمون ضرورة لتعزيز كفاءة وفعالية التنسيق بين السياستين وبينهما وبين استراتيجية إدارة الدين العام ضمن إطارين زمنيين: الإطار الزمني قصير الأجل، حيث يتمثل الهدف الرئيس لهذه السياسات في العمل على تطوير الأدوات المالية لتحقيق الاستقرار في الأسعار، بينما يتضمن الإطار الزمني طويل الأجل التنسيق بين السياستين للحفاظ على استمرارية الاقتصاد في مساره التوازني، من خلال الحد من العجز المالي بحيث يقتصر تمويله على سوق رأس المال دون أن يؤدي إلى تشوهات في تخصيص الموارد بالاقتصاد.
ترتبط السياسات النقدية والمالية كما تعلمون، ارتباطاً متبادلاً، تتعدد صور تأثير التغيرات في السياسة المالية على السياسة النقدية، حيث تؤثر تأثيراً مباشراً على قدرة البنك المركزي في تحقيق هدف الاستقرار في الأسعار كهدف رئيس للسياسة النقدية. كما تتأثر السياسة النقدية بكفاءة إدارة الدين العام، حيث تؤثر وسائل إدارة الدين العام على أسعار الفائدة، بالتالي كفاءة وفعالية السياسة النقدية.
ولا شك أن ارتفاع مستويات الدين العام، ينطوي على مخاطر كبيرة وتأثير على كفاءة وإدارة السياسة النقدية وتدفق التمويل إلى القطاع الخاص. تبرز هنا، أهمية مناقشة إصلاحات المالية العامة في إطار التنسيق بين السياستين المالية والنقدية. ويترتب على كل ما سبق، ضرورة تعزيز الترتيبات المؤسسية وآليات التنفيذ اللازمة لتحقيق التنسيق بين السياستين خاصة فيما يتعلق بالأدوار، والمسئوليات، والأهداف، وعمليات صياغة وتنفيذ تلك السياسات. ونحن سعداء بمشاركة عدد من أصحاب المعالي الوزراء والمحافظين في الدول العربية لعرض تجاربهم ومرئياتهم حول الموضوع. كما نحن سعداء بمشاركة معالي "خوان كارلوس غارزون" وزير المالية السابق لجمهورية كولومبيا في هذه المناقشات.
أصحاب المعالي
حضرات السيدات والسادة،
لا شك أن المنتدى سيمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا المرتبطة بالسياسة المالية لدعم معدلات النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، من خلال تحقيق حيز مالي يُتيح للدول العربية تفعيل حزمة الإصلاحات الهيكلية على مستوى سياستها المالية، ويساهم في الوقت نفسه نحو تعزيز الاستقرار المالي والنمو الشامل.
قبل اختتام هذه الكلمة، أود الاشارة إلى أننا نتطلع اليوم للمناقشات والآراء للاستفادة منها في تعزيز إدراكنا للاحتياجات والاولويات على صعيد تنمية إصلاحات المالية العامة في الدول العربية، بما يساعدنا على تطوير برامجنا وأنشطتنا في صندوق النقد العربي، بما ينسجم مع هذه الاولويات والاحتياجات.
أخيراً لا يفوتني في هذا الصدد، أن أجدد الشكر والعرفان لدولة مقر صندوق النقد العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة، على ما تقدمه من تسهيلات كبيرة ساهمت في نجاح الصندوق لتحقيق الأهداف المنوطة به.
أشكر مجدداً صندوق النقد الدولي ممثلاً بالسيدة لاغارد وكافة زملاءها على المشاركة في إقامة المنتدى، متطلعا للمزيد من الارتقاء في الشراكة والتعاون بين الصندوقين. كما أشكر لمعالي الوزراء ومحافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية على حضورهم ومشاركتهم، متمنياً للمنتدى كل النجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ي ب/ن ي/زم