عثمان جدو
بعد نجاح الأجهزة الأمنية في إحكام قبضتها على المتهمين بأكبر وأعنف
جريمة هزت الرأي العام الوطني في الفترة الأخيرة، تلك الجريمة التي راح
ضحيتها الشاب *ولد برو* الذي شهد له عارفوه بالفضل والطيبة والالتزام
وتعهد القرآن.
تأتي هذه الجريمة لتعمق الجرح النازف في قلب المجتمع الموريتاني، ذلك
المجتمع البدوي الذي ألف البداوة وشرب طباعها فعشق الرمل والصحراء، تلك
الصحراء ذات الفضاء الرحب والخيمة المفتوحة المشبعة بالكرم والطيبة وسعة
الصدور وصفاء القلوب التي سكنتها أو استظلت ذات يوم بظلها.
قدم الموريتاني البدوي بطبعه المنافي للمدنية إلى المدينة وقفز في بحر
تحدياتها المتلاطم دون أن يأخذ لذلك العدة ويصطحب أدوات الأمان.. فتح
بابه أمام الجميع معتبرا كل بشر إنسان ونسي أو فاته أن الإنسان بطبعه
متطبع؛ قد يكون إنسانا بأبهى تجليات المعنى، يسمو إلى رتب المعالي،
فيباهي به ربه ملائكته، وكثيرا ما يعكس الاتجاه في سقوط حر إلى درك
الهمجية والنذالة والوحشية، فيكون ثعلبا والتعلب منه أوضح أو يكون ذئبا
بل الذئب في جانبه أمين, والأرجح أنه ثعبان والثعبان منه أرحم, طبعا
لايمكن أن ينافس الكلب فالكلب أمين وهو عدِم ذلك!!.
قبل مايزيد على عقدين من الزمن كنت طفلا صغيرا وكنت أتحسر واستشعر الخطر
القادم عندما أمضي عطلة الأسبوع في دار النعيم وأشاهد جميع الصغار تصحبهم
غالبية النسوة إلى محلات الفيديو، يتعهدونها كما يتعهد المؤمن المواظب
على صلاته المجيئ إلى المسجد، ويوم جمعتهم هو تحويل الوجهة إلى سينما
-الوازيز أو لجواد أو فرترنيتي القريبة بفعل وجودها في تيارت..أو البقية،
لم تكن تلك الدروس السيئة التي يشرب هؤلاء قذاها من تلك المشاهدة باللهو
العابر أو النزوة المتبخرة، بل كانت محددات لرسم شخصيات إجرامية ستؤرق
المجتمع بصالحه وطالحه.
لم تكن (دار النعيم) المقاطعة الفتية حينها بدعا من مقاطعاتنا ومدننا؛
بل كن لها مثيلات ونظائر في غفلة الرقيب وسبات المربي، وغياب الأب أو
انعدامه، او انشغاله كدا أو إقصائه لنفسه جهلا.. تعددت الأسباب ونتيجة
ذلك كله وحل من الإجرام وجيش من المجرمين ينتشر في كل مكان، ويانتشاره
ينتشر المرض ويكثر الضرر، فالجار بطيبة جاره يتأر وبالعكس يتضرر.
لم تكن جريمة قتل هذا الشاب وحرقه هي الأولى ولن تكون هي الأخيرة، وكلكم
يتذكر يوم قُتلت *خدي توري* و *زينب* الأولى في البحر رميت بعد الاغتصاب
وهي طفلة والأخرى أحرقت بعده!!، ولقد كنت كتبت مقالا عن كل من الواقعتين
لحظة حدوثها المؤلم ..
http://rimnow.net/w/?q=node/2399 خدي توري ..شهادتي عليكم / عثمان جدو، بتاريخ:
6. نوفمبر 2013 -
http://rimnow.net/w/?q=node/3833من زينب إلى سيادة الرئيس / عثمان
جدو، بتاريخ:24. ديسمبر 2014 -
هذه أمثلة وشواهد تذكيرا واستئناسا فقط - لاحصرا ولا إحصاء- وهنا ينبغي
علينا جميعا مواجهة هذا المشكل ومعالجة هذه الظاهرة؛ كل من موقعة، وحسب
ما أتيح له من جهد وأدوات تأثير، وعلينا أن نعي أن للمدينة إكراهات تفرض
علينا الاحتراز والحيطة والحذر، وإخفاء كل ما يرتبط شرطيا مع تهييج
الأخيلة الإجرامية.
موازاة مع ذلك كله، على أجهزتنا القضائية أن تدرك أن هذا المجتمع أمانة
في أعناقهم جميعا، وعليهم أن يعوا أن المجرم يزداد إجراما في السجن الذي
ينمي فيه الغريزة ويعزز قدراته الإجرامية بما يتيح من ندي المنابع لذلك؛
وهنا يجب اتحاذ مسالك للتأهيل أولا والإحجام أو التقليل من الحرية
المؤقتة التي هي رداء المجرمين الذي يخرجون به دوما ويزدادون جرما ثم
يعودون لما نتضرر به دون أن ينهو عنه نهي زجر وإحلال ردع، وعليهم أن
يدركوا ويدرك المجتمع من بعدهم وأوله المجرمون والقتلة أن لا تساهل مع
القاتل والمغتصب، إذ لابد من ردع القاتل بتطبيق أحكام الشرع فيه، فالقاتل
يقتل ولو بعد حين.
وفي الأخير نقول شكرا للأجهزة الأمنية وننتظر المزيد..