ثمة مفاهيم وقيم كان ومازال لها حضور قوي و مُتميز في الخطاب السياسي المُعتمد لدى مرشح الإجماع الوطني محمد ولد الشيخ محمد الغزواني من بين تلك المفاهيم مفهوم الاقتصاد المنتج وهو مفهوم وثيق الصلة بالأخلاق والسلوكيات الحميدة المشهود على أهميتها في نهوض وإثراء الأمم والشعوب على مرّ الحضارات والعصور.
وإذا كان الاقتصاد المنتج هو وقود الحياة فإن الأخلاق هي قوامها وروحها. فلا يمكن أن يستقيم ولا أن يدوم أيّ اقتصاد إلا بوجود أخلاقيات وضوابط سلوكية تُوجه القرارات الإدارية المحرّكة له بشكل فعال إن ْ على مستوى ترشيد الإنفاق العام وإن على مستوى تحفيز الاستثمار لضمان سيرورة إنتاج وازن وتوزيع عادل للثروة ضمن مقاربة متكاملة الأبعاد مع اتخاد كل الإصلاحات الضرورية بنيوياً لمواكبة هذه المقاربة على الأرض وضمان تحقق الغاية المرجوّة منها وهي إسعاد كل الموريتانيين والموريتانيات.
في هذا الإطار كان مرشح الإجماع الوطني محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني مُحقا ومُوفّقا في تأكيده على تبنّي خيار الاقتصاد المنتج والعمل على تسريع وتيرة التخلص من وضعية الاقتصاد الـرّيعي.
نستخدم هنا مفهوم الاقتصاد الريعي بمعناه الماكرو حيث المقصود تحديداً هو ذلك النمط من الاقتصاديّات الذي يجعل الدولة تعتمد بشكل شبه حصري على موارد طبيعية محدودة ( كالمعادن والمناجم والمحروقات الكربوهدراتية من نفطٍ و غازٍ ..إلخ ) بالإضافة للمساعدات الخارجية وما تيسر من الريع السيّادي داخليًا.
بُنيوياً، يُجمع الاقتصاديون على هشاشة النموذج الريعي فالدول التي تعتمـدُه أو تقتصر عليه بالفطرةِ كثيرا ما تكون مهددة بحكم التبعية لمتغيرات أسعار المواد الخام وبحكم مخاطر الاستنزاف للمصادر الطبيعية وضعف التنوع ناهيك عن تبعات تركُّــز الثروة بجيوب ضيّقة و محدودة أفقياً مما قد يتسبب في اختلالات خطيرة ومؤثرة في مستوى نَسَق وتلاحُميّـة النسيج الإجتماعي. على النقيض من ذلك يمكن القول بأن خيار الاقتصاد المنتج يضمن للدولة التي تتبناه الدخول في ديناميكية تصاعدية منفتحة بشكل إيجابي على دالة الزمن مما يُقوّي من تنافسيتها ويزيد من حظوظ مواطنيها في السعادة والرفاه.
الحق إنّ من سلبيات النموذج الريعي كونه يـتسم بنوع من الجمود على مصادر محدودة كالاكتفاء بتصدير الخامات من حديد ونحاس وما إلى ذلك ..دون أيّ جهد تحويليٍّ ذي وزن ولا أية تنويعات مصدرية ولا إضافات صناعية صناعية و لا حتى خدماتية، بينما نموذج الاقتصاد المنتج يمتاز بكونه يستلهم محفزات التطوير والتحسين المستمر لرافعات التنافسية ( la compétitivité )
وخاصة في المجالات التي يُتـَوسّم أن لبلادنا فيها ميزات تنافسية( avantages compétitifs ) إنْ بحكم توفّر بعض الكفاءات المتميزة أو بحكم بعض الإمكانات الطاقويّة أو حتى بحكم الموقع الاستراتيجي الممتاز على الصعيد اللوجستيكي.
مهما يكن فإنّ مسار الألف ميل يبدأ بخطوة. وصحيح أن مسار الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ليس مسألةً سهلة المنال. لكننا نؤمن يإمكانية تحقيق ذلك بمجرد توفر شرط جوهري واحد يكمن في العزيمة الصادقة والإرادة السياسية ومما يدل على توفر هذا الشرط الجوهري
تأكيد مرشح الإجماع الوطني عليه في أول لقاء مع الجماهير وتأكيده مرة أخرى عند اللقاء مع أرباب العمل الموريتانيين في القصر الدولي للمؤتمرات/المرابطون.
إن التأكيد على هذا الخيار الاستراتيجي بقوة وعلوّ همة يشي بالعزيمة الصارمة على مواصلة مسار الإصلاحات البنيوية بطريقة لا تتنكر للمنجز وإنما تبني عليه وترمم ما يحتاج الترميم وتُكمل كل ما تم استئنافه في العشرية السابقة خاصة في مجال البُنى التحتية وتشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الاعمال والرّيادة..
بعبارة أخرى لا شك أن المسار التنموي طويل وطويل جدا وكل ما تحقق ليس نهاية المطاف وبالتالي فإن الحاجة ستبقى قائمة للتفكير ولإعادة التفكير من أجل التحسين المستمر لإطار الحياة والبحث الدؤوب عن أفضل القرارات المناسبة لتنويع مصادر الإنتاج ولإيجاد أقوم الأساليب الإدارية للرقابة والمتابعة حتى يتم دحر خفافيش الفساد وتحييد كل المعوقات لعجلة التنمية المتوازنة.
هذا ومن المعروف علمياً أن النموذج الريعي معيق للتنمية ويعتبر سببًا -لا أقول بشكل حصري -ولكنه سبب عضوي من أسباب البطالة وضبابية الأفق التشغيلي للشباب واليد العاطلة
في هذا السياق بالذات ييدو التأشير على أهمية نموذج الاقتصاد المنتج تأشيراً في غاية الأهمية كمفتاح لحلحلة عديد السجلات الإجتماعية المرتبطة به عضويا بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ويالتالي ليس اعتباطيا التأكيد عليه ضمن القراءات الإيجابية للخطاب السياسي وضمن تطلعات مواطنينا المشروعة لإصلاحات هيكلية من شأنها أن تواكب هذا التوجه الرائد وتفتح الباب أمام ثقافة الاستحقاق والكفاءة المهنية وإعادة تشغيل المصعد الاجتماعي ليس فقط عبر تفعيل الدور المنوط بمدرسة الجمهورية
( L’ école de la république ) ابتداء ً وإنما أيضا بتفعيل وتحيين السياسات المتبعة في قطاع التعليم العالي و التكوين المهني لما لهذا القطاع من أهمية ققصوى في صناعة رأس المال البشري وتكوين الأطر والتّقنيين المؤهلين فنياً بكافة المجالات الإنتاجية ذات الأولوية الإستراتجية.
وحيث لا غرابة في أن يكون الترابط والارتباط الوثيق قائم بقوة بين تفعيل السياسة التعليمية و خيار الاقتصاد المنتج فإنه سيتعين اتخاذ قرارات شُجاعة في مجال التكوين الفني الصناعي الخدمي وحتى الرّقمي(numérique ) وفق استراتيجية جديدة تُراعي مكامن الضعف وكوامن التميـّـز الخاص بالحمض النووي/العضوي لبلادنا بالمعنى الاستراتيجي للكلمة وبجميع مقتضياته الفنية والإحصائية والجغرافية ( كتثمين الميزة اللوجستيكية وجرد الإمكانات المتاحة وترتيب سلم أولويات الآفاق الممكنة ثم إنه من ذلك أيضا ضرورة القيام بخارطة كارتوجراڤية مُحيّنة للمصادر البشرية والمادية وتشخيص دقيق لأقطاب التّميّز التنافسي ضمن رؤية استشراقية طموحة لموريتانيا آمنة، مزدهرة ومتضامنة.
(..كان ذلكم الجزء الأول من سلسلة مقالات مختصرة حول مسار التحول التدريجي نحو الإقتصاد المنتج بما يخدم حاضر ومستقبل بلادنا إن شاء الله تعالىٰ)
بشير الساس شيخنا محمدي
أستاذ بجامعة ستراسبوغ /فرنسا